نسخة تجريبيـــــــة
إذا أردنا الإصلاح حقا

إلى أين نحن ذاهبون؟ ما الذي جرى في مصر؟ ما الذي حدث لهذا الشعب؟ كيف تطور الأمر سلبيًّا إلى هذا الحد  فوصلنا إلى هذا المستوى الأخلاقي والعلمي والثفافي المتدني؟ سنوات تمر ونحن نتحدث ونسمع عن الإصلاح, الخروج من الأزمة، تجاوز المحنة، إلى غير ذلك من المصطلحات المطاطية التي لا نعرف لها معنى.
عندما حدثت أزمة طلاب جامعة المنصورة الذين هربوا في أمريكا رأيت بقدر نظري المتواضع صورة لعينة عشوائية من شباب مصر، ولا بد قطعًا ألا يكون الاختيار قد وقع على طلاب فاشلين، بل هي عينة من الشباب المؤمل فيهم النجاح, رأيت أكثر من نصف هذه العينة تحاول الهروب من مصر مع أول فرصة أو شبه الفرصة مع ما فيها من مخاطرة في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها كل مسلم وعربي إذا أراد الذهاب إلى إحدى الدول الغربية بعد أن ألصقت بنا تهمة الإرهاب.
أكثر من النصف ولا ندري، فقد يكون هناك من أراد الهروب من بقية الطلاب ولكن افتقد الشجاعة وخشي المغامرة.
نحن في حاجة إلى دراسة اجتماعية عاجلة لدراسة هذه الظاهرة, فمع هؤلاء الطلاب هناك من يجازف ويخاطر بروحه في الفرار على مراكب بهجرة غير شرعية إلى جنوب أوروبا فيموت غرقًا أو يقع في قبضة السلطات ويتم ترحيله .. أي إحباط وصل إليه شبابنا حتى يحاولوا أن يخرجوا من بلادهم ولو جازفوا بحياتهم؟!
إن بدية الإصلاح تكون بإخلاص النوايا, فلا يمكن أن يصلح عمل إلا بإصلاح النية والقصد.. فإذا أخلصنا النية في إصلاح ما بنا  فلا بد بعد ذلك من المصارحة , مصارحة تبدأ بالصدق مع النفس .. لا بد أن ننظر إلى أنفسنا في المرآه لنرى عيوبنا بصدق , فكيف لك أن تصلح عيبًا لا تراه , وإن رأيته أخفيته عن الناس وأنكرت وجوده لتتجمل في أعين الناس ....
هذان الشرطان لا بد منهما لنسير في عملية إصلاح شاملة، فهل نحن حقًّا قد أخلصنا النية؟ إن إخلاص النية في الإصلاح يعني أن يكون صالح المجتمع مقدمًا عندي على مصالحي الشخصية؟ وهذا الأمر يتم في الغرب الذي ننظر إليه على أنه نموذج التقدم , حدث هذا بقوة القانون والنظام حتى صار طبعًا عند أفراد المجتمع، فحرية الشخص تقف عند بداية مصالح المجتمع أو الأفراد الآخرين، والعقوبة قاسية إذا سولت لشخص نفسه أن يخرج عن النظام الذي ارتضته الشعوب لنفسها بما رأت فيه  صلاحها ..
وفي بلادنا من المفترض أن يكون هناك دافعان لهذا الانضباط , دافع ديني في علاقة المسلم بالله ورسوله , ودافع اجتماعي قانوني في الانسياق لقواعد وقوانين الدولة ..
فإذا بنا وقد وقف الدين عند الطقوس والشعائر، وغفلنا عن مراعاة الحقوق التي أدبنا عليها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بداية من حق الوالدين مرورًا بحقوق الجار والزوجة والأجير والراعي والرعية وصولًا إلى حق الحيوان، فأخبرنا أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها ..
فلياتي من بحقوق الإنسان ليتعلم في مدرسة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذى تواصل وشمل بحبه ورحمته الإنسان والحيوان بل الجماد..
ومن ناحية أخرى صار القانون ضعيفًا على الأقوياء قويًّا على الضعفاء، فغابت العدالة.
إن إخلاص النية في صلاح المجتمع، بل والأمة في ألا يجلس إنسان في مكان وهو يرى من هو أكفا منه , فإذا رأى في نفسه كفاءة فهنا نحتاج إلى الصدق مع النفس، فكل منا قد يرى نفسه كفئا لموقع من المواقع، ولكن النظر في مرآة النفس قد يعينه على معرفة الحقيقة , ثم إذا أعطى وأعطى ولم يصل إلى المنشود فليفسح المكان لغيره, إلا أننا نرى المسئول يستمر في الموقع السنين يجرب ويجرب , ثم ياتي من بعده فيهدم ما فعله سلفه , ويبدأ هو في التجربة , فتمر سنوات وسنوات ولا نعرف هل وجود الصف السادس الابتدائي في المدرسة على سبيل المثال أفضل أم إلغاؤه؟ فإذا تم إلغاؤه لا نعرف لماذا , وإذا أعادوه فهل معنى هذا أن إلغاءه كان خطأ، ومن يتحمل مسئولية أجيال يتلاعب أفراد بأقدارها ولا يحاسبهم أحد.
إن إخلاص النية يقتضي ألا يكون هناك معارضة, الإسلام لا يريد معارضة الحاكم  أو ولي الأمر، ولكن يريد شورى، فالمعارضة خصومة , والشورى تعاون على البر والتقوى , المعارضة انقسام ,والشورى تكامل .. المعارضة تطلب لنفسها فلا تخلص نيتها , والشورى تطلب للأمة , فالفارق كبير بين من يريد أن يصلح بشرط أن يكون الحاكم , وبين من يريد أن يعين الحاكم على أن يصلح ..
إن الشورى كانت على عهد رسول الله , فقد نزل على رأى أحد أصحابه في غزوة بدر، وحفر الخندق بمشورة سلمان , وتحلل من إحرامه في الحديبية بمشورة أم سلمة أم المؤمنين، وكانت الشورى على عهد أبي بكر وعمر, فكانا ينزلان عن رأيهما لمشورة علي بن أبي طالب، وكان عمر يقول: (لولا علي لهلك عمر).
فلما ظهرت المعارضة قتل عثمان، وخرج معاوية على الإمام علي أمير المؤمنين , ثم قتل الإمام علي , ولكن الشورى تحتاج إلى حاكم الحكم عنده وسيلة وليس غاية، وإلى بطانة صادقة تشعر بآلام الشعب ولا تطمع في كرسي الحكم.
فلا بديل عن إخلاص النية لله سبحانه وتعالى في أن نصلح أنفسنا , لا بد أن نجتمع على قلب رجل واحد بداية من الحاكم , فلا بد أن يسمع، يجمع حوله أهل الصدق , لا أن يحيط نفسه بمن يسمعه ما يرضيه .. فالدين النصيحة كما قال الرسول, والنصيحة للحاكم أن أقول له ما يرضي الله ورسوله حرصًا على ولي الأمر أولا، فهو في النهاية إنسان سيلقى ربه ويحاسب كما يحاسب غيره , بل إن حسابه أصعب وأدق؛ فهو مسئول عن رعيته، فعلى كل من يقترب من ولي الأمر أو يكتب أو يقول ما يصل إليه ألا يهلك الحاكم بسوء المشورة رحمة به وحبًّا له.
لا بد أن نسرع باتخاذ وقفة صادقة مخلصة مع أنفسنا , فما يجري حولنا بل وبيننا صار السكوت عنه جريمة في حق أنفسنا و أبنائنا ..
ولا بد لنا أن نفقه ونفهم أننا في مركب واحد , وقد شبه النبي الكريم في حديثه الناس بركاب سفينة، بعضهم في أعلاها وبعضهم في أدناها، فنقر رجل منهم في موضعه بفاس و قال هو موضعي أفعل فيه ما شئت , فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا ..
أي أنه من الرحمة بالظالم أن تمنعه عن ظلمه , وبالرحمة بالمفسد أن تحول بينه وبين إفساده ..
أيها الناس نحن في سفينة , إن غرقت هلكنا جميعًا، وإن نجت نجونا جميعًا، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم..
فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.......

الشيخ: أكرم عقيل

التقييم الحالي
بناء على 42 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث