نسخة تجريبيـــــــة
طوبى لمن أحب من أحب
أهل المحبة والاجتباء، أهل الخصوصية والاصطفاء، أشرنا إليهم في المقال السابق، قوم أحبهم الله وأحبوه، والمحبون لله كثير، إلا أن هؤلاء لهم شأن آخر؛ فقد آثروا محبته على ما سواه، وخلوا قلوبهم من كل شيء من الأغراض والأعراض، وهم في ذلك لا يعرضون عن الأخيار طمعًا في أعراض أجله، ولكنهم بأحوالهم القائمة انشغلوا به عن كل ما سواه من العاجل والآجل.
وهؤلاء قد دخلوا من باب الاجتباء وسابقية الحسنى من الله سبحانه وتعالى (يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ) [سورة الشورى: 13].
وبقي بعد هذا الباب باب آخر هو باب الاجتهاد والإنابة إليه سبحانه (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [سورة الشورى: 13].
وهذا الباب أوسع من الأول، فأرباب الباب الأول وهو باب الاجتباء والاصطفاء هم أفراد من الأخيار، سبقت لهم من الله عناية فاختارهم على علم وهيأهم لما اختارهم من أجله، فصفاهم وتقاهم وهيأهم لأن يكونوا أدلة وأعلامًا يسير على هداهم الحائر .. فمن أراد أن يدخل من الباب الثاني وهو باب الإنابة وجد على الطريق علامات يهتدي بها، ووجد أئمة يقتدي بهم.
فالصنف الأول مراد أي مطلوب، والصنف الثاني مريد أي طالب، فمن أراد من المريدين الوصول لمطلوبه بحث عن المرادين المطلوبين وصحبهم واقتدى بهم؛ قال تعالى: (الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرّحْمَـَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [سورة الفرقان: 59]، قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ) [سورة التوبة: 119]، انظر كيف ربط الحق التقوى بمعية الصادقين.
فالبشرى الأولى عندما قلنا طوبى لمن أحب، واليوم البشرى الثانية، وهي بشرى لمن يحب من أحب الله وأحبه الله.
فمن علامات الرضا والتوفيق أن يقذف الله في قلب عبد من عباده حب أوليائه وأصفيائه، ومن علامات سخط الله وإعراضه عن عبد من العباد أن يملأ قلبه بالجفوة والبغض والإعراض عن أوليائه وأصفيائه.
انظر كيف كان استكبار إبليس وحسده لآدم عليه السلام وهو الذي اصطفاه الله وقربه، هو مدخل إبليس الى الكفر وخروجه من الإيمان مع علمه واعترافه بل وقسمه بعزة الله وجلاله، ومن بعدها حسد ابن آدم لأخيه لما مَنَّ الله به عليه من القبول فقتله وأصبح من الخاسرين.
وكذلك سنة الله في خلقه أنه يجعل لأصفيائه أعداء من المجرمين قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [سورة الأنعام: 112]، وسنن الله لا تتبدل ولا تتحول، فاستمرت في أوليائه وخواص خلقه في أمة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، فحقد الناس على آل بيت النبي وحسدوهم لما خصهم الله به من رفعة وعطاء وشرف، وميراث النبوة ومحبة الخلق لهم والتفافهم حولهم، فكان ما كان من قتلهم وتشريدهم، وما هذا إلا كما قال الحق (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَىَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكًا عَظِيمًا) [سورة النساء: 54] نعم، آتاهم الكتاب، ففي بيتهم نزل، وأعطاهم الحكمة فقد ورثوها عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، وآتاهم ملكًا عظيمًا، وكيف لا؟ فإن ملك ملوك الدنيا يزول، وملكهم وأعلامهم مرفوعة في الدنيا، وفي الآخرة يعرف الجاهلون لقدرهم مكانة هؤلاء السادة عند الله. ورؤية الفضل والشرف لأهله هو كذلك من توفيق الله سبحانه، فالقلب غير مملوك لصاحبه، ولكن الله يملأ قلب من أراد له خيرًا بحب أحبابه، فيحبوهم لله، ويودونهم لله، ويودوهم لله، قال تعالى: (ذَلِكَ الّذِي يُبَشّرُ اللّهُ عِبَادَهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) [سورة الشورى: 23].
وأقول هنا عن تجربة ومعايشة لا عن دراسة واستنباط، إن مجالسة الصالحين ومجاورتهم لها في النفس الأثر العظيم إن جاء الإنسان بنية خالصة وسريرة صافية، فإن الله يفيض على المجالس والزائر من الرحمة والبركة المتنـزلة عليهم أينما كانوا وأينما حلوا، أحياءً كانوا أو مقبورين.
وهؤلاء قد دخلوا من باب الاجتباء وسابقية الحسنى من الله سبحانه وتعالى (يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ) [سورة الشورى: 13].
وبقي بعد هذا الباب باب آخر هو باب الاجتهاد والإنابة إليه سبحانه (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [سورة الشورى: 13].
وهذا الباب أوسع من الأول، فأرباب الباب الأول وهو باب الاجتباء والاصطفاء هم أفراد من الأخيار، سبقت لهم من الله عناية فاختارهم على علم وهيأهم لما اختارهم من أجله، فصفاهم وتقاهم وهيأهم لأن يكونوا أدلة وأعلامًا يسير على هداهم الحائر .. فمن أراد أن يدخل من الباب الثاني وهو باب الإنابة وجد على الطريق علامات يهتدي بها، ووجد أئمة يقتدي بهم.
فالصنف الأول مراد أي مطلوب، والصنف الثاني مريد أي طالب، فمن أراد من المريدين الوصول لمطلوبه بحث عن المرادين المطلوبين وصحبهم واقتدى بهم؛ قال تعالى: (الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرّحْمَـَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [سورة الفرقان: 59]، قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ) [سورة التوبة: 119]، انظر كيف ربط الحق التقوى بمعية الصادقين.
فالبشرى الأولى عندما قلنا طوبى لمن أحب، واليوم البشرى الثانية، وهي بشرى لمن يحب من أحب الله وأحبه الله.
فمن علامات الرضا والتوفيق أن يقذف الله في قلب عبد من عباده حب أوليائه وأصفيائه، ومن علامات سخط الله وإعراضه عن عبد من العباد أن يملأ قلبه بالجفوة والبغض والإعراض عن أوليائه وأصفيائه.
انظر كيف كان استكبار إبليس وحسده لآدم عليه السلام وهو الذي اصطفاه الله وقربه، هو مدخل إبليس الى الكفر وخروجه من الإيمان مع علمه واعترافه بل وقسمه بعزة الله وجلاله، ومن بعدها حسد ابن آدم لأخيه لما مَنَّ الله به عليه من القبول فقتله وأصبح من الخاسرين.
وكذلك سنة الله في خلقه أنه يجعل لأصفيائه أعداء من المجرمين قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [سورة الأنعام: 112]، وسنن الله لا تتبدل ولا تتحول، فاستمرت في أوليائه وخواص خلقه في أمة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، فحقد الناس على آل بيت النبي وحسدوهم لما خصهم الله به من رفعة وعطاء وشرف، وميراث النبوة ومحبة الخلق لهم والتفافهم حولهم، فكان ما كان من قتلهم وتشريدهم، وما هذا إلا كما قال الحق (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَىَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكًا عَظِيمًا) [سورة النساء: 54] نعم، آتاهم الكتاب، ففي بيتهم نزل، وأعطاهم الحكمة فقد ورثوها عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، وآتاهم ملكًا عظيمًا، وكيف لا؟ فإن ملك ملوك الدنيا يزول، وملكهم وأعلامهم مرفوعة في الدنيا، وفي الآخرة يعرف الجاهلون لقدرهم مكانة هؤلاء السادة عند الله. ورؤية الفضل والشرف لأهله هو كذلك من توفيق الله سبحانه، فالقلب غير مملوك لصاحبه، ولكن الله يملأ قلب من أراد له خيرًا بحب أحبابه، فيحبوهم لله، ويودونهم لله، ويودوهم لله، قال تعالى: (ذَلِكَ الّذِي يُبَشّرُ اللّهُ عِبَادَهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) [سورة الشورى: 23].
وأقول هنا عن تجربة ومعايشة لا عن دراسة واستنباط، إن مجالسة الصالحين ومجاورتهم لها في النفس الأثر العظيم إن جاء الإنسان بنية خالصة وسريرة صافية، فإن الله يفيض على المجالس والزائر من الرحمة والبركة المتنـزلة عليهم أينما كانوا وأينما حلوا، أحياءً كانوا أو مقبورين.
فالله سبحانه هو المعطي وهو النافع، وله في ذلك قدرة مطلقة أن ينفع من شاء بما شاء كيف يشاء. وأقول ثانية: إن هذا الكلام عن معايشة وتجربة، لا أخشى في ذلك لوم من يلوم أو سخرية من يسخر.
وإعراض المعرض عن محبة أهل المحبة والاصطفاء إنما هو أثر حجاب على القلب منعهم من رؤية أنوار هؤلاء المتلألئة الظاهرة، وآثار هذه الأنوار من إقبال الخلق عليهم والقبول الذي وصفه الله لهم في الأرض من أثر ندائه على جبريل عليه السلام قائلا: (يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه).
ويكفينا في ذلك بشرى جاءت على لسان الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بأن المرء مع من أحب، أي أن كل إنسان يحشر مع من أحبه يوم القيامة؛ ولذا فقد جعل الله أحبابه وأصفياءه وأولياءه خزائن رحمته إذ نحشر في زمرتهم بمحبتهم ولله در القائل:
لي سادة من عزهم أقدامهم فوق الجباه إن لم أكن منهم فلي في حبهم عز وجاه فهم الذين اجتباهم الله بمشيئته، ومن أحبهم واتبعهم فهم الذين هداهم الله بإنابتهم إليه سبحانه والسير على قدم من سبق من السابقين، ومن أعرض عنهم وتكبر فهو المحروم من بركتهم الفياضة التي عاش في ظلها أقوام أخيار، ورأوا فيها من عطاء الله وإمداده الوافر ما رأوا واطمأنت به قلوبهم.
فطوبى من أحب، وطوبى لمن أحب من أحب، فالحب نسب وصلة لا تنقطع في الدنيا ولا في الآخرة، ألم يقل الحق سبحانه: (الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلا الْمُتّقِينَ) [سورة الزخرف: 67] فهذه الخلة هي التي تبقى وتدوم إذا انقطعت كل خلة، بل وانقلبت إلى عداوة، إلا أن خلة هؤلاء تدوم وتبقى، إذ ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
والأنساب كلها تذهب قال تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ) [سورة المؤمنون: 101] إلا أن نسب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم له شأن آخر، إذ أخبر صلوات ربي وسلامه عليه أن كل نسب وسبب مقطوع يوم القيامة إلا سبب ونسب الشريف.
هذه هي الخلة التي يجب أن نحرص عليها، وهذا هو النسب الذي نسعى لندخل فيه، ومن فضل الله أن جعل هذا الأمر وهو النسبة الشريفة غير مقصورة على العصب وإن كان لأهل العصب شرفهم وفضلهم، ولكنه فتح الباب بالمحبة والصدق والاتباع ليدخل من يدخل كما دخل سلمان الفارسي عندما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سلمان منا آل البيت) ولذا نرى سلمان الذي أكرم بهذا الانتساب، نراه من الذين والوا آل البيت وتبقوا في نصرة الإمام علي كرم الله وجهه عندما خرج عليه من خرج وخذله من خذله.
طوبى لمن أحب، وطوبى لمن أحب من أحب، نعم يا بشرى من عرف حب الأصفياء الأتقياء الأولياء، ولزم هذه المحبة وعرف قدرها وقام بحقها، فأحسن صحبتهم، وتأدب في معيتهم، ولزم مسلكهم، وسار على آثارهم، فأناب بذلك إلى الله إنابة حقيقية كاملة، فهداه الله إليه فدخل في زمرة العارفين المقربين.
لا طريق إلى ذلك إلا بالصحبة والمعية لهؤلاء الأطهار الأخيار، فهم العلامات كما قلنا، وهم الأئمة الذين جعلهم الله يهدون بأمره لما صبروا .. وما رأينا أحدًا ممن ظهرت عليه علامات الولاية والاستقامة وظاهر الكرامة إلا وهو محب لهم يعرف قدرهم وبركتهم ومعرفة حقهم وحسن اتباعهم سار على الطريق فكان له ما له من عطاء الله وفضله.
ما رأينا أحدًا من أهل الإعراض ظهر عليه نور العبادة، أو خرقت عادة، بل يظهر على وجوههم ظلمة الإعراض، وفي قلوبهم قسوة الجفاء. ذلك لأن الله جعل عطاءه ورحمته في صحبة ومجاورة الأصفياء، فطوبى لمن أحب، وطوبى لمن أحب من أحب.
وإعراض المعرض عن محبة أهل المحبة والاصطفاء إنما هو أثر حجاب على القلب منعهم من رؤية أنوار هؤلاء المتلألئة الظاهرة، وآثار هذه الأنوار من إقبال الخلق عليهم والقبول الذي وصفه الله لهم في الأرض من أثر ندائه على جبريل عليه السلام قائلا: (يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه).
ويكفينا في ذلك بشرى جاءت على لسان الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بأن المرء مع من أحب، أي أن كل إنسان يحشر مع من أحبه يوم القيامة؛ ولذا فقد جعل الله أحبابه وأصفياءه وأولياءه خزائن رحمته إذ نحشر في زمرتهم بمحبتهم ولله در القائل:
لي سادة من عزهم أقدامهم فوق الجباه إن لم أكن منهم فلي في حبهم عز وجاه فهم الذين اجتباهم الله بمشيئته، ومن أحبهم واتبعهم فهم الذين هداهم الله بإنابتهم إليه سبحانه والسير على قدم من سبق من السابقين، ومن أعرض عنهم وتكبر فهو المحروم من بركتهم الفياضة التي عاش في ظلها أقوام أخيار، ورأوا فيها من عطاء الله وإمداده الوافر ما رأوا واطمأنت به قلوبهم.
فطوبى من أحب، وطوبى لمن أحب من أحب، فالحب نسب وصلة لا تنقطع في الدنيا ولا في الآخرة، ألم يقل الحق سبحانه: (الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلا الْمُتّقِينَ) [سورة الزخرف: 67] فهذه الخلة هي التي تبقى وتدوم إذا انقطعت كل خلة، بل وانقلبت إلى عداوة، إلا أن خلة هؤلاء تدوم وتبقى، إذ ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
والأنساب كلها تذهب قال تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ) [سورة المؤمنون: 101] إلا أن نسب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم له شأن آخر، إذ أخبر صلوات ربي وسلامه عليه أن كل نسب وسبب مقطوع يوم القيامة إلا سبب ونسب الشريف.
هذه هي الخلة التي يجب أن نحرص عليها، وهذا هو النسب الذي نسعى لندخل فيه، ومن فضل الله أن جعل هذا الأمر وهو النسبة الشريفة غير مقصورة على العصب وإن كان لأهل العصب شرفهم وفضلهم، ولكنه فتح الباب بالمحبة والصدق والاتباع ليدخل من يدخل كما دخل سلمان الفارسي عندما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سلمان منا آل البيت) ولذا نرى سلمان الذي أكرم بهذا الانتساب، نراه من الذين والوا آل البيت وتبقوا في نصرة الإمام علي كرم الله وجهه عندما خرج عليه من خرج وخذله من خذله.
طوبى لمن أحب، وطوبى لمن أحب من أحب، نعم يا بشرى من عرف حب الأصفياء الأتقياء الأولياء، ولزم هذه المحبة وعرف قدرها وقام بحقها، فأحسن صحبتهم، وتأدب في معيتهم، ولزم مسلكهم، وسار على آثارهم، فأناب بذلك إلى الله إنابة حقيقية كاملة، فهداه الله إليه فدخل في زمرة العارفين المقربين.
لا طريق إلى ذلك إلا بالصحبة والمعية لهؤلاء الأطهار الأخيار، فهم العلامات كما قلنا، وهم الأئمة الذين جعلهم الله يهدون بأمره لما صبروا .. وما رأينا أحدًا ممن ظهرت عليه علامات الولاية والاستقامة وظاهر الكرامة إلا وهو محب لهم يعرف قدرهم وبركتهم ومعرفة حقهم وحسن اتباعهم سار على الطريق فكان له ما له من عطاء الله وفضله.
ما رأينا أحدًا من أهل الإعراض ظهر عليه نور العبادة، أو خرقت عادة، بل يظهر على وجوههم ظلمة الإعراض، وفي قلوبهم قسوة الجفاء. ذلك لأن الله جعل عطاءه ورحمته في صحبة ومجاورة الأصفياء، فطوبى لمن أحب، وطوبى لمن أحب من أحب.
الشيخ: أكرم عقيل
التقييم الحالي
بناء على
47
آراء
أضف تعليق