بتاريخ: 16-03-2011
- المفتي يؤكد على دور الإعلام في التواصل مع الجماهير ويضع المبادئ للانتقال من المواقف إلى الواجبات
- الإمام يعتبر المشاركة في الاستفتاء واجب ويمتنع عن التصريح برأيه ليترك الحرية للشعب
- المادة الثانية في الدستور المصري مادة فوق دستورية ونريد أن تكون مصر نموذجاً للمنهج الوسطي
أقام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية مؤتمرا صحفيا اليوم في إطار التواصل بين دار الإفتاء المصرية و الإعلام المصري والعربي والعالمي إيمانا بدورالإعلام الكبير كأداة للاتصال مع جماهير الأمة وتوصيل الرسالة خاصة في هذه المرحلة التي تمر بها مصر
وأشار فضيلة المفتي في بداية لقائه إلى أن هذا الاجتماع كان ينبغي أن يكون شهرياً إلا أنه تأخر أكثر من شهرين مما نفى عنه صفة الشهرية ليكون اجتماعا دورياً ، بادئاً حديثه بتقديم التحية لشهداء الثورة وطلب الدعاء لهم ولذويهم وخاصة لأمهاتهم لشدة ألم الأم مؤكدا أن البطل الحقيقي لهذه الثورة هو هذه الأم وأنه ينبغي علينا أن نعتني بها وندعو لها ، كما تقدم بالتحية للشعب المصري والدعاء له بأن يوفقه الله في هذه الأيام وأن يبدأ في بناء مستقبل جديد قوي وصرح ضخم لبلادنا ، كما أشاد فضيلته بدورالقوات المسلحة التي رفعت رأس مصر والتي وقفت مواقف لم تقفها قوات أخرى في العالم أزالت مخاوف المصريين مؤدين دورهم المأمول دائما عبر التاريخ المصري
وعبر الدكتور علي جمعة عن حبه للوطن مؤكدا أن حب الوطن من الإيمان ومستشهدا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين مغادرته مكة بعدما ما نظر إليها قائلاً " ألا إنك أحب أرض الله إلي ولولا أن أهلك أخروجوني ما خرجت منك أبدا" وأنه بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً وقد باع عقيل ابن أبي طالب بيوته باعتبار أنه من عائلته قيل له أين تنزل وقد بيعت بيوتك فقال " وهل ترك لنا عقيل من رباع " ما يعني أنه كان متألما من هذا لأنه كان يريد أن يكون له في مكة ذكر وكل هذا يؤكد أن حب الوطن من الإيمان
واستشهد فضيلته على حبه لمصر بأنه لم يغادر مصر ولم يتم إعارته الي أي مكان آخر غيرها وأنه قضى عمره كله فيها رافضاً الذهاب إلى أي بلد إلا لخدمة مؤتمر أو دعوة ومفتخراً بكونه من مصر الحضارة ومصر الإسلام ومصر المستقبل كما حث على التكاتف لصنع مصر جديدة مبيناً أننا قد طوينا صفحة من تاريخنا لنفتح صفحة اخري هدفها البناء
وأوضح فضيلة الإمام أن الهدف من هذا المؤتمر هو توضيح ووضع بعض الأفكار والمبادئ والرسائل بين يدي الإعلاميين لتوصيلها الي المصريين والعالم للانتقال من المواقف الي الواجبات وتوزيع الادوار وأن الجميع أمامه واجب من أجل مصر ينبغي عليه ان يقوم به مشيراً إلى أن التغيير والتطور سنة من سنن الله في كونه وانه ليس هناك مع التطوير مسألة اسمها النهاية فالتطور لا يمكن ان يبلغ مداه لاننا سنظل دائما في حاجة الي التغيير والذي هو ضرورة حضارية وسنة حياتية ومبدأ إسلامي مستشهداً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي أمر دينهم " وباسم كتاب الإمام أبي حامد الغزالي "إحياء علوم الدين" موضحا أن علوم الدين وهي موجودة بالفعل تحتاج دائماً إلى إحياء وإلى إعادة عرض مرة ثانية وأن كل عصر يحتاج إلى التعامل مع الواقع المحيط
وتمثلت أولى الأفكار والمبادئ التي وجهها الإمام في فكرة المؤسسية والتي تعني انفصال المؤسسة عن الشخص وبقاء المؤسسة بعد زوال الشخص وهي ذاتها تعني ما ينادي به كثير من الناس من المشاركة وتدوال السلطة والمسئولية وغيرها من الأفكار موضحاً أن نموذج دار الافتاء بالرغم من كل العوائق التي تعرض لها إلا أنه نموذج ينبغي دراسته لأنه نموذج نجح في الظروف غير المواتية فمنذ تولي فضيلته منصب مفتي الديار المصرية في عام 2003 وهدفه هو تحويل دار الإفتاء المصرية إلى مؤسسة ولذلك قامت دار الإفتاء بإنشاء ما يسمى بأمانة الفتوى وعمل موقع لدار الإفتاء على الشبكة العالمية الإنترنت بالإضافة إلي إصدار مجلة فصلية تصدر عن دار الإفتاء المصرية وعمل مركز اتصال بعدة لغات من أهمها اللغة الإنجليزية لتلقي الاتصالات الخاصة بالفتاوى والاستفسارات وخروج الفتوى بعد دراسة يعتمدها المفتي في النهاية مما يدعم فكرة انفصال شخصية المفتي عن مؤسسة الإفتاء
ومن ضمن فكر المؤسسية بناء الأجيال التالية وهو ما حققته دار الإفتاء بالفعل ببناء الجيل الثاني والثالث من طلاب كلية الشريعة بجامعة الأزهر والذي يبدأ منذ التحاقهم بالفرقة الثانية من التعليم الجامعي وحصولهم على منحة وتدريب من دار الافتاء ليكونوا مؤهلين لهذا المكان فيما بعد
كما اكد الإمام على انفصال دار الإفتاء المصرية عن وزارة العدل منذ أواخر 2007 كما كانت في سابق عهدها قديما متعجبا من مطالبة البعض باستقلال دار الإفتاء عن وزارة العدل وهوالأمر الذي حصل بالفعل ، ورافضا ما يزعمه آخرون بأن دار الافتاء المصرية نشأت بدعوة من الانجليز موضحاً أن الإنجليز قد دخلوا مصر عام 1882 م في حين أن دار الإفتاء المصرية موجودة قبل هذا التاريخ بسبعمائة سنة ، وهذا دليل على جهل هؤلاء المدعين وعدم علمهم أو قراءتهم للكتب أو حتى مطالعتهم لوسائل الاتصال الجماهيري المتمثلة في الإعلام
أما الرسالة الثانية التي وجهها الإمام إلى الإعلاميين فتمثلت في أهمية العمل المدني مبينا أنه منذ أربع سنوات قام فضيلته بإنشاء مؤسسة "مصر الخير" والتي حاول من خلالها أن يقوم العالم الشرعي بدوره الاجتماعي كما كان من أهدافها الصحة والتعليم والبحث العلمي الذي هو أساس الحضارة والذي بدونه لن نستطيع بناء أجيال وسنظل في حلقة مفرغة موضحا أنه سبق واقترح على الحكومة المصرية أن تكون 80 % من الميزانية في مصر للتعليم والبحث العلمي
كما دعا فضيلته إلى تاصيل فكرة الوعي قبل السعي وتفهيم الأمة المقتضيات وعدم الكلام من غير وعي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة إلى العمل على منظومة القيم الأخلاقية التي يجب الاهتمام بها اهتماما بليغا والتي تشمل قيم التسامح و الحرية الملتزمة والمساواة العاقلة والديمقراطية والشورى والتكافل الاجتماعي والصدق والشفافية والمسئولية والمحاسبة بالإضافة إلي قيمة العدل مشيراً إلى أنه سبق وأشارإلى هذه المنظومة في كثير من أحاديثه ومؤلفاته السابقة وهي تترجم الآن إلي اللغة الانجليزية ، وأن بعض الدول الأخرى استعانت بهذه القيم ومنها دولة الكويت وقامت بطبعها ، بالإضافة إلى إقرار الأمم المتحدة لـ 11 قيمة نشطة منها كقيم عالمية
وشدد الإمام على رسالة التعمير لا التدمير والتي طالما ننادي بها معبراً عن أمله في توصيل رسالة الأمل الفسيح إلى الناس حيث أن كثيراً من الناس محبط وقلق وخائف و قضية الامل هي التي ستجعل الناس تعود مرة اخري الي العمل والي السعي ، كما دعا إلى حفظ الحرمات مشيراً إلى أن الاسلام علمنا هذا الحفظ بما لايدع مجالا للشك
أما رسالته الأخيرة فكانت حرية التعبير وإطلاق العنان للناس بأن يفكروا ويبرزوا ما عندهم
وأشار الإمام إلى أن مؤسسة «مصر الخير» قامت بعمل برامج للمصالحة بين الشرطة والشعب، كما تعمل على ترتيب وصنع لقاء شهري عالمي مع شخصيات كبرى، ولقاء متصل مع الشباب في حوارات مفتوحة، وتشجيع مبادرات رصينة تتعلق بالمؤسسةولقاءات إعلامية لعرض الخطاب الوسطي وتسويق الرسائل.
ورداً على سؤال أحد الصحفيين عن إمكانية انتخاب المفتي وتحديد مدة تعيين المفتي بفترة محددة لإعطاء الفرصة لآخرين لتقلد هذا المنصب أجاب فضيلته بأن النظام المعمول به الآن هو بالفعل محدد بفترة معينة وآخر ما كان مطلقا كان في عهد الشيخ المهدي العباسي ومنذ ذلك الحين والإفتاء متعلق بسن التقاعد وان قليل من المفتين هو الذي مدد له وكان تمديدا إجرائيا يعني من أجل البحث عن مفتي آخر ، أما بخصوص فكرة الانتخاب للقيادات المتعلقة بالكفاءة فهي فكرة غير موجودة في العالم ، فقاضي قضاة إنجلترا تقوم بتعيينه الملكة كما أن أستاذ الجامعة لا يعين بالانتخاب بل يعين بالكفاءة العلمية التي تحددها الجماعة العلمية
وعن رأيه في المشاركة في عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية أشار الدكتور علي جمعة إلى أن الذهاب من أجل الإدلاء بالرأي بنعم أو لا واجب، لإنجاح العملية الديمقراطية بقوة ، أما عن رأيه الشخصي عن هذه التعديلات فأشار فضيلة المفتي إلى أنه رأي شخصي لا علاقة له بالإفتاء ولا يمكن أن يصرح به الآن حتى لا يفهم أنه فتوى صادرة عن المفتي وأن الرأي السليم أن تترك الحرية للشعب ليعبر عن رأيه كما يشاء
أما قضية إلغاء المادة الثانية فقد رفضها المفتي موضحاً أن المادة الثانية تسمى مادة فوق دستورية ؛ لأنها موجودة في المادة رقم 149 في دستور 1923 الذي وصف بأنه من أحسن الدساتير الليبرالية التي وجدت في البلاد، كما انها كانت موجودة في المادة 138 في دستور سنة 1930، وكانت موجودة المادة رقم 5 في دستور سنة 1956، بالإضافة إلى وجودها كمادة رقم 2 في دستور 1971 ، وبالتالي فإن هذه المادة موجودة في كل الدساتير، ما يعني أنها مادة فوق دستورية، كما أن هذه المادة يتعلق بها مجموعة ضخمة جدًا من القوانين التي سيتم إلغائها عند القيام بإلغاء هذه المادة
وبسؤاله عن هوية المتحدث باسم مصر من علماء الإسلام في مصر في ظل وجود ثلاث مؤسسات دينية في مصر هي الأزهر ، ودار الإفتاء ، ووزارة الأوقاف أوضح الإمام أن المتحدث باسم مصر بموجب القانون هو فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية، الذي نتبعه جميعًا من خلال مجمع البحوث الإسلامية حيث أن وزير الأوقاف عضو في مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس جامعة الأزهر عضو في مجمع البحوث الإسلامية ومفتي الديار عضو في مجمع البحوث الإسلامية، ويرأسهم جميعًا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وهو االمنوط به الدعوة في الداخل والخارج وقيادة القضية الإسلامية في الداخل والخارج
وعن سبب الحملة الشرسة التي تعرض لها المفتي في الفترة الماضية أوضح الإمام أنه لا يعلم السبب ولا يلتفت إلى هذه الأموربل يلتفت إلى البناء أما بخصوص الضغوط التي مورست على دار الإفتاء عند إطلاق فتاوى معينة مثل فتاوى المواريث فإن الدار لم تلتفت إلى هذه الضغوط أو الأقاويل والدعاوى لأنه لا يمكن تغيير شرع الله .
وعن متطلبات المرحلة القادمة للقيام بالمؤسسة الدينية في مصر أكد الإمام أن هناك ثلاث متطلبات نريد تحقيقها واستعادتها في الشارع المصري تتمثل في العلم الصحيح والدعوة الصحيحة والعبادة الصحيحة بمعنى أننا نريد أن تكون مصر نموذجا للمنهج الوسطي وأن لا تنتشر فيها الأفكار التي تقدم التدمير على التعمير وتقدم المساجد على الساجد فنحن نريد تقديم الوعي قبل السعي وتقديم البناء والتعمير قبل التدمير، وهذه الأمور الثلاثة - العلم الصحيح والعبادة الصحيحة والدعوة الصحيحة - هي التي ستكون برنامجنا للاتصال مع الجماهير، لنقل المنهج الوسطي المصري، الذي هو نموذج يحتاج إليه العالم كله الآن.