اعلم أيها الواقف على هذا الحد، والناهج هذا المنهج القويم، والسالك مسلك الأخيار المتقين: أن الطريق بالدين بالضرورة، قال تعالى لنبيه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح:10]وغير ذلك من الآيات المصرحة بهذا الشأن، وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام، كان يبايع أصحابه رضوان الله عليهم، وقد صح في تلقين الذكر، أنَّ عليًّا كرم الله وجهه قال للنبي ×: كيف أذكر؟ فقال له النبي: «أغمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات، ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا أسمع». فقال عليه الصلاة والسلام: «لا إله إلا الله» ثلاث مرات، مغمضًا عينيه، رافعًا صوته، وعليٌّ يسمع منه، ثم قال عليٌّ ت: لا إله إلا الله [ثلاثًا]، والنبي يسمع منه؛ فعلى هذا تسلسل أمر القوم، وصح توحيدهم، وليعلم أن السند لازم لكل مريد؛ لأنه كالسلم يصعد به إلى آبائه وأجداده في الدين، وهو وصلة بين العبد وربه.
قال الشيخ الشرقاوي: من لم يكن له سند؛ فهو كاللقيط.
وقالت العلماء: السند كالسيف للمقاتل.
وحيث علمت أهمية معرفة مشايخ الأستاذ الأعظم الذين أخذ عنهم وسلسلته المتصلة بسيد المرسلين ×وسلسلة خلفائه من بعده، وأصحاب السطح ومراتبهم وأماكنهم، فلا بأس بذكر كيفية المبايعة في هذا الباب لتقتدي بالقوم فيها، وتفوز بالمتابعة.
فأول خطوة لاتصال السند هو أخذ العهد على يد الشيخ المرشد ، وكيفية أخذ العهد عند السادة الأحمدية يبينها لنا الشيخ محمد محمد شمس الدين الصغيرصاحب كتاب الجوهر الثمين في آداب المشايخ والمريدينفيقول: "اعلم وفقني الله وإياك، أنه إذا جاءك الطالب؛ ليأخذ العهد منك، على طريقة سيدي أحمد البدوي؛ فأمره قبل إعطاء العهد بالوضوء الكامل، وصلاة ركعتين لله تعالى؛ بنية التوبة والإنابة إليه سبحانه، وبعد ذلك يجلس المرشد على السجادة، مستقبلاً القبلة، جاثيًا على ركبتيه بالأدب والخشوع، ويجلس الطالب أمامه لاصقًا ركبتيه، فيقرأ الفاتحة [ثلاثًا]، ويأخذ بيد المريد، ويقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح:10]،وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل:91]،ثم يقول للمريد قل: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، تبت إلى الله، ورجعت إلى الله، ونهيت نفسي عما نهى الله، ورضيتك شيخًا لي، ومرشدًا لطريقة قطب الأقطاب، واسع الرحاب، السيد الشريف النبوي، سيدنا ومولانا السيد أحمد أبي اللثامين البدوي الحسيني الأحمدي ت؛ فهذا الطريق طريقي، وهذا المنهج منهجي، وهذه الإخوان إخواني، والطاعة تجمعنا، والمعصية تحول بيننا، والعهد عهد الله، واليد يد سيدنا رسول الله، والبيعة بيعة شيخنا وسيدنا السيد أحمد أبو اللثامين الحسيني الأحمدي ت، والله على ما نقول وكيل.
كل هذا والمريد بعده يقول هذه الكلمات، مخاطبًا بها له؛ أعني للمرشد، وبعدها يقول المرشد: وأنا أقمتك مريدًا بهذه الطريقة العلية، واجلس كذلك؛ فيقوم المريد لإشارته هذه، ثم يجلس.
(قال العارفون): وفي ذلك إشارة إلى أنه بايع الله تعالى، على القيام والقعود على العهد؛ فإذا جلس يقول له المرشد: أوصيك بتقوى الله، ثم يقول له: اسمع مني كلمة التوحيد، بطريق التلقين؛ تتلقنها مني، كما تلقنتها من أشياخي بالسند الصحيح إلى النبي ×.
وحينئذ يغمض المرشد عينيه، ويقول: لا إله إلا الله [ثلاثًا] مادًّا بها صوته، ويبتدي بأول الكلمة من جهة اليمين، ملاحظًا جهة الروح، ومحلها تحت الثدي الأيمن بأصبعين، مخلصًا متجردًا من الأغيار، قامعًا بها علائق الأكوان، وبعدها يقولها المريد بطريق التلقن كذلك [ثلاثًا]، فإذا أتمها وضع المرشد جبهته على جبهة المريد، ويده على صدره ودعا له بالتوفيق والإخلاص والبركة، وبما يفتح الله به عليه من دعاء الخير، ويختم دعاءه بالفاتحة، وبعد ذلك يقوم ومعه المريد، ويتوجه كلاهما إلى القبلة، ويقولان: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله، الصلاة والسلام عليك يا وسيلتنا إلى الله، الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله وخاتم رسل الله، الصلاة والسلام عليكم يا أنبياء الله أجمعين.
ويقول المرشد: الفاتحة للنبي ×، ولإخوانه النبيين والمرسلين، وآل كل وصحب كُلٍّ أجمعين، ولكل المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، ويدعو الله بما تيسر.
(وهذه المبايعة)ترجع إلى أصلين عظيمين من الكتاب والسنة، قال تعالى في الكتاب العزيز، لنبيه سيد المخلوقين ×: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح:10]،وغير ذلك من الآيات الكريمة المصرحة بهذا الشأن، وقال سيدنا عبادة بن الصامت ت: بايعنا رسول الله ×على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، ونقول الحق حيث كنَّا، ولا نخاف في الله لومة لائم.
وغير ذلك من الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة المعلنة؛ بأن النبي ×كان يبايع أصحابه الكرام، رضي الله تعالى عنهم أجمعين".
واعلموا يا إخواني أن المشايخ الأحمدية على طريقة أستاذهم المرضية فإن الأستاذ سيدي أحمد البدوي رضي الله تعالى عنه ورضى عنا به كان كما تقدم يربي بالنظر لا بخلوة ولا بمجاهدة ولا بأوراد ولا بمكابدة، غير أن الأستاذ نفعنا الله تعالى به كان بنظره يقلب الأعيان، ولا بدع في التربية بالنظر فإن السلحفاة تربي أولادها بالنظر ، وهؤلاء المشايخ الأحمدية في تربية الفقراء على حسب الطاقة والإمكان. وغاية أمرهم أنهم يأخذون العهد على الفقير بأن يجلس وهو على طهارة بين يدى الشيخ، ويضع يده في يده ويقول له: هذا عهد الله بيني وبينك على الكتاب والسنة، لا ترتكب كبيرة، ولا تصر على صغيرة، وأنه متى وقع منك شيء من ذلك، وسقطت في تلك المهالك، تبادر بالتوبة، ورفع تلك الحوبة، وأن تلازم على فعل الواجبات، وأن تواظب على نوافل العبادات، ونحن إخوان في الله تعالى الناجي منا يأخذ بيد أخيه يوم القيامة، ونحن من أتباع الحسيب النسيب العلوي سيدي أبي العباس أحمد البدوي وعلى طريقته.
ويقول له: عليك بملازمة الذكر، أي فإن في الذكر جلاء القلوب، وبلوغ كل خير مطلوب. وقد مدح الله تعالى الذاكرين في كتابه المبين بقوله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ [النور:37]وكفى بالذكر شرفًا أن ثوابه ذكر الله للذاكرين. قال الله تعالى:﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة:152].
وذكر سيدنا ومولانا الشيخ يونس بن أزبك الصوفي رحمه الله تعالى كيفية أخرى فى أخذ العهد الأحمدى فقال: اعلم أن المتابعة بالقدوة معناها الإرادة والتسليم من المريد، أما المراد هنا فهو الله سبحانه وتعالى، وتكون المبايعة على طاعة الله تعالى ومحبته لا على شيء من أمور الدنيا، فإذا اختار المريد أي رقعة كانت من رقع المشايخ يجب على الشيخ أن يسأل عن حال المريد، ثم يقول له: ما مرادك يا أخي؟ فإذا قال له: جئت لك يا أستاذي لتعهد لي بالقدوة وتسلكني بتسليك العارفين، فيقول له الشيخ: أنت اخترتني من دون الناس لأكون دليلك على الخير فأنا آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وأكون عونًا لك على المعرفة والعلم الشريف واخترت لنفسك الدخول في رقعة سيدي أحمد البدوي رضي الله تعالى عنه، وأن يكون شيخنا شيخ الشيوخ أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وكلهم من رسول الله ملتمس ورضيت بأن تكون لي سميعًا مطيعًا، فإذا أجاب المريد عن هذا كله وقال: نعم نعم نعم يا سيدي، يقول له الشيخ حينئذ: قبلتك قبلتك قبلتك يا أخي، ثم يأمره الشيخ بالتوبة. ويرى الشيخ أن الله تعالى هو المتوب لعباده في الحقيقة وإنما هو واسطة بين الله تعالى وبين عبده، فإن الله تعالى جعل لكل شيء سببًا، وجعل الشيخ سببًا لتسليك المريد إلى معرفة الطريق إلى الله تعالى. ويستحب للمريد أن يصلي قبل العهد صلاة التوبة، وصفتها: أن يقوم فيقول: أصلي لله تعالى صلاة التوبة ركعتين مستقبل القبلة الله أكبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات يفعل ذلك في كل ركعة ثم بعد ذلك يدعو الله تعالى بهذا الدعاء وهو: اللهم وفقني لما يرضيك رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك تعلم ما لا نعلم إنك أنت علام الغيوب وأنت الأعز الأكرم برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله رب العالمين، ثم يقوم من مكانه الذي صلى فيه ويجلس بين يدى شيخه. ويكون الشيخ مستقبل القبلة بالخضوع والخشوع والوقار فإنه أمر عظيم، ثم يستغفر الله تعالى بهذا الاستغفار ويقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه يقول ذلك ثلاث مرات. ثم يقول: وأسأله التوبة والمغفرة من كل ذنب أذنبته عمدًا أو خطأ، سرا أو علانية وأتوب إليه من الذنب الذي لا أعلم به إنه هو علام الغيوب * اللهم إني أسألك يا غفور يا عفوا عن المذنبين أن تغفر لنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. ثم يستعيذ بالله تعالى ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم ويقرأ فاتحة الكتاب ثلاث مرات ويقول بين كل قراءة: شيء لله يا سيدي يا شيخي شيء لله يا ساداتنا يا مشايخنا في القدوة شيء لله يا سيدي يا رسول الله المقصود الله. ثم بعد ذلك يضع المريد يده في يد الشيخ ويجعل إبهامه اليمين على إبهام الشيخ اليمين، ثم يقول الشيخ للمريد: اسمع ما قال الله تعالى في العهد فإنه سبحانه وتعالى قال: ﴿وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح: 10]﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 18].
اسمع يا أخي هذا عهد الله بيني وبينك على الكتاب والسنة ونحن إخوان في الله تعالى وفي رقعة قطب الزمان وغوث العصر والأوان الحسيب النسيب أبي العباس سيدي أحمد البدوي، وقدوتنا شيخ الشيوخ أنس بن مالك خادم رسول الله ×الناجي منا يأخذ بيد أخيه في يوم القيامة، ونحن إن شاء الله تعالى من الآمنين في رحمة الله تعالى.
وبعد هذا يقول الشيخ في سره: اللهم خذ منه وتقبل منه وافتح عليه أبواب كل الخير كما فتحتها على أنبيائك وأوليائك يا رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المصادر:
-نور الدين الحلبي (صاحب السيرة الحلبية المشهورة)، سيرة السيد أحمد البدوي المسمى «النصيحة العلوية في بيان حسن طريقة السادة الأحمدية»، تحقيق وتقديم وتعليق: أحمد عز الدين خلف الله، القاهرة: محمد عاطف وسيد طه وشركاهما، ط1،1964م، ص 112- 113.
- محمد محمد محمد شمس الدين الصغير، الجوهر الثمين في آداب المشايخ والمريدين، المطبعة العامرة الشرقية، 1314هـ، ص 3-4.
- إبراهيم محمد الدسوقي الأحمدي، الفيوضات الرحمانية في الأوراد الأحمدية، القاهرة: المطبعة التجارية، دت ، ص 42-43.
- عبد الصمد داعي الحضرة الأحمدية(ت بعد 1028 هـ) ، مناقب القطب النبوي والشريف العلوي سيدي أحمد البدوي المسماة بالجواهر السنية والكرامات الأحمدية، مصر ، د ن ، 1278 هـ ، ص 54-57.