نسخة تجريبيـــــــة
عودة إلى العترة الطاهرة -1

سألني بعض إخواني حفظهم الله أن أواصل ما كنت قد بدأته منذ فترة في الكتابة عن آل البيت تعرفًا بهم، وقد عزمت على ذلك قاصدًا به وجه الله، والمودة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ذلك أن الخلافات السياسية والتاريخية في الأمة الإسلامية، مع ما حدث في السنوات الأخيرة من امتداد الفكر الوهابي قد أحدث بلبلة عند كثير من الناس وصرفهم عن معرفة طريق المحبة الواجبة لآل بيت رسول الله .. ولست هنا بصدد سرد أثر الخلاف السياسي أو الفكر الوهابي في تشويه العقلية المسلمة في كثير من المسائل الخاصة بالعقيدة والفقه، والخلط بين الأصول والفروع، ولكني فقط أتناول قطرة من بحر فضائل العترة المحمدية، لعل الله أن يجعل في الكلام الأثر، فيصل إلى بعض القلوب معنى المحبة والمودة الواجبة لرسول الله وآل البيت.
ومما أكرم الله به أهل مصر وغيرهم من محبي آل البيت، والحافظين لحقوقهم من الأمة الإسلامية هي الوسطية في هذه المحبة، حيث إن الشيعة أو فلنقل أكثر الشيعة لأن منهم من لا يفعل، قد جعلوا حب آل البيت وموالاتهم سببًا في الانتقاض بل والتطاول على أصحاب النبي وعلى رأسهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وفي حين أنه لم نسمع رواية عن الإمام علي كرم الله وجهه أو أحد الائمة من أبنائه ينتقض فيها أحدهم من أبي بكر أو عمر، فلا أدري من الذي سن لهم هذا، أليس الأولى اتباع الأئمة في كل شيء بما في ذلك ذكر أصحاب النبي بالخير ومعرفة حقهم.
وعلى الجانب الآخر نرى بعض الناس لا يكادون يذكرون فضائل آل بيت رسول الله، بل يتجاهلون ذكرهم ويتناسون شرفهم وعزهم، بل وخصوصيتهم فهم الذين يصلى عليهم في كل صلاة، وهم الذين أوصانا الله بمحبتهم ولزوم مودتهم.
وقد روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس، أنا بشر مثلكم، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من الأرض إلى السماء وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض يوم القيامة، فانظروا بما تخلفوني فيهما)، وفي رواية (فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) وكررها ثلاث.
ولهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي لا يتسع لها المقام في الوصية بمحبة آل البيت ومودتهم، رأيت أنه من المناسب بل الواجب أن ننشر بعض فضائلهم التي غاب عنهاكثير من الناس.
ونبدأ بذكر بعض فضائل أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب. والحق أن مناقب الإمام علي تحتاج إلى الصفحات الطوال لسردها، فإذا نذكر، نذكر قرابته أو نشأته في حجر النبي؟ أم نذكر سابقيته وإسلامه وهو صبي؟ أم نذكر نصرته وأخوته للنبي؟ أم نذكر قتاله وشجاعته؟ أم نذكر مصاهرته وسلالته؟ أم نذكر علمه وبلاغته؟ أم نذكر تقواه وخشيته؟ حقًّا إن التعرض لمناقب هذا إلامام في مثل هذا المقال القصير ليجعل الإنسان في حيرة، فماذا يذكر وماذا يترك من فضائله كرم الله وجهه؟! لقد خص الله عليًّا بعدم عبادة الأصنام أو السجود لها، فقد نشأ في بيت خديجة، في كنف أو رحاب رسول الله، فلم ير النبي يسجد للأصنام فنشأ طاهرًا عن هذه الجاهلية، متابعًا في ذلك كفيله وابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فلما نزل الوحي على رسول الله كان علي أسبق الناس إلى اتباعه مع السيدة خديجة رضي الله عنها.
ومما يذكر أن الإمام علي هو أول هاشمي من أم هاشمية، فأمه السيدة فاطمة بنت أسد هاشمية، وهي التي لما ماتت كفنها النبي في قميصه وأمر أسامة وأبا أيوب وعمر وغلامًا أسود فحفروا قبرها بالبقيع، فلما بلغوا لحدها حفره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده وأخرج ترابه، فلما فرغ اضطجع فيه وقال: اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك محمد والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين. فسئل عن فعله فقال: ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر لأنها كانت من أحسن خلق الله تعالى صنعًا إلي بعد أبي طالب.
وقد نشأ كما ذكرنا في حجر النبي، وأسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل ابن عشر، وقيل غير ذلك.
وقد شهد المشاهد كلها مع رسول الله، وقد سمي الكرار لكثرة كره على الأعداء دون فرار، وثبت مع النبي في جميع هذه المشاهد، ولم يفر مع من فر في أحد، أو يتفرق مع من تفرق يوم حنين. ولم يتخلف إلا عن تبوك بأمر من رسول الله، فقال: يا رسول الله، أتخلفني في النساء والصبيان. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي). أخرجه الشيخان.
وقد أورد أبو إسحاق والثعلبي في تفسيره أن قول الحق سبحانه: 
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [سورة المائدة: 55] قد نزلت في الإمام علي لما تصدق بخاتمه وهو راكع في صلاته.
وقد ورد عن رسول الله أنه لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فتأمل هذا القول وتلك الآية اللذين جعلا موالاة علي وولايته من الولاية والموالاة لله ورسوله.
ولما هاجر رسول الله إلى المدينة آخى بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال: (يا رسول الله، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة) أخرجه الترمذي.
فإذا نظرنا وتأملنا هذه الأخبار نجد أنه قد اجتمع لعلي ما لم يجتمع لغيره من الأوصاف، فهو ابن عم رسول الله، وأخوه وصهره وناصره ووزيره من أهله، ولذا رأى الشيعة وبعض علماء السنة أفضليته رضي الله عنه على سائر الصحابة.
ومن مناقب علي رضي الله عنه أن حبه علامة من علامات الإيمان وبغضه آية من آيات النفاق، فقد روى مسلم عن علي أنه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي به إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق) .. ولذا أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: (كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليًّا).
وفضائل الإمام علي ومناقبه وسيرته العطرة قد أدت إلى المغالاة فيه من بعض الطوائف مما أخرجهم عن جادة الصواب، كما أن هذا الفضل والشرف قد دفع بعض أهل الحسد ممن بقي في قلوبهم آثار عصبية الجاهلية والقبلية أن يجحدوا فضله ويخرجوا عليه ويقاتلوه.
وقد أخرج البزار وأبو يعلى والحاكم عن علي قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن فيك مثلًا من عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى نزلوه بالمنزل الذى ليس به) ألا وإنه يهلك في اثنان محب مفرط يطريني بما ليس في، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني.
والحق أن الأخبار في حق علي ووجوب محبته ونصرته وموالاته أكثر أن تسرد في هذا المقام، إلا أن المنصف المحب يرى في هذا الإمام من الصفات التي لا بد معها لصاحب الفطرة السليمة أن يتعلق بها، من التقوى والصبر والشجاعة والجود والسخاء والخشية إلى آخر الصفات التي من الله بها على هذا الإمام.
لقد جعل الله نسل النبي كله من صلب علي بن أبي طالب، فلم يبق عقب لرسول الله إلا من الحسن والحسين ابني علي وفاطمة، وهذا الاختيار والاصطفاء من الله لا بد وأن له دلالات على المحبة والتقريب.
وقد علم ذلك أصحاب النبي فأنزلوه في منزلته حتى أن سعيدًا بن المسيب قال: إن عمر كان يقول: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن).
إن الله يختار من يشاء ويصطفي من يشاء، وأهل الإيمان والتقوى ينقادون لله في مشيئته واختياره، فيحبون من أحبه الله ويتقربون بها لحب الله سبحانه وتعالى .. أما أهل الجحود والعناد والعياذ بالله، يجادلون ويتكبرون ولا يرضون بتفضيل الله لمن يشاء، ألم يقل بنو إسرائيل لما أخبرهم نبيهم بأن الله قد بعث لهم طالوت ملكًا، فجادلوا في ملكه واعترضوا على هذا الاختيار إلا أن نبيهم بين لهم أن الله يؤتي ملكه من يشاء.
إن مولاة أولياء الله هي موالاة لمن والاهم وولاهم، وحبهم هو عين المحبة لله ورسوله .. أما الإنكار والعناد فقد بين الله مصدره في كتابه حين قال:
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) [سورة النساء: 54].
فطوبى لمن أحب آل البيت ووالاهم، ويا تعاسة من اشتغل قلبه بالحسد لهم فأبغضهم وأعرض عنهم .. وللحديث عن مناقب الإمام علي بقية.

الشيخ: أكرم عقيل

التقييم الحالي
بناء على 57 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث