تنسب الطريقة إلى الشيخ محمد بهاء الدين الشاه نقشبند الأويسى البخارى، (718 - 791 هـ)، والذى وصفه النبهانى بأنه "شيخ الطريقة العلية النقشنبدية الأعظم، وأحد أكابر أئمة الصوفية المقدم"([1])، ومنه أخذت التسمية (النقشبندية)، (ونقش بند) اسم فارسى اشتهر به الشيخ بهاء الدين الأويسى، ويعنى بالفارسية ربط النقش، حيث يصير من الذكر على طريقتهم تأثير فى قلب المريد، فكان يقال لذلك التأثير (نقش)، وذلك الذكر (بند)، أى ربط النقش، كصورة الطابع إذا طبع به على شمع ونحوه، وربطه بقاؤه من غير محو([2])، فالكلمة تشير إلى تأثير الذكر في القلب وانطباعه فيه. وينسب إلى الشيخ بهاء الدين شاه نقشبند: الذكر الخفى باسم الذات، ووضع مبنى الطريقة على إخفاء الذكر على ما هو المعهود الآن والأخذ بالعزيمة وترك الرخص، حيث مرت الطريقة قبل الشيخ بهاء الدين شاه بفترات كان الذكر الجماعى فيها جهريا، بينما يكون الذكر الفردى خفيا، فإن الطريقة من زمن الشيخ محمود الأنجيرفغنوى (ت 685 هـ) إلى زمن الأمير كلال (ت 772 هـ) كانوا يجتمعون للذكر بالجهر وكانوا إذا انفردوا يذكرون خفية، فلما تلقى الشيخ بهاء الدين شاه نقشبند (ت 791 هـ) هذه الطريقة العلية اقتصر على الذكر الخفى جمعا وانفرادا أخذا بالعزيمة([3])وقيل: "وكان ذكرهم جهرا من قبل الشيخ عبد الخالق، ثم إن الشيخ عبد الخالق صحب الخضر فلقنه الذكر خفية، فمن ذلك اليوم صار ذكرهم خفية"([4]).
كما يعتبر الشيخ عبد الخالق الغجداونى([5])(ت 575 هـ) هو واضع الأساس الأول للطريق، بل إن الشيخ تاج الدين الهندى أطلق على الشيخ عبد الخالق الغجدوانى أنه "رأس سلسلة الخواجكان"، وأنه "رأس حلقة هذه الطائفة"([6])، ووصفه الشيخ عبد الغنى النابلسى بعد أن نسب إليه أنه هو الذى انتقل بالطريقة من الذكر الجهرى إلى الخفى بعد أن تلقاه من الخضر بأنه "مكمل آداب هذه الطريقة ومساعد السالكين بكلماته الدالة على أنه فارس ميدان الحقيقة"([7])، ولعل تلك الأهمية التى يمثلها الشيخ الغجدوانى بالنسبة للطريقة النقشبندية ترجع إلى أنه ينسب إليه الذكر الخفى بالنفى والإثبات (لا إله إلا الله) مع حبس النفس على ما هو المعروف عند السادة النقشبندية، وقد تلقى هذا الذكر من الخضر عليه السلام وأمر به، كما أمره أن يذهب للاسترشاد بالشيخ يوسف الهمدانى (ت 535 هـ، وهو أحد رجال السلسلة النقشبندية، وشيخ الشيخ عبد الخالق فيها)، فأمره الشيخ الهمدانى بملازمة الذكر الخفى على ما علمه الخضر عليه السلام. كما أن الشيخ عبد الخالق الغجدوانى هو الذى ينسب إليه الختم النقشبندى أو جلسة الذكر الجماعية النقشبندية على الهيئة المعروفة عندهم والتى تعرف أيضا بختم الخواجكان، وكلمة الخواجكان هى بالفارسية جمع خواجة والواو تكتب ولا تقرأ، وتعنى بالفارسية الشيخ ورئيس البيت وعزيز القوم، واشتهر به مشايخ ما وراء النهر([8]).
كما أن الشيخ عبد الخالق الغجداونى والشيخ محمد بهاء الدين النقشبند هما اللذان قررا مبنى هذه الطريقة العلية من خلال العمل بإحدى عشرة كلمة سيأتى الحديث عنها بالتفصيل عند الكلام على الطريقة النقشبندية من الناحية الصوفية ([9]).
للنقشبندية عدة السلاسل تتصل من خلالها إلى سيدنا على وإلى سيدنا أبى بكر الصديق([10])، لكن المختار والذى جرت عليه عادة مشايخ الطريق هو ذكر السلسلة من طريق سيدنا أبى بكر الصديق، نظرا لأنهم رأوا أن سيدنا أبى بكر الصديق تتمثل فيه روح وقيم الطريق النقشبندى، والذى يقوم على الخفاء والذكر القلبى، وعدم إظهار الطقوس، والأخذ بالعزائم... إلخ، ومن هنا يطلق على هذه السلسلة: السلسلة الصديقية، وربما أطلقوا هذا الاسم على الطريقة ككل، خاصة فى مراحل ما قبل الشيخ بهاء الدين شاه نقشبند (ت 791 هـ)، وإنما جرت عادة مشايخ الطريقة بذكر هذه السلسلة الصديقية فى إجازاتهم وتوسلاتهم مع عدم إنكار السلسلتين الأخريين لعلو السند بقلة الوسائط فى هذه السلسلة الصديقية، ولأن الاتصال فى بعض وسائطها بالروحانية المحضة، وهذه النسبة الروحانية عند العارفين رضى الله عنهم أقوى اتصالا من الجسمانية، فإن فيها ظهور كرامة الله تعالى للعبد؛ إذ أذن لروحانية أحد المصطفين من أنبيائه أو أوليائه بتربية هذا العبد كما وقع لكثير من الأكابر([11]).
وللمشايخ النقشبندية عناية كبيرة بالسلسلة، وبيان مناقب شيوخها وتراجمهم، بداية من رشحات عين الحياة، والذى يعد أوسع كتب فى تراجم مشايخ الطريقة، واستمر المنتسبين لهذه الطريقة العلية فى التذييل على الرشحات واستدراك تراجم من أتى جيلا بعد جيل وحتى العصر الحديث، ومما يوضح مدى عنايتهم بذكر السلسلة أن الشيخ تاج الدين الهندى - وهو أحد خلفاء مولانا محمد الباقى شيخ السلسلة([12])- اهتم بذكر سند الطريقة فى رسالته مع اختصارها([13]).
مرت الطريقة النقشبندية - وبحسب ما يذكر شيوخها - بعدة مراحل تاريخية، وأطلق عليها فى كل مرحلة اسما خاصا بها، فمن زمن أبى بكر الصديق إلى زمن أبى يزيد طيفور البسطامى كانت تعرف بالصديقية، ومن زمن البسطامى إلى زمن الخواجة عبد الخالق الغجدوانى كانت تعرف بالطيفورية، ومن زمن الخواجة الغجدوانى (وهو الذى تلقى أعمال الختم من الخضر عليه السلام) إلى زمن الشيخ بهاء الدين النقشبند كانت تعرف بالخواجكان أو الخواجكانية، والجواجكان جمع خواجه وتعنى بالفارسية السيد أو الشيخ، ومن زمن الشيخ بهاء الدين النقشبند صارت تشتهر بالنقشبندية([14])، إلا أنه يلاحظ أن اسمى الصديقية وطريقة الخواجكان ظلا مستعملين إلى حد ما خاصة فى المؤلفات التى تتناول تاريخ الطريقة وآدابها.
وتعتبر بلاد ما وراء النهر هى منشأ الطريق النقشبندى، ثم انتقل إلى بلاد الهند حتى صارت هى المركز الرئيسى لانتشار الطريقة النقشبندية على يد الإمام الربانى المجددى (ت 1034 هـ)([15])، وإلى الهند كانت رحلة من أراد أخذ هذه الطريقة فى القرون الأخيرة، وقد حققت الطريقة النقشبندية بعض الانتشار فى البلاد العربية أواخر القرن الحادى عشر وبداية القرن الثانى عشر، فالشيخ عبد الرحمن السقاف باعلوى (ت 1124 هـ) رحل إلى الهند فأخذ بها الطريقة النقشبنديةعن الأكابر العارفين، واشتغل بها حتى لاحت عليه أنوارها، وورد الحرمين فقطن بالمدينة المنورة... وممن أخذ عليه بها الطريقة الشيخ محمد حياة السندى بإشارة بعض الصالحين... وأشار السقاف إلى أنه لم يعط الطريقة النقشبندية لأحد إلا بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم([16])، كما كان باليمن فى القرن الثانى عشر الشيخ أحمد بن عجيل، وكانت إليه الرحلة لأخذ الطريق النقشبندى، ومنه أخذ العلامة الشيخ أحمد بن محمد البنا الدمياطى المصرى وتربى على يديه، ثم أمره شيخه ابن عجيل أن يرجع إلى مصر وينشر الطريق، فكان كما قال حتى وُصف الشيخ الدمياطى بأنه خاتمة من قام بأعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية، وعمّ نفعه لا سيما فى الطريقة النقشبندية، وصارت تلاميذه أئمة يقتدى بهم ويتبرك برؤيتهم([17]).
وفى القرن التالى (ق 13 هـ) ستحقق الطريقة انتشارا واسع المدى فى بلاد العرب والعجم خاصة العراق والشام وتركيا وذلك على يد مولانا الشيخ خالد ضياء الدين (1242 هـ)، والذى انتشرت خلفائه فى هذه البلاد انتشارا واسعا، وانتسب إليه العلماء والأكابر ورجال الدولة، حتى كان بعض وزراء الخلافة العثمانية من مريديه([18]).
وفى القرنين (13 - 14 هـ) ستعاود الطريقة النقشبندية الانتشار فى الديار المصرية وذلك على يد بعض شيوخها، وأقدمهم محاولة هو مولانا الشريف إسماعيل السنارى فبعد أن تلقاها عن مشايخ عديدين بمكة والمدينة، حاول نشر الطريقة بالقاهرة أولا فى أوائل الستينات من القرن الثامن عشر الميلادى (1277 هـ= 1860م)، ثم انتقل إلى دنقلة ببلاد السودان، ثم قدم خليفته الشيخ موسى معوض (ت 1305 هـ/1888 م) من السودان، واستوطن أسوان ونشر الطريق بها بداية من سنة (1287 هـ/ 1870م) وبواسطته انتشر الطريق النقشبندى فى بلاد الصعيد الأعلى. ثم قام بنشر الطريقة بمصر الشيخ أحمد ضياء الدين الكمشخانوى (ت 1311 هـ)، والذى كان على رأس الضيائية وهى فرع من الخالدية النقشبندية نسبة إلى الشيخ خالد ضياء الدين أعظم دعاية للطريقة النقشبندية فى عالم العربى، وقد قدم الكمشخانوى مصر ونشر الطريق بها وصار له أتباع بداية من سنة (1268 هـ) وحقق شهرة وانتشارا حتى أنشأ الخديوى عباس الأول تكية نقشبندية لأحد تلاميذه وهو الشيخ محمد عاشق، ثم نجد بعد ذلك مولانا الشيخ محمد أمين الكردى (ت 1332 هـ)، والذى قدم إلى القاهرة سنة (1304 هـ)، وبعد حوالى عشر سنوات من قدومه بدأ فى نشر الطريقة بالقاهرة والقليوبية وبلاد الصعيد الأدنى، وحتى سنة (1316 هـ) كان الشيخ الكردى يرى أن هذه الطريقة "غريبة بالديار المصرية"([19])ومن ثم فقد حاول التعريف بها من خلال نشره كتابه "الهداية الخيرية فى الطريقة النقشبندية" فى تلك السنة، ثم مولانا الشيخ محمد أمين البغدادى، والذى قدم القاهرة سنة (1335 هـ)([20])، وكلاهما أخذ الطريق عن تلاميذ خلفاء الشيخ خالد النقشبندى، ثم مولانا الشيخ جودة النقشبندى (ت 1351 هـ) ببلاد الشرقية خاصة منيا القمح، والذى تلقى الطريق النقشبندى عن الشيخ أحمد ضياء الدين الكمشخانوى سنة (1293 هـ)، إلا أنه أنشأ طريقة لنفسه مستقلة عن طريقة شيخه التى كانت تعرف بالضيائية النقشبندية، بينما صارت طريقة الشيخ جودة تعرف بالجودية النقشبندية. وكان هناك أيضا تكية للنقشبندية بدرب قرمز، من شيوخها: الشيخ أحمد خاكى (ت 1308 هـ)، ولم يكن يمثل الخالدية أو أى فرع من فروعها، بل كان يمثل المجددية النقشبندية التى ترجع إلى الإمام الربانى المجددى ( ت 1034 هـ)([21]).
([1]) النبهانى، جامع كرامات الأولياء (1/240 - 253)، وقد أطال فى ترجمته على غير العادة، وانظر ترجمته أيضا فى: نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 53-61). د/ محمد أحمد درنيقة، الطريقة النقشبندية وأعلامها، (ص 18-22).
([2]) عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 32، 51).
([3])عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 51). - ونجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 57).
([4]) عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 100).
([5]) انظر ترجمته: نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 41-45). - د/ محمد أحمد درنيقة، الطريقة النقشبندية وأعلامها، (ص 16-18).
([6]) تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 52، 100).
([7]) عبد الغنى النابلسى، مفتاح المعية فى الطريقة النقشبندية (ص 100).
([8]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 42).
([9]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 43-45).
([10]) انظر ترجمة أبى بكر الصديق من الناحية الصوفية: أبو نعيم الأصفهانى، حلية الأولياء (؟؟؟). - النبهانى، جامع كرامات الأولياء (1/127-128). - نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 19-22).
([11]) راجع: نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 8-9).
([12]) نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 73).
([13]) تاج الدين الهندى، رسالة فى آداب الطريقة النقشبندية، ومعها شرحها مفتاح المعية لعبد الغنى النابلسى (ص 49-61).
([14]) د/ محمد أحمد درنيقة، الطريقة النقشبندية وأعلامها، (ص 11).
([15]) انظر ترجمته: النبهانى، جامع كرامات الأولياء (1/ 555-557)، ووصفه بأنه "مجدد الألف الثانى، أحد أئمة الصوفية وأركان الطريقة النقشبندية". - نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 73-78).
([16])الجبرتى، عجائب الآثار، (1/125-126).
([17])الجبرتى، عجائب الآثار، (1/141-142).
([18]) راجع بخصوص الشيخ خالد: عثمان بن سند الوائلى النجدى، أصفى الموارد من سلسال أحوال الإمام خالد. - نجم الدين الكردى، خلاصة المواهب السرمدية، (ص 90-95). - نزار أباظة، الشيخ خالد النقشبندى العالم المجدد - حياته وأهم مؤلفاته.
([19]) محمد أمين الكردي،الهداية الخيرية في الطريقة النقشبندية، (ص 2).
([20]) انظر بخصوص الشيخ محمد أمين البغدادى: الكوهن، طبقات الشاذلية الكبرى، (ص 218).
([21])راجع بخصوص ذلك: فريد دى يونج، تاريخ الطرق الصوفية فى مصر فى القرن التاسع عشر، (ص 79، 141-143)، وللتوسع بخصوص بداية ومدى انتشار النقشبندية بمصر منذ أوائل القرن الثامن عشر الميلادى راجع: المصدر السابق نفسه (ص 25، 77، 79، 137).