نسخة تجريبيـــــــة
عودة إلى العترة الطاهرة -2

ما زلنا مع الإمام علي كرم الله وجهه، ذلك الرجل الذي ثار حوله هذا الخلاف وتحير الناس فيما له من حق، ومما أكرم الله به أهل مصر كما ذكرت في مقالي السابق أنهم أحبوا آل البيت وعرفوا حقهم وحفظوا مودتهم، ولم يخرجوا بهذه المحبة عن الحق في معرفة حق أصحاب النبي وما لهم من قدر وما يجب لهم من المحبة .. ومع ذلك يروق لكثير من الناس أن يتهموا المصريين بالمغالاة في أهل البيت وما هذا إلا لجهلهم أو تجاهلهم ما لهذه العترة من شرف مؤبد في الدنيا وفي الآخرة.
إن اعتناء حكام مصر من الولاة والسلاطين مرورًا بالخديوية ووصولًا إلى رؤساء الجمهورية بعد الثورة، اعتناء كل هؤلاء بمساجد أهل البيت في مصر وتشييدها وتجديدها وإقامة التوسعات بها لهو خير دليل على ما لأهل البيت من مكانة في قلوب المصريين حكومة وشعبًا. أما الذين شربوا من معين الفتنة الوهابية وأفكارها فهؤلاء قد أصابت قلوبهم جفوة تجاه أهل البيت قطعوا بها مودتهم وأعرضوا بها عن موالاتهم ومحبتهم وإن ادعوا غير ذلك.
ونعود إلى الإمام علي لنتخير من مناقبه وفضائله ما يعلق القلوب بمحبته المحبة الواجبة له، هذه المحبة التي أمرنا بها رسول الله، وعرفها له الصحابة، فالصحابة هم أئمتنا في محبة أهل البيت، وأهل البيت هم الذين علمونا حب أصحاب النبي واحترامهم.
لقد شهد النبي للإمام علي يوم خيبر حين قال: (لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح الله عليه). قال عمر: فما أحببت الإمارة قط قبل يومئذ. فدفعها إلى علي رضى الله عنه. وهذه الشهادة من رسول الله بأنه محبوب من الله ورسوله، بل زاد الإمام الحسن في هذه الرواية أن جبريل يقاتل عن يمينه وميكائيل عن يساره.
وبطولات علي وصولاته على الأعداء معلومة معروفة، فهو بطل يوم بدر مع عمه حمزة سيد الشهداء، وهو بطل يوم أحد وحنين، يوم ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فر من فر وتفرق من تفرق .. وهو فارس يوم الخندق حين نادى عمرو بن عبد ود على النبي ليخرج له أحد أصحابه يبارزه فنظر إليهم النبي فلم يقم أحد، فقام علي، فخشي عليه النبي وقال: اجلس يا على، إنه عمرو. ولما استمر الكافر في تحديه للنبي وأصحابه أخذت الغيرة الإيمانية بقلب الإمام علي فقام ثانيًا، وفي الثالثة قال: ولو كان عمرًا يا رسول الله. فنزع النبي عمامته صلى الله عليه وسلم عن رأسه وعمم عليًّا وقال: امض لشأنك. فخرج إلى عمرو بن عبد ود فدعاه إلى الإسلام فأبى، فدعاه إلى النزال -أي القتال- فقال عمرو: ولم يا ابن أخي؟ فما أحب أن أقتلك، ولقد كان أبوك خلًّا لي. فقال علي رضي الله عنه: أما أنا والله فأحب أن أقتلك. فغضب عمرو وترجل عن فرسه، ونزل علي رضي الله عنه عن فرسه، وأقبل كل منهما على الآخر فتصاولا وتجاولا حتى ضربه علي رضي الله عنه على عاتقه بالسيف فسقط على الأرض وتركه قتيلًا، فكبر علي و كبر النبي وأصحابه.
وشجاعته رضي الله عنه معلومة مشهورة، وكيف لا وهو الذي نام في فراش رسول الله يوم الهجرة؟ وقد ذكر الشيخ  الشبلنجي في كتابه (نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار) إن بعض أصحاب الحديث قد ذكر أن الله تعالى أوحى إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام أن انزلا إلى علي واحرساه في هذه الليلة إلى الصباح، فنزلا إليه وهما يقولان: بخ بخ، من مثلك يا علي، قد باهى الله بك ملائكته.
و قد أنشد رضي الله عنه يقول :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى     وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر
وبت أراعي منهم ما يسوءني               وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول الله في الغار آمنًا               وما زال في حفظ الإله وفي الستر

وأما عن علمه رضي الله عنه، فلا يشك ذو بصيرة أنه وارث علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ألم يقل رسول الله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى لولا أنه لا نبي بعدي). وقد ورد أن رجلًا سأل الإمام علي فقال: (يا أمير المؤمنين، لم ورثت دون أعمامك؟ قال : جمع رسول الله -أو قال: دعا رسول الله- بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا، وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس، فقال: يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه، وكنت أصغر القوم، فقال: اجلس. ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس. حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي .. ثم قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمى.
ولذا فقد تفجرت الحكمة في صدره وخرجت من بين ثناياه، وقد بعثه رسول الله إلى اليمن، وعن ذلك قال علي: (يا رسول الله قد بعثتني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ فضرب صدري ثم قال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه. فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما انتفعت بكلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانتفاعي بكتاب كتبه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه كتب إليه: أما بعد، فإن المرء يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ويسره إدراك ما لم يكن ليفوته، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك وليكن أسفك على ما فات منها، وما نلت من دنياك فلا تكن به فرحًا، وما فاتك منها فلا تأس عليه، وليكن همك لما بعد الموت والسلام.
والحق أن الكلام عن كل خصلة من خصاله يحتاج إلى مساحات وهذا مما يوقع الإنسان في حيرة إذا أراد أن يتكلم عنه، (فتعداد فضائله ومناقبه ومكانته في العلم والفهم والاستقامة والشجاعة والشهامة والفراسة الصادقة والكرامات الخارقة وشدته في نصرة الإسلام ورسوخ قدمه في الإيمان وسخائه وصدقته مع ضيق الحال وشفقته على المسلمين وزهده وتواضعه وتحمله، وتفاصيل ذلك باب واسع يحتمل المجلدات) كما ذكر ذلك الشيخ الشبلنجي في نور الأبصار.
وقد اجتهد كثير من الحفاظ في نشر مناقبه وتدوين فضائله نصحًا للأمة، خاصة وقد اشتغل طائفة من بني أمية بتنقيصه وسبه على منابرهم ووافقتهم الخوارج في ذلك، فاشتغل أهل السنة في بث فضائلهم مع أهل بيته حتى كثرت ..  في ذلك جمع الإمام النسائي رحمه الله وهو صاحب السنن كتابًا أسماه خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .. وقد قال الإمام أحمد بن حنبل والقاضى إسماعيل بن إسحاق والنيسابوري والنسائي: لم نرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ماروي في فضائل علي بن أبي طالب.
والحق مع علي يدور حيث دار كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخبر عمار أنه ستقتله الفئة الباغية وذلك أن كثير من الأمة قد اختلط عليهم أمر خروج بعض المسلمين عليه ، فالمنصف وجب عليه أن يراجع ما قاله النبي في هذا الإمام ليعرف أن الحق معه وأنه لا يجانبه الصواب فيما حكم به أو قضى فيه، شهد له بذلك المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه.
إن السياسة كانت وما زالت تلعب دورًا مؤثرًا في حياتنا، ومعرفة حق أهل البيت في المحبة والتعظيم والموالاة قد أثرت فيه كما ذكرنا من قبل ظروف الأمة السياسية، فكل من قرأ في تاريخ الأمة يعرف ما تعرض له أهل البيت من اضطهاد، وكيف أن تهمة التشيع كانت هي التهمة المعدة لكل من ظهر عليه أي قدر من المحبة والموالاة لآل البيت.
ونعرف أيضًا كيف كان للحكام يد في وضع أخبار تنتقص منهم، أو في منع نشر أخبار تعرف بحقهم، حتى كاد العوام الآن لا يحفظون في فضلهم شيئًا من الأحاديث، بل إن حديثًا مثل (تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدًا) هذا الحديث الذي يستشهد به الوعاظ والخطباء في كل محفل، تجده يروى على ألسنتهم (كتاب الله وسنتي) في حين أن الرواية الأكثر تواترًا وأصح سندًا هي (كتاب الله وعترت أهل البيت).
ولما ظهرت فتنة الوهابية في نجد وامتدت إلى شبه الجزيرة وما صاحبها من أفكار خارجة عن إجماع علماء المسلمين من أصحاب المذاهب الأربعة، ساعد على نشرها بعد ذلك ظهور البترول ووجود المال الذي يروج لهذه الأفكار وينفق عليه. انتشرت وترددت على ألسنة الناس وفي عقولهم، وفيها ما فيها مما يصرف الناس عن تعظيم النبي ومودة آل بيته تحت مسميات يفتن بها العوام.
وسوف نقوم في مقالات قادمة بإذن الله وتوفيقه في تفنيد هذا الكلام، استنادًا إلى كلام العلماء والفقهاء رحمهم الله.
وبقي لنا أن نختم بما ورد عن ابن عباس حيث قال: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: أنت سيد في الدنيا، وسيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، فالويل كل الويل لمن أبغضك). 

الشيخ: أكرم عقيل

التقييم الحالي
بناء على 57 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث