نسخة تجريبيـــــــة
شيوخه

يقول الأستاذ على سالم عمار : «ولم يذكر ابن عطاء الله أحدا من شيوخ الشاذلى غير ابن مشيش. أما ابن الصباغ فذكر ابن حرازم، وابن مشيش، وذكر خبر اجتماع الشاذلى بأبى سعيد الباجي، وبأبى الفتح الواسطى وانتفاعه بهما دون أن يذكر أن أحدا منهما ألبسه خرقة التصوف، وتابعه صاحب المفاخر دون زيادة أو نقصان. أما السيد أحمد الغمارى فى كتابه «البرهان الواضح الجلى من أسانيد الصوفية وسماع الحسن من علي» فانفرد بتفصيل أوسع وعد للشاذلى ستة شيوخ هم :

1- أبو عبد الله بن حرزهم (أو حرازم).      

2- أبو سعيد الباجي. 

3- أبو الفتح الواسطي.  4- أبو محمد المهدوي.

5- محيى الدين ابن عربي.

6- عبد السلام بن مشيش.

ولم يذكر لنا المصادر التى استقى منها هذه العدة، وقد يكون صحيحا أنه اجتمع بأبى محمد المهدوى بتونس؛ حيث كان يتردد عليها ويتلقى علومه فيها»[1].

على أن الإمام محيى الدين ابن العربى لم يكن من شيوخ الإمام أبى الحسن الشاذلى حيث يبدو أن لقاء الإمام أبى الحسن الشاذلى بالإمام الأكبر محيى الدين بن العربى لم يثبت، يقول الأستاذ على سالم عمار : «... ولكنى أشك فى اجتماعه بابن عربي؛ لأنه هاجر إلى المشرق سنة 598 هـ ولم يكن يصح للشاذلى وسنه خمسة أعوام أن يلتقى به، وأن يأخذ عنه اللهم إلا أن يكون قد التقى به فيما بعد إبان سياحته فى الحجاز أو فى البلاد الإسلامية الشرقية، فإن الثابت أن ابن عربى لم يعد إلى المغرب أو إلى تونس بعد هجرته حتى توفى بدمشق سنة 638هـ، فمن المستغرب إذا صحت رواية البرهان الواضح الجلي كيف أن ابن عطاء الله وابن الصباغ وهما أقرب المراجع لا يأتيان على خبر مثل هذا الاجتماع ، وابن عربى من الشخصيات التى لها مقام كبير فى عالم التصوف، وفى نفس الوقت قد ذكرا خبر اجتماع الشاذلى [بعلم الدين يس] وهو من أصحاب ابن عربى بمصر، وبخبر اجتماعه بصدر الدين القونوى بدمنهور، وهو من أصحاب ابن عربى أيضا، وكيف لا يذكر الشاذلى نفسه خبر اجتماعه بابن عربى بالمشرق فى الوقت الذى ذكر خبر اجتماعه بأبى الفتح الواسطى فى العراق، وأبو الفتح الواسطى ليس أكبر خطرا ولا أكثر علما من ابن عربي، ومع هذا فإن الحدود الزمانية والمكانية قد تسمح»[2].

ويقول فى موضع آخر من كتابه : «... فليس لدينا ما يثبت ذلك غير ما ذكره السيد أحمد الغماري، ولقد فتشت أقوال الشيخ أبى الحسن الشاذلى المأثورة، وأقوال المرسى فلم أجد إشارة واحدة عن ابن عربى الذى طارت شهرته فى الآفاق، ولم أجد رواية واحدة عنه، وعن مؤلفاته وعلومه، وليس من المعقول أن يكون الشاذلى جهلها»[3]. ولذا فليس من الدقة عد ابن العربى شيخا من شيوخ الإمام أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنهما.

وَهْمُ عَدِّ نجم الدين الأصفهانى من شيوخ الإمام الشاذلى:

أما كون نجم الدين الأصفهانى شيخا للشاذلى كما ذكره الشعرانى فى الطبقات الكبرى، وصاحب المنح البادية، فالراجح أنه وهم، وذلك لأن نجم الدين الأصفهانى هذا كان متأخرا عن الشاذلي، وكان من تلاميذ المرسي، وقد نقل ذلك ابن عطاء الله السكندرى -رضى الله عنه- حيث صرح بأنه كان تلميذا للمرسى أبى العباس فى أكثر من موضع[4].

وقد حاول السيد أحمد بن الصديق الغمارى تحقيق المسألة وتفسيرها، فقال : «ولقد غلط بعض المؤرخين، فذكر نجم الدين الأصفهانى أحد شيوخ الشاذلي، ومنهم الشعرانى وصاحب المنح البادية، وهذا وهم لا حقيقة له؛ لأن نجم الدين متأخر عن الشاذلي. وقد يتفق أن يكون نجم الدين الرفاعى الأكبر شيخا للشاذلي؛ لأنه أكبر منه سنا، فقد توفى سنة  647 هـ أى قبل الشاذلى بإحدى عشر عاما.

[وأقول أيضا، قد يكون نجم الدين محمد أبو الغنايم الواسطى تلميذ الرفاعي؛ حيث أسماه الإمام الأنصارى فى عقول اللآلى نجم الدين، وقد ثبت أن الشاذلى تلقى الطريق بالعراق كما سيأتى حوالى سنة 618 هـ، وله كنية أخرى غير أبى الغنايم، وهى أبو الفتح التى اشتهر بها، وكانت وفاته ودفنه بالإسكندرية سنة 632 هـ][5].

ولكننى لما تحقق أنهم لا يقصدون نجم الدين سبط الرفاعي، وإنما يقصدون نجم الدين الأصفهانى بحثت الموضوع، وجدت منشأ للغلط، أن الصلاح الصفدى المتوفى سنة 764 هـ لما ترجم للشاذلى قال ما نصه : ورأيت شيخنا عماد الدين الحافظ قد فتر عنه فى آخر حياته، وبقى واقفا من عباراته المتشابهة حائرا؛ لأنه كان قد تصوف على طريقته، ثم قال : وصحب الشيخ نجم الدين الأصفهانى نزيل الحرم، فظن من غلط، أن ضمير الفاعل فى قوله (وصحب) عائد على الشاذلى أى أن الشاذلى صحب نجم الدين الأصفهاني. ولكن الصحيح أن الضمير عائد على الحافظ عماد الدين شيخ الصفدي. فإنه هو الذى صحب نجم الدين الأصفهاني، وهو المعقول من المناسبة التاريخية»[6].

وبعد ذكر هذا التحقيق يتأكد لنا أن شيوخ الإمام أبى الحسن الشاذلى كانوا خمسة هم:

1- أبو عبد الله بن حرازم.                      

2- أبو سعيد الباجي.   

3- أبو الفتح الواسطي. 

4- أبو محمد المهدوي.          

5- عبد السلام بن مشيش.

وفيما يلى تعريف موجز بهؤلاء الأشياخ رضى الله عنهم جميعا.

1- الشيخ أبو عبد الله بن حرازم:

هو الشيخ الكبير والولى العظيم العارف بالله، الصالح والمربى الناصح العامل العالم الواصل أبو عبد الله محمد بن على بن إسماعيل بن حرازم المعروف بابن حرازم، يتصل نسبه بسيدنا عثمان -رضى الله عنه- وهو أحد شيوخ المغرب والأندلس المعدودين الذين طارت شهرتهم فى الآفاق.

توفى أبوه[7]أبو الحسن على بن إسماعيل، وولده محمد صغير، فلم يتسنَ له الانتفاع بعلم والده الذى كان شيخا لأبى مدين، وإنما تمكن من الانتفاع من تلامذة والده كأبى مدين، وأبى محمد صالح بن بنصار الدكالى المالكي.

لقيه الشيخ أبو الحسن الشاذلى إبان وجوده فى فاس قبل رحيله إلى تونس، ويعد أبو عبد الله محمد ابن حرازم أول شيوخ الشاذلى فى طريق القوم، وهو الذى بذر فيه بذرة التصوف وهو فتى صغير، فألبسه خرقة الصوفية، وهو أول من تعلم منه مبادئ طريق القوم قبل أن ينتقل إلى تونس .

توفى الشيخ أبو عبد الله محمد بن حرازم سنة 633 هـ، ودفن بالأحواز بضواحى فاس، وله مقام كبير هناك يعرف بسيدى حرازم السخونات؛ لأن بجوار قبره عين ماء مستديمة السخونة ويستشفى بها المرضى[8].

2- الشيخ أبو سعيد الباجى:

هو خلف بن يحيى التميمى من أهل باجه[9]؛ أوحد زمانه بتونس، وأشهر أولياء عصره، سلك طريق القوم على يد أبى مدين الغوث، ومروان البوني. وقد لازم الشيخ أبو سعيد الباجى النسك والعبادة فى حياته، وعرف بالصلاح والتقوى.

وأما عن لقاء الشيخ أبى الحسن الشاذلي به ، فنقل ذلك ابن الصباغ -رحمه الله- حيث قال : «وقد حكى عنه الشيخ صالح أبو فارس عبد العزيز بن فتوح فى فضائل أبى سعيد الباجى -رحمه الله- قال عن سيدى أبى الحسن الشاذلى -رحمه الله- أنه قال : لما دخلت تونس فى ابتداء أمرى قصدت من فيها من المشايخ، وكان عندى شيء أحب أن أعرضه على من يبين لى ما فيه، فلم يكن فيهم من شرح لى حالا حتى دخلت على الصالح أبى سعيد الباجي، فأخبرنى بحالى قبل أن أبديه، وتكلم على سرى فعلمت أنه ولى الله، فلازمته فانتفعت به كثيرا. قال الراوى : وسمعت منه ذلك مرارا»[10].

وكان الشيخ أبو سعيد الباجى كثير العبادة والنسك -كما ذكرنا- حتى صار علما مفردا فى الديار التونسية، ولأهلها فيه اعتقاد عظيم ومرتبة سامية، وكان له ذكر حسن فيهم، وله عندهم مقام احترام وتبجيل، وبلغ من الشهرة أن الأحداث كانت تؤرخ بسنة وفاته ففى [تاريخ ابن الوردي] عن السلطان أبى زكريا الحفصى قوله : «استقل بتونس سنة وفاة ولى الله أبى سعيد الباجي»[11].

3- أبو محمد المهدوي:

هو أبو محمد بن أبى بكر عبد العزيز المهدوى من أكبر شيوخ الصوفية، ومن أهل المهدية ونزيل تونس، تلقى طريق القوم عن أبى مدين، وكان شيخا فاضلا عالما عاملا، وكان بينه وبين أبى على القفطى الولى المشهور  إخاء ومكاتبات تدل على فضل وعلم.

وقد أشار محيى الدين ابن العربى إلى علمه وفضله فى غير موضع من كتابه [الفتوحات المكية] وخصه ببعض رسائله كالرسالة الثانية المسماة [الرسالة القدسية] من رسائله المسماة تاج الرسائل، حيث بدأها بقوله : «من العبد الضعيف إلى وليه وأخيه ركن الدين الوثيق أبى محمد بن أبى بكر المهدوي» واختتمها بقوله : «كتبت هذه الرسالة من مكة المكرمة فى ربيع الأول سنة 600هـ» وكان موضوع الرسالة ينم عن تناغم وتجاوب مما يوحى باتفاقهما على المشرب والآراء التى وطدت علائق المودة بينهما.

ولعل ابن عربى لقى المهدوى أثناء رحلته إلى تونس سنة 591 هـ ولعلهما أيضا أخذا طريق القوم على شيخ واحد تذاكرا معه كتاب [خلع النعلين] لأبى قاسم بن قسي، فعرف كل مقدرة صاحبه ووعيه.

وكان  الشيخ المهدوى أحد ثلاثة أقطاب بإفريقية حيث كان له زاوية بتونس تعج بالمريدين، وهى دار بابا عبد الله. أما القطب الثانى فهو أبو يوسف الدهمانى بالقيروان، وكانت زاويته مفتوحة للمريدين والزوار، والقطب الثالث هو أبو على السنى النفطى بنفطة. وكانت تربط هؤلاء الأقطاب الثلاثة علاقة صداقة متينة، نتيجة للتناغم والانسجام فيما بينهم، حيث ذهبوا معا إلى أبى مدين الغوث وأخذوا عنه الطريق.

وتوفى الشيخ المهدوى سنة 621، ولما علم أبو يوسف خليفة الموحدين بوفاته تأسف عليه، وهذا يدل على علو منزلته عند الجميع حتى الحكام والخلفاء[12].

4- الشيخ أبو الفتح الواسطى:

هو الشيخ نجم الدين محمد أبو الغنايم الواسطي، وكنيته التى اشتهر بها «أبو الفتح». وهو من أبناء بلدة واسط القريبة من البطائح، وأم عبيدة التى كان يقيم بها السيد أحمد الرفاعى الكبير، والتى دفن بها، ولقد تخرج من أبناء واسط كثير من العلماء والفضلاء وأهل الصلاح، ذلك لموقعها حيث تقع فى وسط شبكة من المواصلات بين جنوب العراق وشمال، وبين مدنه الكبرى مثل بغداد والموصل والكوفة التى كانت مهبط الكثير من الفقهاء والعلماء والأولياء.

وكانت العراق مركزا مهما للتصوف بين فارس وخراسان وبلاد المشرق من جهة، وبين الشام والحجاز ومصر وبلاد المغرب من جهة أخرى، وكان أبو الفتح -رضى الله عنه- تلميذا للرفاعى الكبير، وكان أديبا شاعرا بالإضافة إلى علمه وتصوفه.

ولأبى الفتح مكانة كبرى بين أتباع الرفاعي، فلقد أرسلوه إلى مصر لينشر طريقتهم، ويتزعم الأتباع هناك، فوصل إلى الإسكندرية سنة 620 هـ، وأقام بها داعيا إلى الله مرشدا واعظا، وكان يلقى دروسه بمسجد العطارين، ولقى هناك عنتا كبيرا من شيوخ الشرع والفقهاء إلا أنه كان له الغلبة والفوز دائما.

وبقى على حاله يدعو إلى الله ويربى المريدين على طريقة شيخه الرفاعى الكبير إلى أن انتقل إلى جوار ربه سنة 632 هـ، وخلفه فى الدعوة على الطريقة الرفاعية الشيخ أحمد البدوى فوصل إلى الإسكندرية سنة 635 هـ[13].

يقول الشيخ عبد الحليم محمود فى وصفه حال الإمام الشاذلى قبل لقاء الشيخ أبى الفتح الواسطى : «وكان يبحث فى بغداد عن القطب الذى يلزمه لا سيما أن بغداد منذ بداية عهد العباسيين هى محط أنظار طلاب الدنيا والدين، فكانت تضم كبار الفقهاء، وأعلام المحدثين، والقمم العوالى من الصوفية، كما تضم كبار الساسة والقادة. كان ذلك فى عهدها الزاهر، وكأن الإمام تساءل إن لم أجد هذا الشيخ فى بغداد، فأين أجده ؟ فالتقى بالأولياء، وكان قمتهم فى نظره هو أبو الفتح الواسطي»[14].

يقول الإمام أبو الحسن عن لقائه بالشيخ أبى الفتح الواسطى : «لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبى الفتح الواسطي، فما رأيت بالعراق مثله. وكان بالعراق شيوخ كثيرة، وكنت أطلب على القطب، فقال لى الشيخ أبو الفتح: تطلب على القطب بالعراق وهو فى بلادك، ارجع إلى بلادك تجده، فرجعت إلى بلاد المغرب –بمدينة فاس- إلى أن اجتمعت بأستاذى الشيخ الولى العارف الصدِّيق القطب الغوث أبى محمد عبد السلام بن بشيش الشريف الحسني»[15].

5- الشيخ عبد السلام بن بشيش:

هو أبو محمد أو أبو عبد الله عبد السلام بن بشبش -بالباء الموحدة ويقال أيضا : مشيش بالميم أوله- ابن منصور بن إبراهيم الحسني، ثم الإدريسي، من ولد إدريس بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين[16].

ولد فى بنى العروس فى جبل العَلَم[17]بالمغرب الأقصى، وتذكر بعض المراجع التى ترجمت له أنه التقى بالشيخ أبى مدين فى بجاية، ثم أكمل تربيته الصوفية على يد «الشيخ عبد الرحمن العطار» المشهور «بالزيات المدني» أحد تلاميذ الشيخ «تُقَىّ الدين الفُقَيْر»[18].

يقول ابن عياد -رحمه الله- «وأما أبو عبد الله السيد عبد السلام بن بشيش، وهو أجل مشايخ الشيخ أبى الحسن الشاذلي، وعلى يديه كان فتحه، وإليه كان ينتسب إذا سئل عن شيخه، وهو سيدى عبد السلام بن بشيش، واشتهر فى الغرب بمشيش، وهو من إبدال الحرف بأخيه... ومقامه بالمغرب كالشافعى بمصر، وهو أخذ عن القطب الشريف السيد عبد الرحمن الحسنى المدنى العطار الزيات، والمدنى نسبة لمدينته صلى الله عليه وسلم، والزيات نسبة لحارة العطار الزياتين»[19].

يقول على سالم عمار كلاما يفسر لنا معنى قول ابن عياد أن الشيخ عبد السلام بن بشيش هو الشيخ الذى كان ينتسب إليه الشاذلى وكان على يديه فتحه : «قد يأخذ الطالب العلم على شيوخ كثيرين، وأساتذة متعددين، ويدين لكل واحد منهم بمسألة من المسائل، أو برأى من الآراء، إلا أنه لا ينصرف بكليته إلا لواحد يدين له فى النهاية بكل علم، ويكون هذا هو الشيخ المربى فى نظره، الذى سيطر على أفكاره وذهنه، وسلك سبيل علمه، أو تصوفه وروحانيته. وذلك هو الذى اتحدت نفسه بنفسه اتحادا كاملا فتجاوبت النفسان، وتناغتا وتفاعلتا على درجة فى المحبة. وكذلك يكون فى حالة السير والسلوك، ثم بعد ذلك إلى المعين الذى تعرف منه هذه النفس فتقف عنده وتقلد الأستاذ، وقد تزيد روحه فى اغترافها من ذلك المعين فتفوق الأستاذ. ومن ثم يكون الأستاذ واسطة للوصول، فإذا بلغت نفس الطالب إلى مرتبة الحب الإلهى فحدث عنها ولا حرج، فقد أصبحت مقهورة بحبها سائرة على غراره بما تلتمسه من أسرار»[20].

وعن بداية اللقاء بين أبى الحسن الشاذلى وشيخه عبد السلام بن بشيش، يقول الإمام الشاذلى : «لما قدمت عليه، وهو ساكن مغارة برباطه فى رأس الجبل، اغتسلت فى عين أسفل الجبل، وخرجت من علمى وعملي، وطلعت عليه فقيرا، وإذا به هابط علي، فلما رآنى قال : مرحبا بعلى بن عبد الله بن عبد الجبار، وذكر لى نسبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لى : يا على طلعت إلينا فقيرا من علمك وعملك أخذت منا غنى الدنيا والآخرة، فأخذنى منه الدهش، فأقمت عنده أياما إلى أن فتح الله على بصيرتى ورأيت له خرق عادات من كرامات وغيرها.

قال : وكنت يوما جالسا بين يديه وفى حجره ولد صغير، فخطر ببالى أن أسأله عن اسم الله الأعظم ؟ فقام الولد إلى ورمى يده إلى أطواقي، وقال : يا أبا الحسن أردت أن تسأل الشيخ عن الاسم الأعظم، إنما الشأن أن تكون أنت هو الاسم، يعنى سر الله مودع فى قلبك، قال : فتبسم الشيخ وقال: أجابك فلان عنا، وكان إذ ذاك قطب الزمان، ثم قال لى : يا على ارتحل إلى إفريقية، واسكن بها بلدا تسمى شاذلة، فإن الله يسميك الشاذلي، وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس ويؤتى عليك بها من قبل السلطنة، وبعد ذلك تنتقل إلى بلاد المشرق، وترث القطبانية، فقلت له : يا سيدى أوصني، فقال : الله الله، والناس، تنزه لسانك عن ذكرهم، وقلبك عن التماثيل  من قبلهم وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض وقد تمت ولاية الله عليك، ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك، وقل : اللهم ارحمنى من ذكرهم، ومن العوارض من قبلهم، ونجنى من شرهم، وأغننى بخيرك عن خيرهم، وتولنى بالخصوصية من بينهم، إنك على كل شيء قدير»[21].  

قال على سالم عمار : «ولم يتحقق عام وفاته، قال بعضهم سنة 622 هـ، وقال قوم سنة 623، وقال آخرون : سنة 625 هـ ودفن بجبل العلم ببنى عروس بجوار تازروت، وقال الأستاذ السندوبى: بجوار تطوان»[22].

وبهذا نعلم أنه قد اتفق على خمسة من أكابر الأشياخ أخذ عنهم الإمام أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنهم جميعا.

راجع لمزيد من التوسع حول الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه: ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن فى مناقب أبى العباس المرسى وشيخه أبى الحسن ، خاصة ص 71 - 93. - وابن الصباغ ، درة الأسرار، خاصة من ص 4-40. - ابن عياد الشافعى ، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص 5-44 (ط الحلبى) . - وابن الملقن، طبقات الأولياء، ص 458-459. - والصفدى، الوافي بالوفيات، 12/92، 93. - ابن العماد، شذرات الذهب، 5/278 . - والسيوطى، حسن المحاضرة، 1/298. - وحسن أبو الإقبال بن على وفا (السيد الشريف الحسنى ) ، شجرة الإرشاد، ص 3- 14. - والشعرانى ، الطبقات الكبرى (2/4-12). - والكوهن ، طبقات الشاذلية الكبرى ، ص 20 - 64 . - والنبهانى، جامع كرامات الأولياء، 2/175-177. - وعلى سالم عمار، "أبو الحسن الشاذلى ، عصره - تاريخه - علومه - تصوفه"، وهو من أول وأفضل ما كتب عن الشيخ أبى الحسن فى العصر الحديث، بحيث صار مرجعا أساسيا عنه، رغم تعدد ما كتب عنه بعد ذلك. - ومحمد بن عثمان الحشايشي، الدر الثمين فى التعريف بأبى الحسن الشاذلى وأصحابه الأربعين، ص 25-60. - وحسن السندوبى ، أبو العباس المرسى ومسجده الجامع بالإسكندرية، ص 13 - 40 . - عبد الحليم محمود ، قضية التصوف - المدرسة الشاذلية ، ص 15 - 173 . - أحمد حامد عبد الكريم الشريف، الطبقات العروسية الشاذلية ، ص 69-71. - ود/ محمد أحمد درنيقة، الطريقة الشاذلية وأعلامها، ص 13-63. - وعبد المنعم قنديل، أبو الحسن الشاذلي زعيم الحياة الروحية في القرن السادس عشر.


[1]    على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه،  1/56.

[2]    على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه، 1/56.

[3]    على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه، 1/76.

[4]    راجع : ابن عطاء الله السكندرى ، لطائف المنن،  ص 100، 101.

[5]    قد تكون هذه الفقرة من كلام الأستاذ على سالم عمار نفسه، ثم أكمل كلام السيد أحمد بن الصديق الغماري، ولقد ظننت ذلك لأنه بعد أن ذكر الفقرة فى كتابه قال : وقال الأستاذ الغماري، ثم ذكر الفقرة التى تليها، وهذا فى بداية صفحة 59 من الجزء الأول لكتابه «أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه. ؟؟؟

[6]    أحمد بن الصديق الغمارى ، البرهان الواضح الجلي،  ص : 51 وما بعدها. وقد نقل عنه ذلك  على سالم عمار فى كتابه «أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه»  1/ 58 ، 59. ؟؟؟

[7]    راجع ترجمته فى : محمد مخلوف ، شجرة النور الزكية،  1/162، 163.

[8]    راجع : محمد مخلوف ، شجرة النور الزكية 1/186، و على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه،  1/61.

[9]    وهى باجة القديمة بتونس وهى قرب منوبة فى الطريق الجديد بتونس.

[10]   ابن الصباغ ، درة الأسرار،  ص  6.

[11]   راجع : البهى النيال ، الحقيقة التاريخية للتصوف الإسلامي، ص 224، مكتبة النجاح للنشر والتوزيع سنة 1965 الطبعة الأولى. وعلى سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه،  1/61 ، 62.

[12]   راجع ترجمته فى : على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه،  1/71، 73. محمد بن عثمان الحشايشي، الدر الثمين فى التعريف بأبى الشاذلى وأصحابه الأربعين، ص 17 ، 18  . و محمد مخلوف شجرة النور الزكية،  فى ترجمة أبو محمد المهدوي ؟؟؟.

[13]   راجع ترجمته فى : على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه،  1/77 ، نقلا عن العقود اللآلي، للإمام الأنصاري.

[14]   راجع : الدكتور عبد الحليم  محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، ص 22 ، 23 ط دار الكتب الحديثة.

[15]   وراجع : ابن عياد، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص : 12.

[16]   ابن عياد، المفاخر العلية، ص 11، 12. نقلا عن محيى الدين عبد القادر بن الحسينى بن على الشاذلى فى كتابه «الكواكب الزاهرة فى اجتماع الأولياء بسيد الدنيا والآخرة» ؟؟؟

[17]   العلم بفتحتين، وبه دفن الشيخ ابن مشيش، ويقام له مولد سنوى هناك، وهو مكان يبعد عن تازروت نحو ربع ساعة، ويبعد عن تطوان نحو ستين كيلو متر.

[18]   راجع : أحمد حسن السلاوى الناصرى ، الاستقصاء فى تاريخ المغرب الأقصى،  1/210. والزركلى، الأعلام، 4/9.

[19]   ابن عياد ، المفاخر العلية، ص 11.

[20]   على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه،  1/54 ، 55.

[21]   راجع : ابن عياد، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص : 12، 13.

[22]   على سالم عمار ، أبو الحسن الشاذلى عصره-تاريخه-علومه-تصوفه،  1/79.


التقييم الحالي
بناء على 51 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث