عن مصر مازالت أتحدث، حيث تكلمت في المقال السابق عن هذا الشعور الجارف الذي يظهر ويتدفق كلما اجتمعنا على هدف واحد، وعلت الأصوات تنادى باسم مصر.. وقد تمت فرحة مصر والمصريين بفوز أبنائها ببطولة أفريقيا، وانفجر بركان من الفرحة والشعور بالفخر، وازداد فخرنا كلما قرأنا ما يكتبه الغير عن أبنائنا وإخواننا مما ينقل عن الصحف و الوكالات الأجنبية، كل منا يشعر بالفرحة والفخر كأنه هو الذي خطط أو لعب أو شارك في هذا الإنجاز.
إن إلتفاف قلوبنا حول فريقنا لم يكن فقط ممن يهوى كرة القدم، ولكنه كان من كل قلب يحب مصر، وقد اشتاق لإحساس العزة والفخر والفرحة بهذا البلد.. لقد اهتزت قلوبنا فرحا ونحن نرى انجازا مستحقا لأبناء مصر..
وهنا نريد أن نقف ونتساءل مرة أخرى، لماذا لا نتحرك على كافة المستويات؟ وفي كافة المجالات لإحياء هذا الحس والإبقاء عليه واستغلاله وتوجيهه إلى معركة بناء حقيقية.
إن هذا الأمر يحتاج إلى هدف محدد وواضح، وبدون تحديد الهدف فنحن نسير على غير هدى، نتخبط ولا نصل إلى شىء. وبعد تحديد الهدف يوضح الطريق، يرسم هذا الطريق بوضوح، وتحدد عليه الصعاب والتحديات، ثم يأتى دور القيادة.
في تجربتنا الكروية، فزنا في عام 1998 مع الجوهرى، ووصلنا إلى كأس العالم معه.. وفزنا بكأس العالم للشباب في كرة اليد في ملحمة رائعة مع كتيبة قائد جمال شمس.. وفي عامي 2006، 2008 قاد حسن شحاته أبناء النيل لبطولتين رائعتين أسعد بها جماهير مصر في كل قرية وحارة بداخلها، وكل مدينة خارجها..
يظهر لنا بوضوح أن القائد الوطنى هو الأقدر على تحقيق الانجازات على الأقل في هذا البلد، ومع خير أجناد الأرض.
واختلف كثيرا مع من يقول أن الأمر يتعلق باللغة والتفاهم، وأرى أن الأمر يتعلق بتوافق الوجدان والحس في قلب القائد وجنوده.. الأمر يتعلق بالجانب النفسى حيث تهتز مشاعره إذا سمع الجماهير تنادي باسم مصر، ويقشعر بدنه إذا رأى أعلام مصر، يستمع معهم بقلبه ووجدانه إلى (يا حبيبتى يا مصر) وإلى (مصر هي أمي).
إن القائد الوطني لهذه الكتائب قد توحد قلبه مع قلوب لاعبيه، وعلم كما علموا أن الأطفال في القرى والنجوع ينتظرون نصرهم، ولا أقول هنا أننا بالجانب الحماسى أو النفسي فقط، إلا أن إغفاله يكون فيه قدر كبير من التجاوز.
إن مصر تحتاج منا إلى تكوين فريق وطنى من جميع الشعب، يعد إعدادا له تخطيطا علميا، ويرسم له طريق واضح إلى أهداف محددة، ويقف القائد بين جنوده، يكلمهم ويصارحهم ويكلفهم بمهام، ويؤمن بأن معه خير أجناد الأرض.
نريد وعودا واقعية، ونعلم أن أي ثمار تحتاج إلى زرع وجهد وعرق. نستطيع أن نتعلم ونقاتل إذا صدقنا وأمنا.. وهنا أرجع إلى المصداقية المفقودة.. وأقولها بصراحة نحن لا نصدق ما نسمع، ولا نؤمن بما يقال، بل نتردد في تصديق الأخبار العادية مثل عدد الضحايا في حادث ما على سبيل المثال.
وكيف يصدق الفلاح الذى لا يستطيع أن يحصل على احتياجه من السماد لأرضه، أنه في مقدمة الأولويات للسادة الذين يسيرون بأساطيل السيارات السوداء التى تشترى من الإنفاق العام.
يا سادة، إن الشعب يشعر بمرارة في حلقه، مرارة أصبحت لا تفارقه.. يا سادة، إن الفجوة بينكم وبين جنودكم كبيرة، وقد فقدتم كل ما يمكن أن تتواصلوا به معهم..
يا سادة، إن مصر لا تستحق منكم ذلك، نعم، نحن كشعب قد اعوججنا عن الطريق، وانحرفت أخلاقنا عن الجاده، وتغيرت صفاتنا الأصلية مثل الشهامة والكرم وغيرهما مما عرفنا أنفسنا به، ولكن أقول لكم، إن المعدن الأصيل مازال هناك، يكسوه بعض الصدأ، ولكنه يحتاج إلى من يمد يده ويجلو صدأه.
أنا أعلم جيدا أن كلامى هذا قد لا يعجب البعض، ولكن أقول لهم، هذا نبض عروقى، وأعلم أنه نبض كثير من أبناء وطني، وأنا لا أتكلم في السياسة ولا أعمل بها، ولن أعمل بها، ولكن الله قد أقامنا في هذه السطور واستخلفنا فيها، فلا أقل من أن نقول فيها ما يجول في خواطرنا ويختلج في قلوبنا بصدق وللقائمين أن ينشروا أو يمنعوا فليس هذا ما يهمنى في حقيقة الأمر.
إن هذا الحب الجارف الذى نراه يتدفق كالأنهار الجارية لهذا البلد لابد أن يستثمر في بنائها وإصلاح أحوالها.
نحن أمام تحديات نتحمل تبعاتها ولا نصارح بها وليس هذا من العدل. الشعب يأن تحت وطأة الغلاء، الشباب يتسكعون في الطرقات، وفي كل بيت في كل قرية شاب ينام بالنهار ويسهر بالليل، لا يعمل ولا يصلح أن يعمل، فمخرجات التعليم عندنا تعلمون أحوالها جيدا.. حاملوا شهادات متوسطة كثير منهم لا يجيد القراءة والكتابة ؟؟!!!
إن إصلاح التعليم مشروع قومي، يجب أن نضعه في مقدمة الألويات، ولكن من الذى يمتلك الشجاعة ليرفع القناع، ويصارح الناس بما يعلمون، ويرفع شعار (فلنتوقف عن الكذب)، وعن النتائج المكذوبة والملفقة.
فلنجمع الشعب ونتكاتف في بناء هذا البلد، ولن نستطيع بناء هذا البلد دون أن نبنى من يبنى هذا البلد.. نبنى شبابا ورجالا، نبنيهم علما وخلقا.
التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم، مشروع قومى لا مفر منه إن أردنا أن نصلح ونبنى مصر التى نريد.. أما الواقع فإنه مرير بمعنى الكلمة.. مدارس ومعاهد لا يتعلم فيها أحد، ثم يخرجون يحملون الشهادات..
مدارس ومؤسسات تعليمية استثمارية هدفها الأول والثاني والثالث هو الربح.. مؤسسات أخرى أجنبية بدرجة مستفزة، ويكفي أن أقول أن يصرون على إجراء اختبارات يوم الجمعة وقت الصلاه دون أدنى مراعاة لدين أو ثقافة أو حياة شعب، ناهيك عن تدهور حال اللغة التى تمثل جزءا كبيرا من هويتنا.
أيها السادة، الواقع مرير، فإلى متى ولماذا نتجمل؟ نتجمل أمام من؟ كلنا يعرف الواقع ويعيشه، فلماذا نكذب؟ وعلى من نكذب؟ ولمصلحة من نكذب؟ إن مصر لا تستحق منا ذلك !!