نسخة تجريبيـــــــة
مصر مازالت في قلوبنا

كثيرًا ما أمسك بالقلم لأكتب هذا المقال وأنا في حيرة؛ ماذا أكتب؟ وكثيرًا ما ينتابني الشعور بعدم الرغبة في الكتابة..
والحق أن سبب ذلك يرجع إلى أمور: الأول هو حال الكاتب؛ حيث أرى أني بحاجة لأن أقرأ أكثر مما أكتب، ولأن أسمع أكثر مما أتكلم، حيث ما زال أمامي الكثير والكثير مما أحتاج أن أتعلمه .. والأمر الثاني هو حال القارئ، أو قل: هل من قارئ؟!
وكذلك ينتابني هذا الشعور من كثرة ما نرى حولنا من خلل أصاب كثيرًا من جوانب الحياة، سياسة واقتصادًا واجتماعًا وثقافة، فمن أين نبدأ؟! وقد كثر الكلام في السنوات الأخيرة، صحفًا وفضائيات وغيرها من المجالات، ولكن التباين بين حال المتحدث وبين حديثه يفقد الكلام مصداقيته وأثره في النفوس.
أنظر حولي فأرى تخبطًا واضحًا مع غياب الهدف، واختفاء القدرة والمثل، ومع تزايد الضغوط واتساع الفجوة بين أفراد المجتمع يزداد الفساد الأخلاقي والانحراف السلوكي.
ويأتي شيء قد يراه البعض تافهًا مثل كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى في العالم ليظهر شيئًا متواريًا في نفوس هذا الشعب،
وليعيد اكتشاف آثار اندثرت تحت التراب من بقايا الولاء لهذا البلد ظننا أنه قد ذهب بلا عودة.
حدث هذا أثناء هذه المبارايات المقامة في غانا، وكان أوضح وأكثر ظهورًا أثناء البطولة المنظمة في مصر عام 2006..
وفي العام الماضي وأثناء تواجدي بالمدينة المنورة -على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى آله- كنت أجلس مع بعض الإخوة من سوريا ومن السعودية وبرفقتي صديق من مصر من أعضاء مجلس الشعب، وأثناء الحديث تكلم أحد الإخوة السعوديين عن تفشي ظاهرة الفساد الإداري في مصر .. أمر عادي نتكلم عنه دون انقطاع حيث نعاني منه جميعًا، غير أن صدوره من أحد الإخوة غير المصريين وفي حضور أغلبية غير مصرية في الجلسة قد جعل الدم يغلي في عروقي، ورأيت الأمر نفسه على صديقي عضو مجلس الشعب الذي انبرى يدافع عن مصر بصورة واضحة.. نحن ننتقد الحاكم والحكومة كما نشاء، غير أن لنا غيرة على مصر وحاكمها وحكومتها إذا ما تطاول عليها أحد أيًّا كان..
هذه الأمور والأمثلة تبين أن بعض محبتنا لبلدنا لم يمت كما نظن وكما يرى البعض ويريد أن يروج.. إن كان قد مات في قلوب البعض فليتركوها وليرحلوا، وليدعوا هذا البلد لأهله فهم أولى به..
إن حبنا لمصر أمر واقع، وجذورنا تضرب في أعماق هذه الأرض، غير أننا نحتاج إلى من يحرك هذه القلوب نحو هدف وغاية نشعر فيها أننا في مركب واحد.
نحتاج إلى أن نصدق ما نسمع وما نقول، لا أن نقرأ كل يوم أن محدودي الدخل في أولويات الحكومة، ثم نرى محدودي الدخل يطحنون تحت رحى الغلاء الذي أصبح كالغول الذي يأكل كل شيء.
نحتاج إلى أن نؤمن بما يقول الحاكم وبما تصرح به الحكومة، والواقع يقول غير ذلك؛ إذ إننا لا نصدق ما نسمع ولا نؤمن به، وفقدان المصداقية هو من أخطر الظواهر؛ إذ تعودنا على سماع الكذب لدرجة جعلتنا نفقد الإيمان بكل شيء.
نحتاج أن نرى حبًّا وغيرة على هذا الوطن في عين وصوت وقلب كل من يجلس في موضع مسؤلية، وأن نستشعر فيهم إحساسًا بهذه الطبقات المطحونة، ليس من باب الرحمة فقط، ولكن من باب المسئولية، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
لا نريد أن نكذب أو أن نتجمل، فلا يعني الفلاح أن معدل النمو قد ارتفع، ولا يقلق العامل أو يبيت وهو يفكر في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.
إنهم يريدون حياة كريمة؛ حياة يشعرون معها بآدميتهم، يأكلون ويعالجون ويعلمون أبناءهم، إلى آخر احتياجات الإنسان العادي.
لقد مللنا الأعذار، وسئمنا المبررات الواهية، فنحن في بلدة أعطاها الله كل ما تتمنى بلدة من البلاد أو شعب من الشعوب.
إن هذا الشعب الذي أرادوا أن يصوروه على أنه عبء وعائق في طريق التنمية نظرًا لتزايده، أقول هو من مكونات التنمية الأساسية إن أحسنتم تعليمه وتدريبه.
ابحثوا أيها السادة عن إحصاءات بأعداد المصريين النابغين في الغرب في جميع المجالات، وابحثوا لماذا خرجوا من هنا وكيف برزوا هناك؟
إن تجارب شرق أسيا أمام أعيننا إن كنا نرى، وملء السمع إن كنا نسمع، وأعداد الشعوب هناك أضعاف عدد هذا الشعب، وها هي ماليزيا وقد بدأت تجربتها باختيار قطاع التعليم كأولوية للتنمية، فوجهوا آليه مواردهم، ومن هنا بدأ الانطلاق.. وها هو جنوب إيطاليا أمامنا، و قد كان أفقر من صعيد مصر منذ خمسين عامًا، وهو مهد الإجرام في إيطاليا، ومنشأ عصابات المافيا، تمت تنميته وكانت الصناعات الصغيرة هي المحرك لهذه التنمية.
إن تجارب الشعوب أمامنا، أوروبا بعد الحرب العالمية، شرق آسيا، اليابان بعد القنبلة الذرية، تجارب حية معاصرة، فأين نحن من ذلك؟
أيها السادة، أنتم معكم خير أجناد الأرض، أخبر بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يحتاج هؤلاء الأجناد إلا إلى من يخوض بهم غمار المعارك، ولا أقصد معارك القتال، ولكن أعني معارك البناء. إن هؤلاء الأجناد يريدون قيادة معهم في أرض الميدان، تعرف آمالهم، وتشعر بآلامهم..
إن مصر لا تستحق منا ذلك، إن مصر هي البلد التي نتعبد باسمها في كتاب الله.. إن مصر هي أمنا التي يحق علينا أن نبرها..
كرة قدم حركت قلوب هذا الشعب فالتف وتمسك ووقف ونادى باسم مصر، فما بالنا إن أخذنا بيد هذا الشعب إلى قضية حياة.
نحتاج في ذلك إلى رغبة صادقة في السير نحو الأمام، رغبة في قلب الحاكم وكل مسئول عن هذا الشعب.
وبعد هذه الرغبة منهاج للسير يضرب فيه على يد المفسد أيًّا كان، وتعان فيه يد المصلح.
أيها السادة، لقد سئمنا القيل والقال، ومللنا المبررات، إن قلوب أبناء مصر ما زالت تنبض، فأدركوها قبل أن تموت..

الشيخ: أكرم عقيل

التقييم الحالي
بناء على 43 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث