يعرف مشايخ النقشبندية طريقتهم بأنها : "متابعة الشريعة المحمدية، ومباعدة المكروهات والمحرمات المنهية، وإشغال القلب بالذكر والفكر، ومراقبة الذات العلية"([1]).
وعقيدة النقشبندية : هى عقيدة أهل السنة والجماعة حيث يؤكد مشايخ الطريقة النقشبندية على أن اعتقادهم هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، ويرون أن تعلم اعتقاد أهل السنة الصحيح هو أول ما يجب على المريد قبل أخذه العهد بالطريق([2]).
وللسنة النبوية منزلتها العظمى عند الطريقة النقشبندية: حيث يرى مشايخ الطريق أن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يقول الشيخ النقشبند - هو أن يستغرق المريد فى مقام {فاتبعونى}، مؤكدا على أن الطريقة النقشبندية ما هى "إلا التمسك بأذيال متابعة السنة السنية، واقتفاء آثار الصحابة الكرام"([3]). ومن هنا كان للنقشبندية موقفهم من الشيعة والرافضة وغيرهم من الفرق المخالفة لأهل السنة، فكان لمشايخ النقشبندية دور كبير فى دعوة الفرق المخالفة إلى الحق، وكشف ما هم عليه من أخطاء وبدع، وخاصة الشيعة والرافضة، نظرا لكثرة الشيعة فى البلاد والمناطق التى نشأت بها النقشبندية وانتشرت ببلاد الهند وما وراء النهر ووسط آسيا.
وأساس طريق السادة النقشبندية : هو التمسك بمعتقد أهل السنة والجماعة، ودوام العبودية ظاهرا وباطنا بالتزام السنة، والأخذ بالعزائم، وتجنب الرخص، مع دوام الحضور مع الله تعالى على طريق الذهول والاستهلاك، والمراد بالرخص فى هذا المقام : ما ينبغى لطالب الحق البعد عنه كالانهماك فى فضول المباحات، والاسترسال فى الضحك([4]).
وأهم أصول الطريقة النقشبندية:هى "التوبة، والذكر الخفى، والمراقبة، ورابطة الشيخ الكامل"([5])، وصحبة الشيخ الكامل، فطريق "الوصول إلى الله تعالى عند السادة النقشبندية إما بمحض الصحبة، أو بالذكر مع المراقبة... أو بالتوجه والمراقبة... أو الربط بالشيخ الذى وصل إلى مقام المشاهدة"([6]).
وجوب معرفة أحكام الشريعة الغراء، وأن الشريعة والحقيقة متحدتان: كما أكد شيوخ الطريقة على وجوب معرفة أحكام الفرائض الشرعية التى تجب على الإنسان من صلاة وصيام وزكاة وحج، وأن يعرف أحكام كل فريض تجب عليه من واجبات وسنن وآداب ومحرمات ونحو ذلك([7]). ويقول الإمام الربانى (ت 1034 هـ): "اعلم أن الشريعة والحقيقة متحدتان فى الحقيقة لا تغاير بينهما ولا فرق... وسئل الشيخ النقشبند (ت 791 هـ) : ما المقصود من السير والسلوك؟ فقال قدس سره: "أن تصير المعرفة الإجمالية تفصيلية، والاستدلالى كشفيا"([8]).
أما مدار الطريقة النقشبندية:فيقوم على: أ- التحقق بكمال الإيمان بالله وبرسوله، وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ب- التحقق بكمال الإسلام المعبر عنه بالتزام العبد بجميع الأحكام الشرعية مع إظهار العجز والافتقار. ج- التحقق بكمال الإحسان، أي تصفية العمل من طلب عوض أو قصد غرض أو رياء، وبكلمة الإخلاص، هذا الإحسان يحقق دوام العبودية، أي دوام الحضور من غير مزاحمة الخواطر والتعلق بالأغيار. ويعبر عن ذلك بالفناء، أي فناء صفات السالك في صفات الحق؛ والمراد بذلك إسقاط أوصاف النفس المذمومة لتحل محلها الصفات المحمودة([9]).
مبنى الطريقة النقشبندية على إحدى عشرة كلمة : يذكر مؤرخو الطريقة النقشبندية أن الشيخ عبد الخالق الغجداونى والشيخ محمد بهاء الدين النقشبند هما اللذان قررا مبنى هذه الطريقة العلية من خلال العمل بإحدى عشرة كلمة، ثمانية منها مأثورة عن الشيخ عبد الخالق، وثلاث مأثورة عن الشيخ محمد بهاء الدين النقشبند، وهذه الكلمات الإحدى عشرة هى: 1- حفظ النفَس (عن الغفلة عند دخوله وخروجه). 2- حفظ النظر (عدم التعلق بالمبصرات وغض النظر عنها حتى لا يشتغل القلب بالتفرقة الحاصلة من النظر إليها). 3- الانتقال من الصفات البشرية الخسيسة إلى الصفات الملكية الفاضلة. 4- الخلوة فى الجلوة (حضور القلب مع الحق فى الأحوال كلها، والغيبة عن الخلق). 5- تكرار الذكر على الدوام. 6- رجوع الذاكر بالنفى والإثبات إلى قوله: إلهى أنت مقصودى ورضاك مطلوبى، حيث يورث ملاحظتها سر التوحيد الحقيقى بالفناء عن وجود جميع الخلق. 7- حفظ القلب من الخواطر ولو لحظة. 8- التوجه الصرف المجرد عن الألفاظ إلى مشاهدة أنوار الذات الأحدية. 9- الوقوف الزمانى (بأن يلتفت السالك كل ساعتين أو ثلاث إلى حال نفسه هل هو الحضور مع الله، فيشكر ويعد نفسه مقصرا ويعزم على حضور أتم، وإن كان حاله الغفلة تاب ورجع إلى الحضور). 10 - الوقوف العددى (المحافظة على عدد الوتر فى الذكر بالنفى والإثبات). 11- الوقوف القلبى (حضور القلب مع الحق سبحانه على وجه لا يبقى للقلب مقصود غير الحق سبحانه، ولا ذهول عن معنى الذكر، وهو شرط الذكر)([10]).
الخفية عند النقشبندية : لعل هذا الأصل هو أكثر ما يميز الطريقة النقشبندية، التى مال رجالها منذ عهد الشيخ عبد الخالق الغجدوانى إلى الذكر الخفى، ثم صار ذلك هو أساس الذكر مطلقا على يد الشيخ بهاء الدين شاه نقشبند، ومن ثم قيل : إن مبنى الطريقة النقشبندية على الخفية وستر الحال([11]).
الشيخ صحبته والرابطة عليه: يذكر النقشبندية فى طرق الوصول عندهم طريقين من خلال الشيخ، وهما طريق الصحبة الحسية للشيخ المربى، وطريق الرابطة القلبية بالشيخ، وكل منهما طريق مستقل عن صاحبه، فطريق الصحبة يكون بالملازمة الحسية والصحبة الدائمة للشيخ، وطريق الربط أو الرابطة يكون بالملازمة القلبية([12]).
السلسلة عند النقشبندية : وبالإضافة إلى أهمية الشيخ فى الطريقة النقشبندية، فإننا سنجدهم يولون سلسلة الطريقة أهميتها أيضا، حيث " ينبغي للمريدين أن يعرفوا نسبة شيخهم، ورجال السلسلة كلها من مرشدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم إذا أرادوا أن يطلبوا المدد من روحانيتهم، وكان انتسابهم إليهم صحيحًا؛ حصل لهم المدد من روحانيتهم، فمن لم تتصل سلسلته إلى الحضرة النبوية؛ فإنه مقطوع الفيض، ولم يكن وارثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تؤخذ منه المبايعة والإجازة"([13]).
الذكر عند النقشبندية : ترى المدرسة النقشبندية أنه لا شىء أنفع لحال أهل النهايات من تلاوة الكتاب العزيز، أما أهل البدايات فلا شىء أنفع لهم من الذكر الكثير باسم الذات أو النفى والإثبات على ما يختاره المرشد الموصل([14]).وللذكر مراتب عند السادة النقشبندية: ذكر اللسان - ذكر القلب - ذكر الروح - ذكر السر - ذكر الخفى، "وذكر القلب هو أن يكون الحضور مع الحق تعالى، والحضور مع الخلق بالنسبة إليه سواء، يعنى أنه يجمع هذا مع هذا، وذكر اللسان لا يحتاج إلى بيان، وذكر الروح هو أن يكون الحضور مع الحق عز وجل غالبا على الحضور مع الخلق، وذكر السر هو أن لا يكون له حضور مع غير الحق تعالى، ولا يكون له خبر من الكون، والذكر الخفى أن يخفى وجود الروح خفاء يكون فى السر فلا يبقى غير المذكور"([15]). وهناك لطيفة خامسة باطنة تأتى بعد الخفى فى ترتيب السلوك، وهى لطيفة الأخفى ذكرها العديد من شيوخ النقشبندية([16]).
الذكر الباطنى الخفى : كما تقدم فإن أهم ما يميز الطريقة النقشبندية هو الخفية، ولهذا اختار شيوخها الذكر القلبى الخفى وقدموه على الذكر الجهرى أو الجلى، وذلك لأن الذكر القلبى " لا يدخل فيه رياء، ولأن القلب موضع الإيمان"([17])، وسنجد عند الطريقة النقشبندية أن الذكر الباطنى الخفى باسم الذات "الله" ينتقل عبر اللطائف الباطنة الخمس التى سبقت الإشارة إليها: القلب - الروح - السر - الخفى - الأخفى، وهو فى جميعها يكون باسم الجلالة "الله" سرا وخفية بلا صوت ولا لفظ.
جلسة الذكر النقشبندية وآدابها: يقسم النقشبندية جلسة الذكر إلى نوعين : جلسة ذكر فردية يقوم بها المريد على حدته، وجلسة ذكر جماعية يجتمع فيها المريدون مع شيخهم ويسمونها "الختم"، ولكل من الجلستين آداب خاصة به. أما آداب جلسة الذكر الفردية فهى : الوضوء - استقبال القبلة - الجلوس متوركا عكس تورك الصلاة - الاستغفار (25) مرة - قراءة الفاتحة مرة - قراءة الإخلاص ثلاث مرات وإهداؤها إلى روح النبى صلى الله عليه وسلم وأرواج جميع مشايخ السلسلة النقشبندية - تغميض العينين وإلصاق الشفة بالشفة واللسان بسقف الحلق لكمال الخشوع وقطع الخواطر - رابطة القبر (وهى عبارة عن ملاحظة الموت منذ لحظة الوفاة حتى الدفن) - رابطة المرشد (ربط القلب بالشيخ الكامل) - ذكر اسم الذات (الله) بالقلب (مع ملاحظة المعنى : ذات بلا مثل، وأنه تعالى حاضر ناظر محيط بك) - انتظار وارد الذكر عند الانتهاء يسيرا قبل فتح العين.
الختم النقشبندى: أما أعمال جلسة الذكر الجماعى عند النقشبندية والتى يطلقون عليها "الختم النقشبندى"، فهى كالتالى : الاستغفار (15) مرة - رابطة الشيخ - قراءة الفاتحة سبعا - الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم مائة - قراءة سورة الإخلاص (1001) مرة - قراءة الفاتحة مرة أخرى سبعا - الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم مائة أخرى - قراءة بعض آيات من القرآن الكريم - الدعاء فى آخر الختم لرجال السلسلة، وربما جعلوا بدل قراءة سورة الإخلاص، قراءة أذكار أخرى (500) مرة، مثل : لا حول ولا قوة إلا بالله، أو لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين، أو يا محول الحول والأحوال حول حالى إلى أحسن حال، أو يا خفى الألطاف أدركنا بلطفك الخفى. أما آدابه فهى : الطهارة من الحدث - مكان خال - الخشوع والحضور - كون الحاضرين مأذنين من الطريقة - تغميض العين - لا يحضر أمرد - إغلاق الباب - الجلوس متوركا عكس تورك الصلاة([18]).
التوجه والمراقبة عند النقشبندية : وهى إحدى طرق الوصول وحصول المعرفة عند السادة النقشبندية، وهى أسهلها وأقربها عندهم وأعلى من طريق النفى والإثبات (الذكر بلا إله إلا الله على الهيئة المخصوصة عند النقشبندية)، وأقرب للجذبة الإلهية من غيرها، ومن طريق المراقبة يمكن الوصول إلى الوزارة الباطنة والتصرف فى الملك والملكوت، ويمكن بها الإشراف على الخواطر، والنظر منه إلى الغير بنظر الموهبة، وتنوير باطنه، ومن ملكة المراقبة تحصل الجمعية ودوام قبول القلوب، وهذا المعنى يسمى جمعا وقبولا([19]).
التصرف وإلقاء الجذبة قبل السلوك عند النقشبندية : المقصود بالجذبة عند النقشبندية هى استيلاء قوة الجاذبة إلى الله تعالى بحيث لا يبقى فى باطن المريد تدبير لشىء من أموره مطلقا، بحيث لا يكون للمجذوب شعور بنفسه إلا بالسلوك فى طريق الأعمال الشرعية، ومن لم يرد الله تعالى أن يطهر قلبه أراه نفسه مستقلة دون الله تعالى متحركة ساكنة بنفسها، بخلاف الذى حصلت له الجذبة فإنه لا شعور له بنفسه حتى يستقل بها، بل لا يعتقد أن له وجودا مع الله تعالى يستقل فيه، بل شعوره بالله فى الحركات والسكنات وفى الباطن والظاهر، فيترك التدبير فى جميع الأمور اعتمادا على تدبير الله تعالى([20]).
التربية بالروحانية : تمتاز الطريقة النقشبندية بالأخذ بعين الاعتبار والاعتماد بما يسمونه : "التربية بالروحانية" أو "التربية الأويسية" نسبة إلى أويس القرنى التابعى الذى ربته روحانية النبى صلى الله عليه وسلم، دون لقاء جسمانى، وبشر به صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأمر سيدنا عمر أن يسأله الاستغفار إذا اجتمع به، فكل من ربته روحانية أحد السادات يقال له أويسى، نسبة لسيدنا أويس القرنى سيد التابعين([21])، فالتربية عند السادة النقشبندية لا تقتصر على الاتصال الجسمانى فحسب، بل عندهم أيضا التربية بالروحانية، والتى يرونها أقوى وأعلى من التربية بالنسبة الجسمانية ... وصورة التربية بالروحانية عندهم : أن تتصل روح الحى الذى هو فى الدار الدنيا بروح من هو فى البرزخ اتصالا لائقا، ويقع التخاطب الروحانى بين المفيد والمستفيد، ويخلق الله عز وجل للروح المستفيدة علما ضروريا تلقيه الروح المفيدة([22]). وبعبارة أخرى، فإن ذلك يتم من خلال ظهور الشيخ للمريد "فى عالم السير إلى الله تعالى"([23])، وقد وقعت النسبة الروحانية فى عدة مواضع من السلسلة النقشبندية الصديقية - وهى إحدى ثلاث سلاسل للطريقة - هى التى جرت عادة مشايخ الطريق بذكرها، لعلو السند، ولأن الاتصال فى بعض وسائطها بالروحانية المحضة([24])، كما أنه ربما جمع بعض شيوخ النقشبندية بين التربيتين الروحانية والجسمانية، كما وقع للشيخ بهاء الدين شاه النقشبند (ت 791 هـ) حيث تربى التربية الظاهرة الجسمانية على شيخ السلسلة الشيخ محمد بابا السماسى (ت 755 هـ)، ثم أتم تربيته خليفة السماسى وشيخ السلسلة الشيخ أمير كلال (ت 771 هـ)، وفى الحقيقة ربت الشيخَ بهاء الدين شاه النقشبند روحانيةُ الشيخ عبد الخالق الغجدوانى (ت 575 هـ)، فتحققت للشيخ بهاء الدين النقشبند النسبتين الروحانية والجسمانية. على أن هذه السلسلة المتصلة بالنسبة الروحانية ليست هى السلسلة الوحيدة عندهم وإن كانت هى السلسلة المعتمدة التى يعولون عليها، لكنهم إلى جانبها يذكرون أيضا عدة سلاسل أخرى تتصل بالنسبة الجسمانية وتخلو من النسبة الروحانية تصحيحا لاتصال السلسلة بحسب الظاهر([25]).
المريد عند النقشبندية : يؤكد الشيخ بهاء الدين نقشبند على أنه "ينبغى للمريد أن يكون راسخ القدم لا يزيحه أى شىء عما هو فيه (يعنى مما أمره به شيخه)، ولا يتبدل اعتقاده فى شيخه بوجه من الوجوه أصلا، حتى لو رأى الخضر عليه السلام لا يلتفت إليه"([26]). وترى المدرسة النقشبندية أنه ينبغى للمريد أن يظهر جميع أحواله للمرشد، ويتيقن أنه لا ينال المقصود الحقيقى إلا برضائه وحبه([27]).
آداب مريد الطريق النقشبندى: يؤكد مشايخ النقشبندية على أنه لا طريق لمن لا أدب له، وينبهوا المريد على أنه لا ينبغى له أن يقف مع الآداب التى تحلى به، لأن كونك مع الآداب خطأ، لرؤيتك لنفسك أنك مؤدب، وهذا خطأ فى الأدب([28])، ويأتى على رأس الآداب الظاهرة التى يوصى شيوخ النقشبندية بها: أن يكون المريد قائما بالأوامر والنواهى الشرعية، ويكون دائما على الطهارة مستغفرا محتاطا فى جميع الأمور، متبعا لآثار السلف الصالح عاملا بها، والآداب الباطنة هى أن تحفظ قلبك من خطور الأغيار، والأدب مع النبى صلى الله عليه وسلم باتباع سنته ظاهرا، وشهود حضرته المحمدية باطنا، والأدب مع الأولياء بحفظ الخواطر معهم ومفارقة كل ما يكون طبع إنسانى واعتقاد أن الشيخ هو الموصل إلى حضرة المولى تعالى([29]).
التصفية مقدمة على التزكية عند النقشبندية: عند أكثر مشايخ الطريق نجد أن التزكية مقدمة على التصفية عندهم، ومن ثم يدخلون المريد أولا فى الخدمات والرياضات الشاقة التى تنكسر بها النفس وتحصل بها التزكية، ثم يلقنونه الذكر بعد ذلك لتحصل له التصفية، أما عند النقشبندية فإن طريقتهم على العكس، فإنهم قالوا بعد ما يتوجه الإنسان إلى التصفية والتوجه الحق بالصدق فيحصل له من التزكية بإمداد جذبة من جذبات الرحمن فى ساعة ما لا يحصل لغيره من الرياضات والسياسات فى سنين بناء على تقدم الجذبة عندهم على السلوك([30]).
اتجاه السلوك مستدير عند النقشبندية: يذكر النقشبندية أن سلوكهم مستدير لا مستطيل، وأول قدمهم فى الحيرة والفناء، ومن ثم يقدمون الجذبة على السلوك، والتصفية على التزكية، بينما يقدم أكثر مشايخ الطريق من غير النقشبندية التزكية على التصفية، ولا يلقنون أحدا الذكر إلا بعد إدخاله فى الخدمات والرياضات الشاقة التى تنكسر بها النفس وتحصل بها التزكية، أما النقشبندية فإنهم على العكس، وقالوا: بعد ما يتوجه الإنسان إلى التصفية والتوجه الحق بالصدق فيحصل له من التزكية بإمداد جذبة من جذبات الرحمن فى ساعة ما لا يحصل لغيره من الرياضات والسياسات فى سنين، وذلك بناء على تقدم الجذبة على السلوك عندهم، فإن سلوكهم مستدير لا مستطيل، وإن أول قدمهم فى الحيرة والفناء، كما قال الخواجة بهاء الدين نقشبند: بدايتنا نهاية الطرق الأخرى([31]).
الفناء والبقاء عند النقشبندية: يرى الشيخ بهاء الدين شاه نقشبند أن الفناء والبقاء على وجهين - وإن رأى الأكابر أنه أكثر من ذلك - الأول : الفناء عن الوجود الظلمانى الطبيعى، والثانى: الفناء عن الوجود النورانى الروحانى([32]).
مراتب السير فى الطريق النقشبندى: يرتب مشايخ السير فى الطريق النقشبندى السير إلى أربعة مراتب متتالية: السير إلى الله - السير فى الله - السير عن الله - السير بالله. أما السير إلى الله فيتحقق بقطع مقام الفناء، ثم ينتقل المريد إلى مرتبة "السير فى الله" ويتحقق بها فى مقام فناء الفناء (الفناء الثانى) والوصول إلى الذكر بلطيفة "الخفى"، وبعد التحقق بالفناء (السير إلى الله تعالى) والبقاء (الذى هو بعد الفناء، وهو السير فى الله تعالى منه إليه)، يتحقق السير عن الله تعالى (يعنى إلى خلقه) وبالله تعالى (يعنى لا بالنفس)، الذى هو مقام التنزل إلى مبلغ عقول الخلق لدعوتهم إلى الحق([33]).
الكرامات : يؤكد الشيخ بهاء الدين نقشبند - ومع كثرة ما وقع له من كرامات([34])- على أن "هذه الأمور وأمثالها لا اعتبار لها عند خواص أهل الله تعالى"، موجها كلامه هذا لمريديه لما رأوا بعض أهل الطريق طائرا فى الهواء قائلا لهم أيضا : "مرتبة الطيران سهلة فإن الذباب ليطير فى الهواء أيضا"([35]).
خلاصة خصائص الطريقة النقشبندية: يقدم لنا الإمام الربانى المجددى (ت 1034 هـ) فى عبارة جامعة أهم ما امتازت به هذه الطريقة العلية فيقول رحمه الله تعالى : "اعلم يا أخى أن الذى لا بد منه وكلفنا الله به : امتثال الأوامر واجتناب النواهى لقوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وإذا كنا مأمورين بالإخلاص فى ذلك وهو لا يتصور بدون الفناء وبغير المحبة الذاتية، وجب علينا أيضا سلوك طريق الصوفية الموصلة للفناء والمحبة الذاتية حتى تتحقق حقيقة الإخلاص، ولما كانت طرق الصوفية متفاوتة بالكمال والتكميل كان كل طريق تلتزم فيه متابعة السنة السنية وأداء الأحكام أولى وأنسب بالاختيار، وذلك الطريق هو طريق السادة النقشبندية قدس الله أسرارهم العلية، فإن هؤلاء الأكابر التزموا فى هذه الطريقة متابعة السنة واجتناب البدعة ولا يجوزون العمل بالرخصة، ولو وجدوا ظاهرا أن لها نفعا فى الباطن، ولا يتركون الأخذ بالعزيمة، ولو علموا صورة أنه مضر بالسير، ويجعلون الأحوال والمواجيد تابعة للأحكام الشرعية، والأذواق والمعارف خادمة للعلوم اللدنية، ولا يستبدلون الجواهر النفيسة الشرعية مثل الأطفال بجوز الوجد وزبيب الحال، هذا حالهم على الدوام ووقتهم، محيت نقوش السوى من بواطنهم، بحيث لو تكلفوا ألف سنة أن يتذكروها لا يتيسر لهم ذلك، التجلى الذاتى الذى هو لغيرهم كالبرق دائم لهم، والحضور الذى يعقبه غيبة لا اعتبار له عند هؤلاء الأعزة، {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} حالهم، ومع ذلك فطريقهم أقرب الطرق قطعا، وموصلة ألبتة، نهاية غيرهم مندرجة فى بداية هؤلاء الأكابر، ونسبتهم المنسوبة إلى الصديق الأكبر رضى الله عنه فوق نِسَب جميع المشايخ، لا يصل إلى ذوق هذه السادة فهم كل أحد"([36]).
([1]) محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص 9).
([2])تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية للنابلسى (ص 21). - محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص 2-3).
([3]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 59 - 60).
([4]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 6).
([5])نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 166).
([6]) تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 65، 83، 91) باختصار وتصرف يسير.
([7]) محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص 3).
([8]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 77-78).
([9]) راجع: أسعد صاحب، بغية الواجد في مكتوبات خالد، (دمشق 1334هـ)، ص 25-26. - الكمشخانلي، جامع الأصول، ص 16. - د/ محمد أحمد درنيقة، الطريقة النقشبندية وأعلامها، (ص 22-23).
([10])تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 97-123). نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 43-45).
([11]) عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 100، 143).
([12]) راجع: تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 53-54، 91-95). - عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 55، 65). - محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص 10).- النبهانى، جامع كرامات الأولياء (1/240-244، 251). - نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 52-53، 58، 69، 70). وانظر أقوال العلماء من شتى المذاهب والاتجاهات فى أهمية الرابطة ومشروعيتها: نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 69-70).
([13]) محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص ).
([14]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 34).
([15]) تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 168-170).
([16])محمد أمين الكردي، الإجابة الربانية (ص 86).
([17]) محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص 6).
([18]) راجع: محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص 14-16).
([19]) تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 83، 89-90). - نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 64-65).
([20]) عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 36-37) بتصرف واسع.
([21]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 33).
([22]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 35).
([23]) عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 58).
([24]) ممن تلقى سر هذه النسبة بالروحانية من مشايخ السلسلة : القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق (ت 101 هـ) من سلمان الفارسى (ت 32 هـ)، وأبو يزيد البسطامى (ت 261 هـ) من جعفر الصادق (ت 148 هـ)، وأبو الحسن الخرقانى (ت 425 هـ) من أبى يزيد البسطامى
(ت 261 هـ)، راجع: نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 7 - 9، ، 27، 31، 33، 34، 35، 53).
([25]) انظر مثلا : تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 55-57).
([26]) النبهانى، جامع كرامات الأولياء (1/ 248).
([27]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 64).
([28]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 64).
([29]) راجع للتوسع: تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 193-208).
([30]) المحبى، خلاصة الأثر (/) ؟؟؟.
([31]) المحبى، خلاصة الأثر (/) ؟؟؟. - أ/د جودة المهدى، مقدمة تحقيق مفتاح المعية للنابلسى، (ص 14).
([32]) تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 163-167، 170-171) باختصار وإضافات من الشرح. والحديث أخرجه الطبرانى فى الكبير (5670)، وابن أبى حاتم بنحوه (1994)، وأبو يعلى بنحوه أيضا (7359).
([33]) راجع: تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 170-178).
([34]) انظر بعضا منها: النبهانى، جامع كرامات الأولياء (1/ 240-253). - نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 53 - 61).
([35]) النبهانى، جامع كرامات الأولياء (1/ 248).
([36]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 75-76).