نسخة تجريبيـــــــة
من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب

تتميز الأمة الإسلامية بميزة تعد من أهم سماتها؛ ألا وهي التواصل بين أجيالها، وهو ما يعرف عند العلماء بالطبقات.. فتجد العلماء يصنفون المراجع في حفظ سير هذه الطبقات، فتجد طبقات الصوفية، وطبقات الشافعية, وتجد الكثير من المصنفات التي نقلت لنا سير أعلام الأمة بدءًا من الصحابة الكرام، ومرورًا بالتابعين وتابعي التابعين، إلى العلماء في القرون المختلفة.. وهذه السمة تشعرك بمدى أهمية هذا الأمر حيث اعتنى به العلماء أشد الاعتناء، وهو ما أثرى تراث هذه الأمة وجعل المطالع لتاريخها يشعر بمدى عظمة العطاء الفكري الذي فاضت به الأمة الإسلامية من خلال علمائها ومفكريها على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الفكرية.
وقد تباين مواقف العلماء تجاه مخالفيهم، فنجد أعلام الأمة قد فهموا سعة هذا الدين، وحقيقة وجود المساحة الخلافية في الفكر، هذه المساحة التي هي من حكمة الخالق سبحانه الذي هو أعلم بخلقه وأعلم باحتياجهم إلى هذه المساحة لاختلاف بيئاتهم وثقافاتهم؛ ليكون هذا الدين من السعة بحيث يسع الناس في كل زمان ومكان مع الحفاظ على ثوابته العقائدية والشرعية .. ونرى في جانب آخر بعض التعصب الذي يظهر كل آن وآخر يريد أن يضيق على الناس ما جعله رب الناس واسعًا، ويريد أن يحملهم على رأي واحد في أمور فيها سعة وفيها هذه المساحة من الاختلاف، التي كما ذكرنا هي من سمات هذا الدين.
وعلى هذا الجانب الآخر، وفي أزمنة مختلفة نجد حالات صارخة من التعصب والتشدد والهجوم على بعض الأعلام نتيجة عدم فهم في بعض الأحيان، ونتيجة اتباع الهوى في أحيان أخرى، وقد كانت أبرز هذه الحالات هي ظهور الخوارج في عهد الإمام علي بن أبي طالب، وما أحدثوه من شذوذ فكري أوصلهم إلى حد الحكم بالكفر على بعض أصحاب النبي، وعلى رأسهم أمير المؤمنين وباب مدينة العلم علي بن أبي طالب .. إلى هذا الحد يمكن أن يصل الجهل بأصحابه، وإلى هذا الحد من الضلال يمكن أن يقود الفكر السقيم أهله.
ولا يزال هذا التعصب يقود أصحابه إلى النيل من موز الأمة وقادة فكرها في العديد من الأزمنة .. وقد عايشت في عصرنا هذا هذه الحالات التي يقوم فيها أهل التعصب بشن حملات على بعض رموز الأمة وقادة فكرها الصوفي، حيث انزلقت أقدامهم نتيجة رفضهم لبعض ممارسات المسلمين في محبة أولياء الله ومودتهم والتبرك بآثارهم، إلى الطعن في هؤلاء الأعلام، والسادة العظام، الذين شهد لهم بالاستقامة، وأظهر الله لهم الكرامة.
هذا التعصب قد أعمى هؤلاء الناس، فما فرقوا بين الحق والباطل، وما استطاعوا أن يفصلوا بين ما قد يجري على ألسنة العوام من أقوال قد يشوبها شيء يوهم بعدم الفهم لحقيقة العقيدة وأصولها، فيسارع هؤلاء برمي المسلمين بالكفر والضلال، وبين ما يقعون فيه نتيجة التعصب من التطاول على الصالحين والأولياء العارفين.
ومن أشد من تعرض لهذه الحملات هو السيد أحمد البدوي، المشهور عند العوام (بالسيد البدوي)، هذا الإمام الذي أسس مدرسة تخرج منها الرجال والعلماء، هذا السيد الحسيب النسيب الممتد نسبه إلى الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه.
كره الحاقدون والحاسدون أن يروا هذا الحب الجارف في قلوب المسلمين، هذا الحب الذي توارثته الأمة لأئمتها وأعلامها، هذا الحب الذي هو معنى من معاني التواصل والمودة بين أجيال هذه الأمة .. هذا الحب الذي لم تمتلئ به القلوب إلا نتيجة سيرة عطرة، عرف صاحبها بالاستقامة، وظهرت عليه أنوار الولاية .. إن الحب والتعظيم لما يحبه الله ويعظمه هو من علامات المحبة والتعظيم لله سبحانه .. ولذا فنحن نحب الزمان والمكان والأشخاص الذين نعلم حب الله لهم.
نعم كره الحاقدون رؤية هذا الحب فكالوا الاتهامات لهذا السيد، اتهامات تخالف كل ما نقل عنه في التراجم، كما أنها تخالف المنطق السليم، إذ كيف يكون شخص بهذا الانحراف العقائدي والاخلاقي ثم تطبق الأمة علماء وعوامًّا على محبته وتعظيمه.
من أول التهم التي رموا بها السيد البدوي أنه ينتسب إلى الشيعة الباطنية، وقد نقد هذه الدعوى فضيلة الدكتور جودة محمد أبو اليزيد المهدي – عميد كلية القرآن الكريم بطنطا في كتابه المسمى (السيد أحمد البدوي)، وأثبت بالأدلة النقلية والعقلية بطلان هذه الدعوى التي ليس لها أصل يعتد به، بل تلقفتها قلوب سقيمة وتناقلتها بغير توثيق .. فأين كان كل هؤلاء العلماء والمؤرخين أمثال ابن حجر والمقريزي والحلبي والحافظ السيوطي وغيرهم من هذه الدعوى، وكيف لم يسمعوا بها ولم يشيروا إليها عن السيد البدوي.
وقد زعم هؤلاء وهم بمعرض الطعن في السيد البدوي أنه كان متحللًّا من التكاليف الشرعية، فادعوا عليه أنه تارك للصلاة، وألصقوا به تهمًا أستحي من نقلها عنهم فضلًا عن اعتقادها .. هذا السيد الذي كان صوامًا قوامًا عابدًا، ومن أجل ذلك أجله من عرفه واقتدى به خلق كثير.
وليس المجال هنا هو تفنيد ادعاءات هؤلاء الحاقدين، ولكن الأمر الذي نقف عنده هو ما سر هذا الحقد على هؤلاء السادة، إن كان كما يدعون هناك مغالاة في محبتهم، وما ينكرونه من زيارتهم والتبرك بآثارهم، فإن كل هذا من فعل الناس، فهل هذا الفعل إن كان منكرًا في نظرهم يكون مبررًا للنيل من هؤلاء الأولياء.
هل مغالاة بعض طوائف الشيعة في الإمام علي كرم الله وجهه تكون سببًا أن نحاول التقليل من شأنه .. إن التعامل بطريقة رد الفعل في هذه الأمور لا يصح.
وقد وضح الشيخ أحمد بن زيني دحلان  في كتابه (تاريخ مكة) في فصل بعنوان (ابتداء فتنة الوهابية مع الرد عليهم بما يبطل ما ابتدعوه سنة 1305)، أوضح الشيخ في هذا الفصل بداية هذه الفتنة وما بدأ معها من إنكار أمور اجتمع على القول بها وقبولها علماء الأمة في كل عصر ومصر، فأنكروا السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقاموا بمنع التوسل به وبالصالحين، بل رموا من يفعل هذا بالشرك .. قاموا بتحريم الصلاة على الرسول على المنابر بعد الأذان.
كما نقل الشيخ كذلك أنهم قاموا بهدم القباب التي بناها المسلمون على قبور الأولياء والشهداء .. وقد نقل الشيخ عن السيد علوي الحداد قوله: (لما وصلت الطائف لزيارة حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما اجتمعت بالعلامة الشيخ طاهر سنبل الحنفي ابن العلامة الشيخ محمد سنبل الشافعي فأخبرني أنه ألف كتابًا في الرد على هذه الطائفة سيما الانتصار للأولياء الأبرار، وقال لي لعل الله ينفع به من لم تدخل بدعة النجدي في قلبه، وأما من دخلت في قلبه فلا يرجى فلاحه لحديث البخاري: يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه).
ومن هنا نفهم ونعلم مصدر هذه الافتراءات على أولياء الله والهجوم والتطاول عليهم.. والعجيب أن الذي ينقل مثل هذه الادعاءات الباطلة ويقع في غيبة الأولياء وأكل لحومهم لا يتورع أو يخشى على دينه أو أن يقع تحت قول الحق في حديثه القدسي (من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب).
إن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وقد أجمعت الأمة على محبة الأولياء ومودتهم والتبرك بهم، فلا يضر في ذلك شذوذ بعض أهل الفتن الذين قاسوا في قياس ظاهر الفساد فعل المسلمين في محبة الأولياء على فعل المشركين في عبادتهم للأصنام، وساقوا في ذلك آيات نزلت في حق المشركين وحملوها على المسلمين، وأول من فعل هذا هم الخوارج، وعلى آثارهم يسير هؤلاء.
إن محبة الأمة للأولياء لن يؤثر فيها هذه الدعاوى الباطلة التي تصدر عن قلوب عمية، بل يجب علينا أن نحفظ لشباب الأمة رموزها ليعلموا أن أمة الإسلام غنية برجالها، وأن مدرسة الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خرجت وما زالت تخرج رجالًا على قدم الحبيب.

الشيخ: أكرم عقيل

التقييم الحالي
بناء على 62 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث