نسخة تجريبيـــــــة
مكانته

لقد كانت لسيدى الشيخ العارف بالله أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه وأرضاه منزلة كبيرة ، ومكانة عالية، وشهد له بذلك كبار العارفين والعلماء، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : "أنتم شهداء الله فى الأرض".

فمن أقوال العارفين والعلماء تعبيرا عن مكانته ومنزلته فى الطريق والمعرفة والعلم:

- قال المحقق سيدي داود بن باخلا في شرح (حزب البحر): " ... هو السيد الأجل الكبير، القطب الرباني، العارف الوارث المحقق بالعلم الصمداني، صاحب الإشارات العلية، والحقائق القدسية، والأنوار المحمدية والأسرار الربانية، والمنازلات العرشية، الحامل في زمانه لواء العارفين، والمقيم فيه دولة علوم المحققين، كهف الواصلين، وجلاء قلوب الغافلين، منشئ معالم الطريقة، ومظهر أسرارها، ومبدي علوم الحقيقة بعد خفاء أنوارها، ومظهر عوارف المعارف بعد خفائها واستتارها، الدال على اللَّه وعلى سبيل جنته، والداعي على علم وبصيرة إلى جنابه وحضرته، أوحد أهل زمانه علمًا وحالًا، ومعرفة ومقالًا، الشريف الحسيب النسيب، ذو النسبتين الطاهرتين الروحية والجسمية، والسلالتين الطيبتين الغيبية والشاهدية، والوراثتين الكريمتين الملكية والملكوتية، المحمدي العلوي الحسني الفاطمي، الصحيح النسبتين، الكريم العنصرين، فحل الفحول، إمام السالكين، ومعراج الوارثين، الذي تغنيك سمعته عن مدح أو قول منتحل، الأستاذ المربي الكامل أبو الحسن علي الشاذلي، جاء في طريق اللَّه بالأسلوب العجيب، والمنهج الغريب والمسلك العزيز القريب، وجمع في ذلك بين العلم والحال، والهمة والمقال، اشتملت طريقته على الجذب والمجاهدة والعناية، واحتوت على الأدب والقرب والتسليم والرعاية، وشيدت بالعلمين الظاهر والباطن من سائر أطرافها، وقرنت بصفات الكمال شريعة وحقيقة من جميع أكنافها، تيامنت عن سكر يؤدي إلى تعدي الأدب، وتياسرت عن صحو يفضي إلى الحجاب عن أولي الألباب، ودلت على حقائق التوحيد وأسرار المجاهدات، وتسامت عن انقباض يوقع في الانكماش وسوء الظن، ويحجب عن روح الرجاء ولذاذة الشوق والطلب، وتناءت عن انبساط ينزل بصاحبه عن مقام الاحتشام والحياء، ويئول به إلى سوء الأدب؛ فاستوت بتوفيق اللَّه تعالى في نقطة الاعتدال، وظفرت بهداية اللَّه دون كثير من الطرق بوصف التوسط والكمال.

ثم قال: وأما جلالة هذا السيد الكبير سيدي أبي الحسن الشاذليت، فهو أمر قد ظهر وانتشر، وشاع في البدو والحضر، وهو أستاذ هذه الطريقة، وأس طريقهم، وحامل لواء جيشهم، وعلى يده بسقت أغصانها، وأينعت ثمارها، وبعناية اللَّه تعالى وعظيم همته رسخت أصولها، وفاحت أزهارها، وبما أودع اللَّه فيه وخصه من النور المحمدي هتف حمائمها، وانهزم جيش ظلام غوايتها، وطلعت في نهار شهودها شموس معارفها، وفي ليل رجوعها إلى خدورها أقمارها، ظهرتونشر أنوار أشياخه المتقدمين، وأسس القواعد لأتباعه المتأخرين، أجمع على إثبات ولايته وعظم خصوصيته من كان في زمانه من أولياء اللَّه العارفين، واعترف بعلو منزلته من عاصره من أكابر علماء الدين.

وقال الشيخ العارف بالله شهاب الدين أحمد بن الشيخ فخر الدين بن أبي بكر اليمني القرشي : "ثم من بعده (يعنى الشيخ عبد القادر الجيلانى) ظهر هذا الولي الكبير، ذو النور الكثير، القطب الشهير، صاحب المنهل العذب الشريف، الحسني الفاطمي المحمدي أبو الحسن الشاذلي ت، فظهر بالخلافة الكبرى، والولاية الكثرى، والقطبية العظمى، والغوثية الفردانية، وخصه اللَّه تعالى بعلوم الأسماء، ومنَّ عليه بأعلى مقامات الأولياء، وأخص خصوصيات الأصفياء، وانفرد في زمنه بالمقام الأكبر، والمدد الأكثر، والعطاء الأنفع، والنوال الأوسع، وتصرف في أحكام الأولياء ومددها بالإذن والتمكين، وانفرد بسؤددها حق اليقين، وأمد الأولياء أجمعين وأمَّ بالصديقين، ونال مقام الفردانية الذي لا تجوز فيه المشاركة بين اثنين، وأجمع على ذلك من عاصره من العلماء العارفين والأولياء المقربين، وخواص الصديقين، وشهد بقطبانيته وفردانيته الجم الغفير، وأمر أن يقول بحضرة أكابرهم: قدمي هذا على جبهة كل ولي للَّه، فقال ذلك ممتثلًا للأمر، معظمًا للقدر، ومقرًّا بالعبودية ولا فخر".

ولما قال الشيخ أبو الحسنتلبعض الأولياء: إنه لينزل عليَّ المدد فأرى سريانه في الحوت في الماء، والطير في الهواء. فقال له ذلك الولي: فأنت إذن القطب. قال: أنا عبد اللَّه أنا عبد اللَّه.

وما نازعه أحد من أولياء عصره وعلماء زمانه؛ لظهوره بالحق المبين، غير ابن البراء قاضي القضاة بالمغرب في بدايته، وقد ذكرت قصة ابن البراء مع الشيخ فى محلها وما حصل له من الإهانة، (راجع هنا: الشاذلية - شيوخ السلسلة - الشيخ أبو الحسن الشاذلى -  حياته ورحلاته وسياحاته ووفاته).

وقال القرشي: إذا ذكرت سيدي أبا الحسن الشاذلي؛ فقد ذكرت سيدي عبد القادر الجيلاني. وإذا ذكرت سيدي عبد القادر الجيلاني؛ فقد ذكرت سيدي أبا الحسن الشاذلي؛ لتوحد المقام فيهما، ولأن سرهما واحد وهما لا يفترقان.

وممن ذكره من الأولياء والعلماء في زمانه ومن بعده: الشيخ صفي الدين بن أبي منصور الشاذلي في رسالته، وأثنى عليه الثناء العظيم على حسب معرفته، والشيخ عبد اللَّه بن النعمان وشهد له بالقطبانية، والشيخ قطب الدين القسطلاني في  جملة من المشايخ، والشيخ تاج الدين بن عطاء اللَّه السكندري في (لطائف المنن)، والشيخ سراج الدين بن الملقن في (طبقات الأولياء)، والشيخ جلال الدين السيوطي في (حسن المحاضرة)، وسيدي عبد الوهاب الشعراني في (طبقاته)، والمناوي في (الكواكب الدرية)، وذكره غيره هؤلاء من المشايخ، كل واحد منهم يثني عليه ويصفه بما عرف من قدره، وما نازعه أحد من أولياء عصر وعلماء زمانه.

وأما ما جاء في مدحه نظمًا؛ فمنه ما قال الشيخ شرف الدين البوصيري صاحب البردة والهمزية في قصيدة مدح بها سيدي أبا العباس المرسي وشيخه أبا الحسن الشاذلي، فقال :  

أما الإمام الشاذلي طريقه

*

في الفضل واضحة لعين المهتدي

فانقل ولو قدمًا على آثاره

*

فإذا فعلت فذاك أخذ باليد

أفدي عليًّا بالوجود وكلنا

*

بوجوده من كل سوء نفتدي

قطب الزمان وغوثه وإمامه

*

عين الوجود لسان سر الموجدي

ساد الرجال فقصرت عن شأوه

*

همم المآرب للعلى والسودد

فتلق ما يلقى إليك فنطقه

*

نطق بروح القدس نعم مؤيدي

وإذا مررت على مكان ضريحه

*

وشممت ريح الند من ترب ندي

ورأيت أرضًا في الفلاة بحضرة

*

مختصة منها بقاع الفرقدي

والوحش آمنة لديه كأنها

*

حشرت إلى حرم بأول مسجدي

ووجدت تعظيمًا بقلبك لو سرى

*

في جلمد سجد الورى للجلمد

فقل السلام عليك يا بحر الندى الطامي وبحر العلم بل والمرشدي

وقال الشيخ إبراهيم بن محمد بن ناصر الدين بن الميلق:

ولو قيل لي من في الرجال مكمل

*

لقلت إمامي الشاذلي أبو الحسن

لقد كان بحرًا في الشرائع راسخًا

*

ولا سيما علم الفرائض والسنن

ومن منهل التوحيد قد عب وارتوى

*

فلله كم روى قلوبًا بها محن

وحاز علومًا ليس تحصى لكاتب

*

وهل تحصر الكتاب ما حاز من فنن

فكن شاذليَّ الوقت تحظ بسره

*

وفي سائر الأوقات مستغنيًا بعن

فإني له عبد وعبد لعبده

*

فيا حبذا عبد لعبد أبي الحسن

إذا لم أكن عبدًا لشيخي وقدوتي

*

إمامي وذحري الشاذلي أكن لمن

فيارب بالسر الذي قد وهبته

*

تمنَّ علينا بالمواهب والفطن

وما أحسن قول العارف سيدي علي بن عمر القرشي بن الميلق:

أنا شاذلي ما حييت فإن أمت

*

فمشورتي في الناس أن يتشذلوا

وقال بعضهم:

تمسك بحب الشاذلي ولا ترد

*

سواه من الأشياخ إن كنت ذا لب

فأصحابه كالشمس زاد ضياؤها

*

على النجم والبدر المنير من الحب

وقال آخر:

تمسك بحب الشاذلي فإنه

*

له طرق التسليك في السر والجهر

أبو الحسن السامي على أهل عصره

*

كراماته جلت عن الحد والحصر

وقال آخر:

تمسك بحب الشاذلي فتلق ما

*

تروم وحقق ذا المناط وحصلا

توسل به في كل حال تريده

*

فما خاب من يأتي به متوسلا

المرجع : أحمد بن محمد بن عياد الشافعي، المفاخر العلية في المآثر الشاذلية، القاهرة، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1381هـ/1961م، ص 6-11.


التقييم الحالي
بناء على 30 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث