نسخة تجريبيـــــــة
ما كان لله دام واتصل

(ما كان لله دام وأتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل) مقوله طالما سمعتها منذ سلكت الطريق فى صحبه شيخى ووالدى رحمه الله ورضى الله عنه الشيخ/ عقيل مظهر، مقولة لها شواهد رأيتها فى سلوكى لهذا الطريق تتحقق فى توارث الأجيال للمحبة فى الله- فقد ذهبت فى هذا الاسبوع لزيارة أسرة أخ لنا فى الله فى احدى قرى محافظة كفر الشيخ –قد توفاه الله وترك زوجة وخمس بنات– فلما وصلت وجدت أخاه فى إستقبالنا وقد دعا جمعا من الاحباب فإذا بالزيارة وواجب العزاء ينقلب الى مجلس من مجالس الذكر حيث أجتمعنا على تلاوة القرأن ثم إلى مجلس علم بعدها –وإذا بأهل هذا البيت قد أعدوا من قرى الضيف طعاما للاحباب والذين وصل عددهم الى ما يزيد على الأربعين فرد– والاعجب من ذلك ان مظاهر السرور والبشر فى إستقبال الجمع وخدمته قد علت الوجوه حتى وجوه البنات والزوجه الأرمله– وهنا قولت لهم هذه المقولة (ماكان لله دام وأتصل) فقد كان والدى ومنذ أكثر من عشرين عاما يواظب على الحضور فى دعوة سنويه فى هذا الدار ويجلس فى نفس البقعه التى كنت أجلس فيها – وكان الداعى وقتها جد هذه البنات.. وفى عام 1993 توفى والدى وشيخى، فإذا بهم يستمرون فى دعوتنا ونحن ونداوم على التلبيه لتلك الدعوة عملا على أستمرار المحبة والمودة فى الله.
ثم يتوفى الداعى صاحب هذه الدار، فإذا بزوجته وولده يقومان على الخدمة حافظين المودة والمحبه ويستمر التواصل فى الله بيننا وبينهم على غير أرحام بيننا أو تجارة نتعاطاها..
ومنذ سنوات توفيت هذة المرأة الصالحه، فرأينا المحبه التى كانت تحملها فى قلبها وكأنها قد وزعت على الورثة كما وزعت أموالها وميراثها.. وكأن هؤلاء الورثة قد أنتقل اليهم هذا الميراث فداوموا على فتح دارهم فى استقبال الاحباب وخدمتهم، ورأينا فيهم من الأدب وحسن الخدمة ما يشهد لهم بصدق نواياهم وحسن توجههم.
ولما توفى هذا الابن الصالح فى الاسبوع الماضى بعد ان أجرى الله له البشارات  حتى أنه وهو فى سكرات موته يتحدث بمشاهدات طيبه ويشير اليها ولا يراها غيره وإذا به يوصى اهل بيته ويوصى اخاه بمداومة الصلة والمحبه فى الله وخدمه الطريق وفتح الدار لاستقبال الأحباب كما كانت دائما محلا لمجالس العلم والذكر.
والحق أنى قد توجهت الى هذة الزيارة ولا أ عرف ما سأجد، وقد سر قلبى ما وجدت، وجدت اخا المتوفى وكأنه قد صبغ بما كان فى أخيه من المحبة فى حين أنه فى حياتة لم يكن قريبا منا، إلا أن الحال قد تبدل وكأنه قد حمل ما كان فى قلب أخيه وأمه وأبيه من الحب فى الله ولله، وإذا به يستقبلنا من الأحباب بروح المحب وأدب السالك الى الله، كما أنى وجدت الأرمله وهى تستقبلنا بوجه مشرق تعلوه أبتسامة الرضا لما علمت وبشرت به من حسن خاتمة زوجها، ووجدت البنات مع صغر سنهم تغشاهم السكينه وعلى وجوههم معانى التسليم لرب العالمين مع ما خالطهم من الحزن لفراق هذا الأب الرحيم..وأخذت أتامل وأعود بذاكرتى وكأنى أنظر الى والدى، هذا الشيخ المربى الذى تألفت حوله هذة القلوب، وارتبطت بمحبتة تلك الأرواح، وأذكر جهاده فى السفر هنا وهناك ليدخل كل بيت من بيوت أحبابة، فى القرى وفى النجوع، بالليل وبالنهار، وفى أفراحهم وفى أتراحهم، وكانه يبزر بزور المحبة فى تلك الديار، فأذا بها إن وجدت تربة صالحة، أنبتت ونمت وترعرعت على مر السنين، فإذا بنا نأتى لنجنى ثمارها.. وكأنه هو يتفقد أحبابة وأبنائة فى الطريق مثله مثل الراعى الذى يحوط رعيتة بالشفقه والمحبه، ويقوم بينهم بالنصيحة والإرشاد.
وقد كنت أعجب فى صغرى وأنا أراه يتجول هنا وهناك وأشفق عليه من مشقه السفر والسهر، بل كنت أتجنب مرافقتة فى بعض الأحيان إذ أنه لا يركن الى راحة بل يبذل نفسه وماله فى خدمة الطريق والدعوة، وفى مودة أحبابة وتشييد روابط المحبه فى قلوبهم.
والحق أنى ما فهمت ولا أدركت قيمه ما كان يبذله هذا الشيخ إلا بعد أن وجدت بعده ميراثا عظيما من المحبة والمودة فى قلوب المئات من محبيه ومريديه.. وجدت ميراثا فى قلوب أحباب لا يشتريه المال ولا يأتى به سلطان، وما يمكن إلا أن يكون عطاءا من الملك الوهاب لما شاء من عباده، على أثر إخلاص أودعه فى قلوبهم فساروا بسر هذا الاخلاص بين الناس، داعين الى الله، ناصحين محبين، مشفقين على خلق الله.. يشملون الخلق بمحبتهم. وبرحمة أودعها الله فى قلوبهم، ألم يخاطب نبيه صلوات ربى وسلامه عليه قائلا..
قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ) [سورة: آل عمران - الأية: 159].
فقد جمعت الرحمه واللين فى قلب هذا الحبيب فشمل بها جميع الناس حوله فوقعوا فى أسر هذة المحبه فملكت أحوالهم..
ولورثه هذا الحبيب من الصالحين الداعيين الى الله نصيب عظيم من هذا اللين وتلك الرحمة، فساروا بميراثهم من رسول الله بين الناس، فكان لهم فى قلوب الخلق هذا الاثر العظيم، فوقع أحبابهم فى أسر محبتهم كما وقع الأصحاب فى أسر المحبه للرسول الأعظم، ولما كانوا من ورثته، كان لهم من أنوارة ما يسيرون به بين الناس، فيخلفون هذة الأثار العظيمه التى نراها فى القلوب، وتظهر عند المحبين، وتتوارث المحبة جيل بعد جيل، وأذا أن المحبة لله خالصه، وما كان لله دام وأتصل..


التقييم الحالي
بناء على 108 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث