يرى فريد عبد الرحمن دي يونج، فى كتابه المهم "تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر"، وهو من أهم المراجع التى اهتمت بالتأريخ للتصوف الإسلامى فى هذه الفترة، ويرى دى يونج أن هذه الطريقة ظهر لها ممثلون في مصر، اعتبارًا من بداية القرن الثامن عشر على الأقل، ولكن يبدو أنه لم يظهر في الأفق أية جماعة متألقة لفترة طويلة، ولكن من حين لآخر كانت تكايا حسن الرومي والأزبك ودرب القرمز -يشرف عليها أو يرأسها مشايخ ممن ينتمون إلى هذه الطريقة؛ ومن ثم فإنهم ربما كانوا بمثابة المركز الأساسي لنشاط النقشبندية.
وكان عثمان أفندي سليمان ينتمي للنقشبندية التي كانت لها جماعة نشيطة تعيش في تكية تقع بالقرب من شارع الحبانية ابتداء من عام 1268 هـ (1851/ 1852م). وكانت هذه التكية قد شيدت في تلك السنة عن طريق الخديوي عباس الأول وعلى نفقته الخاصة. كما أنشأ أوقافًا شاسعة لتدعيم هذه التكية. وقد فعل كل هذا من أجل محاباة شيخ نقشبندي يسمى محمد عاشق والذى توفى سنة (1300هـ / 1883م) وورد اسمه كرئيس على هذه التكية. وكان هذا الشيخ من أصل تركي «عثمانلي» ودخل إلى الطريقة النقشبندية عن طريق أحمد ضياء الدين الكمشخانوى
(ت 1311هـ / 1893 م) الذي كان ينتمي للطريقة الضيائية وهي فرع من الخالدية .
ولقد انتشرت تعاليم النقشبندية عن طريق الشيخ خالد الشهرزوي (ت 1242هـ / 1827م) وهو أعظم داعية لهذه الطريقة في العالم العربي.
وهناك تكية أخرى كان يرأسها شيخ ينتمي لهذه الطريقة وهي تكية درب القرمز. وأحمد خاكي (ت 1891 م) شيخ هذه التكية لم يكن يمثل الخالدية أو أي فرع من فروعها وإنما كان يمثل المجددية وهي بمثابة تعاليم نقشبندية قديمة ترجع إلى أحمد السرهندي (ت 1034 هـ / 1624 م). إلا أن غالبية المقيمين في هذه التكية كانوا ينتمون على ما يبدو إلى الخلواتية.
وهناك أيضا تكية النقشبندية بالقرب من حوش شرقاوي، وهى من المنشآت الحديثة العهد على ما يبدو، والتى أنشأت فى عهد الخديوى عباس أو بعده، ولا توجد معلومات محددة معروفة عن المقيمين بتكية النقشبندية ، هل هم من المنتسبون لهذه الطريقة فقط أم لا .
وكانت الفروع الثلاثة المختلفة للنقشبندية قد شقت طريقها إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر. وأول فرع من هذه الفروع الثلاثة دخل إلى مصر عن طريق رجل سوداني يسمى الشريف إسماعيل السناري وكان هذا الرجل قد انضم إلى النقشبندية وأخذ العهد على يد مشايخ عديدين لهذه الطريقة أثناء فترات إقامته في مكة والمدينة.
وفي أوائل الستينات كان قد حاول أن يكون لنفسه مجموعة من الأتباع والأنصار في القاهرة. وعندما فشل في تحقيق ذلك عاد إلى السودان حيث ظلت محاولاته لجمع الأنصار والأعضاء مقصورة على منطقة دنقلة. ومن دنقلة انتشرت هذه الطريقة شمالًا في مصر العليا وخاصة اعتبارًا من عام 1870 فصاعدًا بفضل الجهود التي بذلها قاضي دنقلة الذي يسمى موسى معوض والذي كان خليفة لإسماعيل ثم حل محله بعد ذلك كشيخ لهذه الطريقة. وترك الشيخ موسى معوض دنقلة في أواخر أيامه واستقر في بنبان التي تقع شمال أسوان. وراح ينشر طريقته في هذا المكان. فانتشرت بصفة خاصة في المساحة الواقعة ما بين أسوان واسنا بين الجعافرة وهى قبيلة كان ينتمى هو نفسه إليها. وعقب وفاة الشيخ موسى معوض في عام (1888 م) انتقلت رئاسة الطريقة إلى الشيخ الشريف محمد الليثي نجل الشريف إسماعيل ، والذي خلفه في هذا المنصب في بداية القرن العشرين الشيخ محمد نجل الشيخ موسى معوض.
وكان فرع ثان للنقشبندية قد ظهر تحت قيادة الشيخ جودة إبراهيم (1264-1351 هـ/ 1848-1932 م) وكان هذا الشيخ قد انضم إلى طرق أخرى عديدة قبل أن يدخل في الطريقة النقشبندية عن طريق أحمد ضياء الدين الكمشخانوى عندما زار الكمشخانوى مصر في عام (1293 هـ / 1876م). وكان أحمد ضياء الدين الكمشخانوى قد أدخل تعديلات على النقشبندية في منطقة القاهرة فأصبحت تعرف باسم الضيائية فانضم إليها عدد كبير من الاتباع اعتبارًا من عام (1268 هـ - 1851/1852م) على الأقل عندما أنشأ الخديوي عباس الأول تكية لتمليذ للكمشخانوى يسمى محمد أفندي عاشق. وبعد وفاة عاشق في عام 1883 جاء بعده حفيده عثمان خالد كشيخ على هذه التكية.
إلا أن الشيخ جودة إبراهيم عقب دخوله في الطريقة عن طريق الكمشخانوى جعل نفسه شيخًا على طريقة مستقلة تمامًا عن الضيائية في القاهرة. بل وأدخل تعديلات على الضيائية الأصلية التي أصبحت تعرف باسم الجودية وتمكن من ضم عدد كبير من الأتباع في مديرية الشرقية وخاصة في منطقة منيا القمح وضواحيها حيث كان يقيم.
وفي نهاية القرن التاسع عشر انتشرت الخالدية في مصر نظرًا للنشاط الدعائي الذي قام به رجل كردى يسمى الشيخ محمد أمين (1840- 1913م) الذي كان يعيش بالقاهرة بالفعل لفترة تزيد على عشر سنوات ابتداء من عام (1304 هـ -1886/1887م) قبل البدء في الإعلان عن نفسه كأكبر داعية لهذه الطريقة. وكان قد أدخل إلى هذه الطريقة عندما كان شابًا صغيرًا مقيمًا في مسقط رأسه أربيل عن طريق شيخ يسمى «عمر» وهو خليفة لعثمان الكردى الذي كان أحد تلاميذ الشيخ خالد الشهرزورى. وفي بادئ الأمر كان أتباع محمد أمين مقصورين على القاهرة فقط حيث كانت الجلسات المنتظمة تعقد في مسجد أبي العلاء ومسجد سنان باشا بمنطقة بولاق. ولكن مع نهاية القرن التاسع عشر انتشرت الطريقة بالأماكن الريفية الواقعة شمال القاهرة وخاصة في محافظة القليوبية وذلك بفضل نشاطه في الدعوة للطريقة.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص25، 79، 81-82، 142-143.