يرى السادة الأحمدية أن للنفس سبع مراتب هى : النفس الأمَّارة – النفس اللوامة - النفس الملهمة - النفس المطمئنة - النفس الراضية - النفس المرضية - النفس الكاملة.
ولكل نفس صفات يتصف بها المتحقق بمرتبتها، ولكل مرتبة من مراتب النفس ورد أو ذكر أو اسم من أسماء الله تعالى الحسنى يذكر به صاحبها حتى يقطع مرتبة هذه النفس إلى المرتبة الأعلى.
فعلى المريد الأحمدى أولا
مجاهدة النفس؛ فإنه الجهاد الأكبر حتى تتلخص من الصفات الذميمة، وتتصف بالصفات الحميدة؛ لأن النفس الأمَّارة من أوصافها: الجهل، والبخل، والحرص، والكبر، والغضب، والشهوة، والحسد، والغفلة، وسوء الخلق، والخوض فيما لا يعني من الكلام وغيره، والبغض، والاستهزاء، والإيذاء باليد واللسان... وغير ذلك من القبائح، فهي نفس خبيثة.
فإذا جاهدها ترقَّت إلى المقام الثاني الذي تكون النفس فيه لوَّامة، وصفاتها اللوم، والفكر، والعُجب، والاعتراض على الخلق، والرياء الخفي، وحب الشهرة والرياسة، فأوصافها ذميمة أيضًا؛ لأنها أمراض لا دواء لها إلا كثرة الذكر والمجاهدة حتى تتخلص منها.
ويترقى إلى المقام الثالث الذي تكون فيه النفس ملهمة، فتتصف نفسه بالصفات الحميدة؛ لأن صفاتها السخاء، والقناعة، والعلم، والتواضع، والصبر، والحلم، وتحمُّل الأذى، والعفو عن الناس وقبول عذرهم، وشهود أن اللَّه تعالى آخذ بناصية كل دابة، فلا يبقى له اعتراض على مخلوق أصلًا... وغير ذلك. وسُمِّيت ملهمة؛ لأن اللَّه تعالى ألهمها فجورها وتقواها، فشد مئزرك، واهجر النوم، ولازم التهجد والذكر في الأسحار.
حتى ترتقي إلى المقام الرابع الذي تكون فيه النفس مطمئنة، ومن صفاتها: الجود، والتوكل على المعبود، والحلم، والعبادة، والشكر، والرضاء بالقضاء، والصبر على البلاء.
ومن علامات دخول السالك في المقام الرابع الذي تسمَّى فيه النفس مطمئنة: أنه لا يفارق الأمر التكليفي شِبرًا، ولا يلتذذ إلا بالتخلق بأخلاق المصطفى ×.
حتى يرتقي إلى المقام الخامس الذي تسمَّى فيه النفس راضية، ومن صفاتها: الزهد فيما سوى اللَّه سبحانه وتعالى، والإخلاص، والورع، والرضاء بكل ما يقع في الوجود من غير اختلاج قلب ولا اعتراض أصلًا؛ وذلك أنه مستغرق في شهود الجمال المطلق، وصاحب هذا المقام غريق في بحر الأدب مع اللَّه سبحانه وتعالى ودعوته لا ترد، إلا أنه لا ينطق لسانه بالسؤال حياء وأدبًا إلا إذا اضطر، فإنه يطلب ويدعو فلا ترد دعوته، وذكر هذا المقام حي فأكثر منه ليزول فناؤك، ويحصل لك البقاء بالحي.
فتدخل في المقام السادس الذي تسمَّى فيه النفس مرضية، ومن صفاتها: حسن الخلق، وترك ما سوى اللَّه تعالى، واللطف بالخلق، وحملهم على الصلوات، والصفح عن ذنوبهم، وحبهم، والميل إليهم، وإخراجهم من ظلمات طبائعهم وأنفسهم إلى أنوار أرواحهم لا كالميل الذي في النفس الأمَّارة؛ لأنه مذموم.
ومن صفات هذه النفس الجمع بين حب الخلق والخالق، وهذا شيء عجيب لا يتيسر إلا لأصحاب هذا المقام، وسُمِّيت هذه النفس بالمرضية؛ لأن الحق تعالى قد رضي عنها، وسيَّرها عن اللَّه بمعنى: أنها أخذت ما يحتاج إليه من العلوم من حضرة الحي القيوم، ورجعت من عالم الغيب إلى عالم الشهادة بإذن اللَّه تعالى؛ لتفيد الخلق مما أنعم اللَّه به عليها.
فإذا ارتقى إلى المقام السابع الذي تسمَّى فيه النفس كاملة، وصفاتها: جميع ما ذكر من الأوصاف الحسنة للنفوس المتقدم ذكرها فقد كمل، والاسم الذي يشتغل به هذا الكامل : القهار، وهو الاسم السابع، وهو أطهر المقامات؛ لأن اسم القهار من أسماء القلب.
قال المشايخ: ومنه يمد القطب المريدين الطالبين بالأنوار والهدايات والبشارات. وقالوا: إن ما حصل في قلوب المريدين من الفرح والسرور والجذبات الكائنة بغير سبب - فهو من مدد القطب عوضًا عن أذكارهم وتوجهاتهم لربهم، وصاحب هذا المقام لا يفتر عن العبادة، وذلك إمَّا بجميع البدن، أو باللسان، أو بالقلب، أو باليد، أو بالرجل، وهو كثير الاستغفار والتواضع. وإياك أيها الأخ في اللَّه تعالى أن تأمن النفس في مقام من هذه المقامات؛ لأن العدو الذي غرست في طبعه العداوة لا يؤمن مكره وإن صار صديقًا؛ قال الشيخ البوصيري في بردتهت:
وخالف النفس والشيطان واعصهما |
* |
وإن هما محَّضاك النصح فاتهم |
فينبغي للمريد الكامل أن يزجر نفسه وينهاها عن اتباع هواها، وقد قيل: من لم يستح من العيب ويرعوي عند الشيب - أي ينزجر- ويخشى اللَّه سبحانه وتعالى بظهر الغيب - فلا خير فيه.
المصدر: عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 314-317.