نسخة تجريبيـــــــة
شخصيته العامة

الشاذلية - شيوخ السلسلة – أبو الحسن الشاذلي

                       شخصيته العامة

هو أبو الحسن علي الشاذلي الحَسَنِي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بنحاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال علي بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن سيد شباب أهل الجنة وسبط خير البرية أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم([1]).

يقول أبو العزايم ماضي يصف الشيخ رضى الله عنه:

«كانت صفته رضى الله عنه: آدم اللون, نحيف الجسم، طويل القامة, حفيف العارضين, طويل أصابع اليدين كأنه حجازي, وكان فصيح اللسان, عذب الكلام».

وكان رضى الله عنه يأخذ زينته عند كل مسجد، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»؛ أي إن الأرض -أينما كان الإنسان عليها- كلها مسجد، فإنَّ أبا الحسن كان يَتَحَلَّى دائما بالثياب الحسنة!

دخل عليه مرة فقير وعليه لباس من شعر, فلما فرغ الشيخ من كلامه, دنا من الشيخ, وأمسك بملبسه وقال: يا سيدي، ما عُبِدَ اللهُ بمثل هذا اللباس الذي عليك.

فأمسك الشيخ ملبسه فوجد فيه خشونة فقال: ولا عُبِدَ اللهُ بمثل هذا اللباس الذي عليك, لباسي يقول: أنا غني عنكم فلا تعطوني, ولباسك يقول: أنا فقير إليكم فأعطوني([2]).

ويُعَقِّبُ ابن عطاء الله السكندري على هذه القصة فيقول:

وهكذا طريق الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن رضي الله عنهما, وطريقة أصحابهما، الإعراض عن لبس زى ينادي على سر اللابس بالإفشاء، ويفصح عن طريقه بالإبداء, ومن لبس الزي فقد ادَّعَى.

ثم يُبَيِّنُ ابن عطاء الله أنه لا ينتقد زي الفقراء, وأنه لا حرج على اللابس هذا الزي, ولا على غير اللابس, ما داما من المحسنين: ﴿مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ[التوبة:91].

وفي يوم من الأيام دخل أبو العباس المرسي على الشيخ أبي الحسن, وفي نفسه أن يأكل الخَشِنَ, وأن يلبس الخشن, فقال له الشيخ:

يا أبا العباس، اعرِفِ الله وكن كيف شئت.

ومن عرف الله, فلا عليه أيضًا إن أكل هنيئًا وشرب مريئًا.

وما كان أبو الحسن يتعمد قَطُّ أن يأكل الغليظ من الطعام، أو يقتصر على غير الزلال البارد من الشراب, إنه يقول: «يا بني، يرد الماء؛ فإنك إذا شربت الماء السخن فقلت: الحمد لله, تقولها بكزازة، وإذا شربت الماء البارد, فقلت: الحمد لله، استجاب كل عضو منك بالحمد لله».

والأصل في هذا قول الله سبحانه حكاية عن موسى —: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ([3]) [القصص:24].

 ألا ترى كيف تَوَلَّى إلى الظِّلِّ؛ قصدًا لشكر الله تعالى على ما ناله من النعمة؟ وعن ذلك، وبيانًا لمنهج الطريقة الشاذلية, الذي رسمه أبو الحسن, يقول ابن عطاء الله:

 «وأما لبس اللباس اللَّيِّنِ, وأكل الطعام الشهي, وشرب الماء البارد؛ فليس القصد إليه بالذي يوجب العتب من الله، إذا كان معه الشكر لله». اهـ.

وهذا كُلُّهُ طبعًا يَتَمَشَّى مع قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ[الأعراف:32].

ويقول الأستاذ علي سالم عمار: «كان الشاذلي يلبَس الفاخر من الثياب, ويركب الفَارِهَ من الدواب, ويتخذ الخيل الجياد». اهـ.

ومهما يكن من شيء, فإن أبا الحسن كان ينصح دائمًا بالاعتدال, ويعلن للمريدين قائلًا: «لا تُسْرِفْ بترك الدنيا, فتغشاك ظلمتها, أو تنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها, بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة». اهـ.

والقاعدة العامة على كل حال: «اعرِفِ اللهَ وكن كيف شئت»؛ وذلك لأنَّ من عرف الله تعلق قلبه به، وامتلأ بحبه؛ فلا يتأتي منه إلا الفضيلة.

أما في أيام المواسم الروحية الكبرى, وفي أيام الحفلات الدينية العظمى, فقد كان يحاول ما أمكن أن يلفت أنظار الناس إليها؛ حتى تستمر هذه المواسم حَيَّةً في نفوسهم، يحيونها بالذكر والعبادة، ويحتفلون بها متصدقين بجميع أنواع الصدقات, فكان إذا ركب في هذه المواسم تمشي أكابر الفقراء وأكابر الدنيا حوله, وتنشر الأعلام على رأسه، وتضرب الكاسات بين يديه»([4]).

وما كان الشاذلي من الذين يَسْعَوْنَ وراء الشهوة الزائفة أو غير الزائفة, ولكن الناس لا بد لهم دائما من هزة قوية تلفت أنظارهم وأرواحهم إلى المواسم الدينية وتذكرهم بها، من كل ذلك نرى أبا الحسن في الجانب المادي البشري غير متزمت، وهو الذي يقول: «ليس هذا الطريق بالرهبانية, ولا بأكل الشعير والنخالة, ولا ببقيقة الصناعة، وإنَّما هو بالصبر على الأوامر, واليقين في الهداية، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ[السجدة:24].

لَقَدْ كان أبو الحسن الشاذلي جميل المظهر, عذب الحديث, فصيح اللسان, غير مُتَزَمِّتٍ في المأكل والمشرب, يحب الخيل ويقتنيها، ويركبها فارسًا، ويركبها في المواسم الدينية.

هذا هو أبو الحسن في صورته البشرية الشكلية, ولو كان أبو الحسن هو هذا فحسب لما ذكرته الدنيا, ولما خلد على التاريخ.ولكن هناك البعد الأهم فى شخصيته وهو البعد الصوفى والعلمى، وهو ما سنتناوله فى موضوع مستقل.

المرجع : قضية التصوف ، المدرسة الشاذلية- فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، مصر: دار المعارف، ط 3 ، ص 42 – 46.



([1])    عن «لطائف المنن» لابن عطاء الله السكندري.

([2])    «لطائف المنن»، ص129.

([3])    «لطائف المنن».

([4])    «الكواكب الدرية».


التقييم الحالي
بناء على 5 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث