أين الرسول في حياتنا
هل سألت نفسك يومًا هذا السؤال؟ هل بحثت يومًا في حياتك عن صلتك بالنبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام ؟ هل حاولت معرفة قدر محبتك لرسول الله؟
إن كانت الإجابه نعم، فالسؤال ماذا فعلت بعدها؟ هل حاولت تنمية هذه المحبة وتعظيمها في قلبك؟ وإن كانت الإجابة لا، أي أنك لم تفكر في هذه الأمور من قبل، فأنت قد أخطأت طريق الإيمان، فلا يكفي أن نظن أننا مؤمنون، فلقد قال تعالى في كتابه: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة الحجرات: 14]. فكم من مسلم لم يدخل الإيمان في قلبه شأنه شأن الأعراب المذكورين في الآيه. وللإيمان ارتباط وثيق بالمحبة، المحبة لله ولرسوله. فإن الله يبين في كتابه لمن يدعي محبته أن هذا غير كاف، بل يحيل من ادعى محبته إلى رسوله ونبيه لنعرف أنه وسيلتنا للوصول إلى حب الله سبحانه، فيقول تعالى مخاطبًا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة آل عمران: 31] وبداية طريق هذه المحبة أن نفهم ونتأمل ما جاء في حقه من آيات توجب علينا الاقتداء به وطاعته، وكذلك الآيات التي تبين حقه علينا من التعظيم والأدب مثل ما جاء في بداية سورة الحجرات من تعليم المؤمنين كيفية الأدب مع رسول الله، وكيف أن غض الصوت عنده من علامات التقوى، وأن مجرد رفع الصوت إساءة للأدب معه، يحبط عمل الإنسان وهو لا يشعر.. إن مثل هذه الآيات وغيرها تبين لنا أن صلتنا بالله قربًا وبعدًا، قبولًا وردًّا قائمة على حسن صلتنا برسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
لذا فقد قرن الله طاعته بطاعة رسوله في مواضع عديدة، بل جعل البيعة له هي عين البيعة لله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [سورة الفتح: 10].
إن الأدلة من القرآن والسنة وأفعال الصحابة في وجوب محبته وطاعته وتعظيمه أكثر مما يتسع له المقام، ولكن أردنا الإشارة إليها لتحرك شوق من أراد أن يبحث ويطلع على المزيد.
فإذا علمنا ذلك فيجب أن نعرف أننا جميعًا، حاكم و محكوم، غني وفقير، قوي وضعيف، كل منا مطالب أن يبحث عن صلته بهذا النبي..إن كل إنسان سيطمع يوم القيامة في أن يدخل في شفاعته وأن يرد حوضه، ويسقى من كفه، ويحشر تحت لوائه، فهل قدمنا في حياتنا ما به نتطلع إلى هذه الشفاعة أو نطمع في السقيا من كفه الشريف.
إن الله سبحانه محجوب عن خلقه لا نستطيع أن نكلمه أو نراه في الدنيا، فلما أراد أن يبلغنا مراده أرسل إلينا بشرًا مثلنا في الصورة، ربط به السماء بالأرض، وبلغ به مراده من خلقه، فقال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [سورة الكهف: 110] فجعل المبلغ عنه من جنسنا حتى يمكن لنا الاقتداء به، لأنه بشر يجري عليه ما يجري علينا من عوارض.
إن محبة الرسول من شروط الإيمان، ولكن كمال الإيمان لا تكفي فيه المحبة، ولكن يجب أن يتحقق فيها شرط آخر بينه النبي لسيدنا عمر قائلًا : (لا يتم إيمانك حتى أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك).
فكمال الإيمان يتم باستيلاء محبته على قلب المؤمن حتى يكون أحب إليه حتى من نفسه. والمتأمل لما حوله من أحوال المسلمين سوف يلحظ بسهولة –وللأسف- غياب الارتباط برسول الله عند الغالبية العظمى منهم.
أين نياتنا من نيته؟ أين مقاصد الحياة التي نعيشها من المقاصد التي عاش لها؟ أين تهافتنا على هذه الدنيا ورغبتنا فيها من زهده وإعراضه عنها؟ أين هو في حياتنا؟ لا بد أن يبحث كل مسلم عن الحب في قلبه لرسول الله حتى يدخل دائرة الايمان، ثم ينمي ويعظم هذه المحبة ليصل إلى كمال الإيمان.. فبدون هذا الإيمان سنبقى في دائرة الإسلام نؤدي النسك والطاعات بالجوارح دون أن يخالط الإيمان قلوبنا، فإن الله قد أمرنا أن نتجنب ظاهر الإثم وباطنه، وهو الذي يحقق التوافق بين المظهر والجوهر، بين الصورة والحقيقة، بين عبادات المسلم وبين سلامة قلبه، وهو ما نحتاج إليه لإصلاح مجتمعنا. فأنت إذا جلست تستمع إلى أي متحدث أيًّا كانت هويته تجد أن الكل يشتكي من الانحراف والفساد وسوء الأخلاق وغياب القيم وسفاهة أنماط الإنفاق.
فإن كان الكل يشتكي فمن المشكو؟ كل ما نشكو منه من غياب القيم موجود في مجتمع نلاحظ أن مظاهر التدين فيه تتزايد.. فهل فشل الدين في إصلاح المجتمع؟ إن هذه الشريعة مصلحة وصالحة لكل زمان ومكان، ولكننا نحن الذين فشلنا في إقامة هذا الدين، فأخذنا بظاهر أوامره ولم نربط قلوبنا رباطًا حقيقيًّا بصاحب الرسالة، هذا الرباط الذي يزكي النفس ويطهر القلب فيستقيم الظاهر مع الباطن.. لا بد أن نسأل ونكرر دائما.. أين الرسول في حياتنا؟.
و من المؤلم حقًّا أن يخرج من بيننا من يعمل دون أن يدري على قطع الصلة بالنبي ومنهم من يدعون علمًا ويردد وراءهم من يردد فتاوى الوهابية التي انتشرت حتى صارت أشبه بالمسلمات عند كثير من الناس، فيعترضون ويحرمون تعظيمه أو مدحه أو إظهار السرور بأنواع الطاعات في ذكرى مولده الشريف .. كما انتشر الآن بيننا من إذا سمعك تترجى إنسانًا بالقول الذي يجري على ألسنتنا (والنبي) يعترض عليك بحجة أن هذا حلف بغير الله، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقالوا بعدم جواز أن تنوي بسفرك إلى المدينة المنورة زيارته، بل يجب أن تنوي زيارة المسجد، فإذا وصلت هناك يستحب لك أن تسلم عليه، إلى غير ذلك من الفتاوى الشاذة التي نشرها الوهابيون وروجوا لها، وكل هذه المسائل وغيرها بالطبع مردود عليها من قبل علمائنا الأكابر مثل الحافظ السيوطي، والتقي السبكي، وابن حجر الهيتمي، وغيرهم.
فإن كان هناك من بيننا من يصر على هذا الكلام مع رد الأئمة الأعلام له، فما لنا نغضب إذا أساء بعض الرسامين في الدانمارك ممن لا يعرفون حرمة الأنبياء أو المرسلين.. ولنا مع هذه الآراء وقفات ننقل فيها آراء العلماء لتوضيح هذه الأمور.
إن أمر المحبة للرسول أمر يحتاج منا أن نعيشه حقيقه في حياتنا، فنربط به قلوبنا ونحيي سنته فينا قولًا وفعلًا وحالًا.. ودون هذا الرباط فلا أمل لهذه الأمة في الخروج مما تعيشه من تدهور في نواحي الحياة المختلفة.. فهو الإمام والمرشد والمعلم، فإذا أعرضنا عنه فقد أعرضنا عن ذكر الله، فلا عجب أن نعيش ضنكًا، ولا عجب أن نعيش متخبطين في الظلام إن قطعنا أنفسنا عن السراج المنير.