تشرق شمس الصباح ويضرب الانسان فى الارض طالبا أنهار من الرزق وجبالا من قوة البدن، وسيولا من رجاحة العقل وسداد الرأى.. إنها امورحياتية حسية يستمسك بها العبد لصلاح يومه وتيسير معاشه وربما شغلته عن المغزى الحقيقى من وراء وجوده والمعنى الأسمى من أدميته وسبب خلقه.
لا يلتفت كثير من البشر إلى إنهم فى هذه الحياة الدنيا إنما يسيرون فى الطريق الى الله عز وجل. وحتما سينخلع الانسان من كل ما كان يوما يشغل باله وقلبه من ولد ومال وحب للاكوان والسلطة والشهوات...
ويبقى الفطن الكيس من أستوعب هذه الحقيقة وعلم أن لا مفر من الله إلا إليه.
فالسلوك إلى الله هاجس وباعث بقلق الإنسان ويشوقه إلى الحق وإلى مراتب القرب والمعرفة.
حينئذ تتطلع النفس إلى ضرورة إعادة صياغتها فى سلوكها الى الله وكنما هى وصفة سحرية أو خلطة سرية تبقى هى جوهر الدين وأساسه سماها العارفون مرتبة الإحسان وتزكية النفس ومراقبتها. مصدرها الاول الكتاب والسنة النبوية المطهرة والثانى واقع تجارب من تدرجوا فى مراقى العبودية وذاقوا ثم عرفوا ثم إغترفوا وطلبوا الزيادة من هذا الجمال الربانى وهذه الحلاوة النورانية.
ولعلنى أختصر قواعد السير الى الله فى أربع نقاط رئيسية تعتبر هى المنهج الحق واصل الوصول.
أسرد منها فى مقالى هذا قاعدتين فقط لأكمل فى الأسبوع القادم إن شاء الله باقى النقاط.
أولا: النية الخالصة:
لتكون محبا صادقا يجب أن تفتش فى أغوار نفسك عن حقيقة الشوق إلى الله وتحدد هدفك من الحياه وغايتك من الركض فيها وتبحث بأمانه عن همك الأكبر ليل نهار وشغلك الشاغل الذى طالما أرق مضجعك واسهر عيناك.هل كان النصيب الأوفر لله الخالق الرزاق..هل تضرعت ليلا شوقا ووجدا وإستغفارا..
إن اهل الله وخاصته جعلوا رضا الله والقرب منه هى الغاية التى سعوا اليها باستماته وأفنوا أوقاتهم لتحقيقها.فعرف من أراد الآخرة وسعى لها سعيا ان السبيل المعلوم هو تصحيح النية وتزكية النفس وتشوق القلب النقى التقى الذى خلى من كل الشواغل والمشاغل والشوئب وتخلق بأخلاق الله. فالله تعالى رحيم فلابد من أن تكون رحيما والله تعالى رؤوف فلابد من أن تكون كذلك والله تعالى غفور فلابد أن نكون متسامحين نغفر للآخرين.
ويصبح الإنسان فى رضا عن الله.عنده تسليم تام بقدر الله.فيقاوم نفسه من الإعتراض ومن الحزن فهو قد يبكى لكنه ساكن القلب إلى حكمة الله تعالى لأن لديه ذلك اليقين فى الله ورحمته مستجيبا لمقتضى ماأجراه الحق جل وعلا.
وإن صدقت النية صحت التوبة فتكون هذه هى القاعدة الثانية فى الطريق الى الله.
ثانيا : التوبة
إن التوبة تخلية الإنسان وكل اعماله وأقواله وأفعاله وجميع مدارك قلبه من شتى أنواع المعاصى ومعاهدة النفس على تركها فيعطل بذلك ملك السيئات أن يكتب عليه شيئا منها.
إن التوبة يجددها العبد فى كل حين ويتخلى فيها عن الكبائر ثم الصغائر ثم اللمم ثم الغفلة هى التوبة التى تؤدى إلى أن لا يختلج فى قلبه ماهو سوى الله.
فكأن العبد يرى فى قلبه ندم وإنكسار وعزم على عدم العودة.. ينطقها بلسانه ويصدقها قلبه حسرة علىكل تقصير ومعصيه هى توبة عن كل كسل سؤ خلق أو فساد قلب.. توبة تستوفى كل أركانها فيكون جسد العبد مطواع للهمة والعمل وروحه طواقه للعروج.
توبة يجددها كل حين يتخلى فيها عنكل قبيح ويتجمل فيها بالصفات العالية من التوكل والحب فى الله والإعتماد على الله والثقة بما فى يده وحده تبارك وتعالى. فالتوبة إذا هى أول الطريق بعد صدق النية يتخلى فيها القلب ويتحلى ويزكى الإنسان بها نفسه وروحه فيتجلى الله عليه بصفاته فيكون عبدا ربانيا فى رضاه وعى مقاصد الشريعة والحقيقة ليصل إلى شاطئ الأمان وبر العرفان.
وللنقاط الأربعة بقية...