نسخة تجريبيـــــــة
مهمات الآداب

أمَّا الآداب فهي كثيرة جدًا لا يمكن حصرها، وإنما اقتصرنا منها على المهمات؛ لأن بعضها يتعلق بحق الشيخ، وبعضها يتعلق بحق الإخوان الذين معه في الطريق، وبعضها يتعلق بحق العامة، وبعضها يتعلق بالشخص في نفسه، وبالتي نذكرها هنا يتيسر له - إن شاء اللَّه سبحانه وتعالى- ما لم نذكره.

الأول: منها آداب المريد مع شيخه:

أي وأشياخه وأولاده وأقاربه وأتباعه، فآدابه تعظيمه واحترامه سَفَرًا وحضرًا في حضوره وغيبته، وتوقيره ظاهرًا وباطنًا، وعدم مخالفته واتباعه، وعدم الاعتراض عليه وعليهم، بل لو فرض ورأى ما ظاهره مخالف ولكن له باطن يعلمه الشيخ وأقرانه وكبار مجلسه ولا هو يمكنه الاستفهام عن حقيقة أمره والسبب الحامل على فعله، ولا يمكنه أن يؤول كل ما انبهم عليه؛ بل على كل من رأى ذلك أن يسلم لهم أفعالهم، ولا يقول له قط لِمَ فعلت كذا وكذا؛ لأن من قال لشيخه «لِمَ» لا يفلح أبدًا.

ومنها: تقديمه في كل الأمور على غيره.

ومنها عدم الالتجاء إلى غيره من الأشياخ الصالحين من أهل الطرق، فلا يزور وليًّا من أهل العصر ولا صالحًا، اللهمَّ إلا بإذنه، ولا يحضر مجلس غيره ولا يسمع من سواه، حتى يتم سقيه من كأس شيخه، وذلك لئلا يطلع على كرامة من أحد منهم، فلربما يعتقد أنه أعلى مقامًا من شيخه فلا ينتفع من شيخه ولا من غيره. قال سيدي محيي الدين بن العربي قدس اللَّه سره: كم فسد من الزيارة ناس بأسباب غضب أشياخهم؛ فعلي هذا يلزم كل مريد صادق أن يراعي حقوق شيخه والأشياخ، وإذا زار أحدًا من أهل اللَّه تعالى يقصد التماس البركة وطلب الدعوات الصالحة من أهل الصلاح عمومًا، ويؤمن على دعائهم، ويدعو لشيخه كل لحظة؛ فإن الدعاء للأشياخ والآباء والحكام بالهداية وللسلطان وارد في كتب السُّنَّة.

ومنها: أنه لا ينبغي للمريد أن يقعد وشيخه واقف؛ لأن ذلك إساءة أدب في حقه.

ومنها: أن لا يسأل شيخه عن مسألة ولا تعبير رؤيا طالبًا للجواب؛ بل يسأله ويسكت، فإن أجابه وإلا أعرض بقلبه عن طلب الجواب؛ لئلا يصير شيخه محكومًا عليه تحت حكمه بإلزام الجواب؛ لأن طريق القوم تعلم العلم للعمل بخلاف غيرهم؛ لأنه إذا اطلع الشيخ - بنور اللَّه تعالى- على أن الأمر الذي طلب الجواب عنه المريد يعسر عليه العمل به في ذلك الوقت؛ ترك تعليمه له حتى يأتي الوقت المقدر لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا... إلى قوله قَدَرًا﴾ [الطلاق: 2-3].

ومنها: أن لا يكثر الكلام بحضرة شيخه ولو باسطه، ولا يكلم الأشياخ المجانبين له من أقرانه وأصحابه من العلماء أو أهل الطريق، ولا يجيب أحدًا دعاه ولو أحد أبويه إلا بعد أن يستأذن ويؤذن، ولا يكثر النظر في وجه الشيخ، ولا يكلمه إلا همسًا، ولا ينام قط بحضرته ولو أذن له إلا لضرورة سفر في محل الضرورات، ككونه معه في محل واحد.

ومنها: أن لا يجلس على سجادته، ولا يسبح بسبحته، ولا يطالع في كتبه، ولا يتوضأ بأبريقه، ولا يجلس في خلوته ولا في المكان المخصص لجلوسه، ولا يلح عليه في أمر من الأمور قط، ولا يسافر ولا يتزوج ولا يفعل فعلًا من الأمور المهمة إلا بإذنه، ولا يمسك يده بقوة للمصافحة والسلام – مثلًا- ويده مشغولة بشيء كقلم، أو أكل، أو شرب؛ بل يسلِّم عليه بلسانه، وينظر بعد ذلك ما يأمر به، وأن لا يمشي أمامه ولا يساويه في مشي إلا بليل مظلم؛ ليكون مشيه أمامه صونًا له من مصادفة ضرر، وأن لا يفشي له سرًّا ولو نشر بالمناشير، ولا يستدبره بظهره ولو في الصلاة؛ بل يقف في الصف الذي خلفه ولا يشير عليه برأي إذا استشاره شيخه، فإنه غني عن استشارته، وإنما استشاره تحببًا وسياسة أو غير ذلك، وأن لا يستوهب من شيخه شيئًا أبدًا، ولا يلبس له ثوبًا إلا أن يهبه له إياه عند الاضطرار، وإذا وهبه له فليظهر توقيره إياه إظهارًا عظيمًا، وأن يحفظ حرمة الشيخ في غيبته كحفظه له في حال حضوره، وأن يلاحظ بقلبه في جميع أحواله سفرًا وحضرًا لتعمه بركته، وأن لا يعاشر من كان الشيخ يكرهه أو من طرده الشيخ عنه، وبالجملة يحب المريد من يحبه الشيخ ويكره من يكرهه، وأن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة ببركته، وأن يصبر على جفوته وإعراضه عنه، وأن لا يقول لِمَ فعل بفعلان كذا من الخير ولم يفعل بي، وإلا لم يكن مسلمًا له قياده؛ إذ من أعظم الشروط تسليم قياده له ظاهرًا وباطنًا، قال الجيلي رحمه اللَّه تعالى: وكن عنده كالميت عند مغسل .

ومنها إذا قال كذا أو صم كذا وجب عليه المبادرة إليه ومن سقط من عين الشيخ سقط من عين اللَّه سبحانه ؛ لأن من لم يصحب المشايخ بالأدب والاحترام التام حُرم فوائدهم وبركات نظرهم إليه كما حصل لهم من أشياخهم، وكان الشيخ الجنيدتيقول: من حُرم احترام أولياء اللَّه تعالى ابتلاه اللَّه بالمقت بين العباد.

وأمَّا آداب المريد مع إخوانه أهل الطريق أجمع:

فأن يكون محبًّا لهم كبيرهم وصغيرهم، وأن لا يخص نفسه بشيء دونهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يعودهم إذا مرضوا، ويسأل عنهم إذا غابوا، ويبدأهم بالسلام وطلاقة الوجه، وأن يرى أقل من فيهم خيرًا منه؛ لأنهم قالوا في كمال مقام التواضع: هو أن يشهد العبد في نفسه أنه دون كل أحد من المسلمين، وأنه ما على وجه الأرض أكثر عصيانًا منه، ولا أقل أدبًا وحياء منه، فإن من رأى نفسه فوق أحد من عوام المسلمين - على غير وجه الشكر للَّه سبحانه وتعالى- فقد شرع في درجات الكبر. وقد انعقد إجماع العارفين على أن من كان عنده شيء من الكبر لا يصح له دخول حضرة اللَّه سبحانه وتعالى أبدًا ولو عَبَد اللَّه في الظاهر عبادة الثقلين؛ لأن حضرات الأذكار عمومًا هي حضرة اللَّه تعالى، فالأدب يكون للَّه تعالى لا لأحد سواه، وكان الشيخ القصار رحمه اللَّه تعالى يقول: من رأى نفسه خيرًا من فرعون فقد أظهر الكبرياء؛ لأن خاتمته مغيبة، فقد يختتم له - والعياذ باللَّه تعالى- بالكفر ويكون مثل فرعون؛ لأن حسن الظن بمخلوقات اللَّه تعالى كلهم يوجب محبة الخالق له. وكان سيدي علي الخواصتيقول: عليك يا أخي بحسن الظن بالمسلمين ما استطعت؛ فإن اللَّه تعالى لا يسألك في الآخرة لِمَ حسنت ظنك بعبادي، وإنما يسألك عن سوء الظن بهم، فلو دعاك أخوك إلى وليمة وأجلسك عند النعال، وقدم إليك فضلة العبيد والغلمان؛ فمن الواجب عليك حمله على أنه ظن فيك الخير والتواضع، وزوال الكبر والرعونات النفسانية، ولولا أنه ظن بك ذلك لأخذ حذره منك، وصدَّرك في المجلس، وأكرمك كل الإكرام في الطعام والشراب.

وقد وقع لسيدي عبد اللَّه المنوفيت أنه دُعي إلى وليمة؛ فأجلسوه عند النعال هو وأصحابه، وقالوا له ولأصحابه: اصبروا على الأكل حتى يفرغ الناس. فقالوا: سمعًا وطاعة. فلمَّا قدَّموا لهم فضلة العبيد والأطفال؛ صار سيدي عبد اللَّه المنوفيتيلحس الأواني ويقول: اغتنموا بركة جميع من أكل، ثم قال لأصحابه تعلموا حسن الظن بالمسلمين؛ فإن هؤلاء الإخوان لولا أنهم أحسنوا بنا الظن وجعلونا من الصالحين الذين ماتت نفوسهم - ما أجلسونا خلف النعال، ولا أطعمونا الفضلة.

فاستعن على تحصيل مقام حسن الظن بالناس بصحبة الأخيار، وترك صحبة الجبارين الأشرار؛ لأن إبليس أغوى خلقًا كثيرة من الفقراء أهل الطريق حين ظنوا بأنفسهم الخير والصلاح، واغتروا باعتقاد الناس فيهم ذلك واعتقدوهم؛ فدخل فيهم الغرور فجبرهم على الادعاء بما ليس فيهم، فكذَّبهم اللَّه، وحرمهم من الوصول لدرجات أهل الصلاح، فوقعوا في أكبر الفواحش والمقت - والعياذ باللَّه تعالى- من غرور إبليس.

وكان سيدي الشيخ الناصح للأمة العارف باللَّه علي الخواصتيقول: ليس لإبليس حيلة يوقع بها العلماء وأهل الطرق من الفقراء في المعاصي - أكبر من ظنهم بأنفسهم الخير والصلاح؛ فيصرعهم من حيث لا يشعرون، لأمانهم وعدم حذرهم منه. فلا تعشق يا أخي نفسك؛ فما أحد ثَمَّ عشق نفسه إلا عشقه الكبر والحسد والذل والإهانة.

وكان سيدي عبد العزيز الديرينيتيقول: من أراد أن الوجود كله يمده بالخير فليجعل نفسه تحت الخلق كلهم في الدرجة؛ فإن المدد الذي مع الخلق كالماء، والماء لا يجري إلا في المواضع المنخفضة دون العالية.

فاعلم ذلك واعمل على زوال الظن بالسوء من باطنك، وذلك لا يتأتى لك إلا بمجاهدة النفس؛ لأن جهادها هو الجهاد الأكبر ورياضتها والرجوع عليها باللوم.

ولا يتحصل ذلك إلا بملازمة التوحيد؛ حتى تصير لا ترى في أحد من الناس نقصًا.

وبالجملة فلا يسلم من سوء الظن بالناس إلا من طهَّر اللَّه باطنه من سائر المخالفات؛ بحيث يصير لا تخطر الفاحشة على باله، فإنه حينئذ يصير يعتقد في الناس كلهم الخير قياسًا على نفسه هو.

ومنها: أن لا يذكر أحدًا بعيب يراه قط، وإن وقع أنه رأى في أحد عيبًا قال في نفسه: إنما ذلك العيب فيَّ؛ لأن المسلم مرآة المسلم، ولا يرى الإنسان في المرآة إلا صورة نفسه.

ومنها: أن يقبل عذر أخيه إذا اعتذر أخوه أي إذا اعتذر إليه ولو كان كاذبًا؛ لحديث الترمذي: «من أتاه أخوه متنصلًا من ذنب فليقبل اعتذاره محقًا كان أو مبطلًا فإن لم يفعل لم يرد على الحوض» وأنشدوا في المعنى:

اقبل معاذير من يأتيك معتذرًا

*

إن بر عندك فيما قال أو فجرا

فقد أطاعك من يرضيك ظاهره

*

وقد أجلَّك من يعصيك مستترا

 

وكان سيدي علي الخواصتيقول: من طلب أن الناس لا يقولون فيه من ورائه إلا ما يواجهونه به فقد رام المحال، فإن السلطان لا يصلح له ذلك، ومعلوم أنه لا بد للإنسان من محب ومبغض ولو كان في فضل الإمام عليت. ومنها: أن يستر عوراتهم، فمن ستر عورة ستر اللَّه عورته كما في الحديث: «من ستر عورة أخيه ستر اللَّه عورته، ومن يكشف عورة أخيه كشف اللَّه عورته» فاعلم ذلك يا أخي واستر عورات إخوانك ولا تبحث عنها.

وأمَّا آداب المريد في خاصة نفسه:

فهي أن يكون مشغولًا باللَّه تعالى زاهدًا فيما سوى اللَّه سبحانه وتعالى، يحب ما يحب اللَّه، ويكره ما يكرهه اللَّه، ونهاه عنه الشرع غاضًّا طرفه عن المحارم، كريمًا، سخيًّا، ليس للدنيا عنده قيمة، تاركًا لفضول الكلام والحلال، أي كالتوسع في المآكل والملابس والمنكح، مقتصرًا على قدر الكفاية؛ لحديث: «عش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» إذ المسافر لا يشتغل إلا بالزاد الموصل على قدر الضرورة؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فيلزم مداومة الطهارة؛ لأنها نور وسلاح، لئلا يقضي عليه فيكون طاهرًا فاخرًا .

ولا ينام جُنبًا ولا عريانًا مكشوف العورة، ولا يكشفها إلا وقت الاغتسال والبول والتغوط.

ولا يطمع فيما في أيدي الناس.

ويفرح لإعراض الدنيا عنه أكثر من إقبالها عليه؛ لأنها فتنة.

ويحاسب نفسه على الدوام على ما سلف في أيام جهله، ويستغفر اللَّه ويقول: إنا للَّه وإنا إليه راجعون؛ لأن الذنوب مصائب، فالاسترجاع يجلب كل الخير.

ويداوم على ذكر اللَّه سبحانه وتعالى سرًا وجهرًا.

ولا بد من مجلس لنفسه يذكر الاسم الذي تلقنه من شيخه بهمة ونشاط، مع توبيخ نفسه على أيام مضت في اللهو واللعب، ويحاسبها على اليسير كلما وقفت.

لا يأكل إلا من كسب حلال، ويعرض عن كل ما فيه شُبهة أو جُهل أصله؛ لأن أكل الحلال هو أساس كل خير، لأن أكل الحرام لا ينشأ عنه إلا المعاصي كما هو المشاهد من غير توضيح.

ولا يخفى أن كسب الحرام عدوه من ضمن العصيان، وإن ارتكاب المعاصي يورث اسوداد القلب.

وقالوا: أكل الشبهات لا ينشأ عنه إلا أفعال مشوبة بالرياء والكبر.

ويكابد نفسه عن النظر إلى الصور الجميلة من النساء والأحداث؛ لأن كل ذلك قواطع عن اللَّه سبحانه وتعالى، تسد باب الفتوح على مريد الوصول للطريق المستقيم.

ولا ينكر على أحد من العلماء والفقهاء وأهل الطرق مطلقًا؛ لأن حصول الإنكار فرع من النفاق. فالعاقل إذا عاين - فضلًا عن السماع من الغير- يقول: هذه مصائب، الحمد للَّه الذي عافاني وابتلاهم به وفضلنا على كثير ممن خلق، يا تواب تب على كل عاصٍ وعاصية من أمة محمد ×، وهو دعاء للعاصي بلسان الغيب يقبل، وإذا تاب الداعي له فله الأجر.

وأن لا يحتقر مسلمًا ولو بلغ في الفسق ما بلغ، فإذا كان يأمره بالمعروف وينهاه ولم يحصل منه فله أجر إن قبل وله أجران إن لم يقبل، وقبل أن يأمر أحدًا يدعو له المولى بأن يقول: اللهمَّ كما فرحتهم - أي أنفسهم- بالمعاصي فرحهم أنت يا رب بالطاعة؛ فإنهم في قبضتك، وأنت التواب الرحيم، ثم ينهاهم بقول لين؛ لأن الكلام اللين لا بد من لين القلوب القاسية عند سماعه ولو كانت أقسى من الحديد، والكلام الخشن يخشن القلب ولو كان أنعم من الحرير، ففي الحديث: «كفوا عن أهل لا إله إلا اللَّه لا تكفروهم بذنب، فمن كفَّر أهل لا إله إلا اللَّه فهو إلى الكفر أقرب» [رواه الطبراني].

ومنها: أن يأخذ بالأحوط في العبادة لا يقصد بذكره ولا بكافة عبادته ثوابًا من اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأن الطالب لذلك كطالب أجر على عمله، وربنا غني عنه قل أو كثر، بل يقصد بطاعاته كلها وجه خالقه؛ لقوله تعالى ﴿ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾[الليل:20]إنما يعبد اللَّه لوجه اللَّه لا يرجو فتحًا على تلك التعبدات ولا مالًا ولا عيالًا قط، بل عليه أن يعبد ربه بغاية التواضع والخشوع؛ لأن التواضع للَّه يزيده اللَّه به رفعة. وأن يكون نظيفًا في ظاهره وباطنه، صابرًا، شاكرًا، عابدًا، لكنه لا يشتغل إلا بأوراد الطريق أو ما أذن له فيه الشيخ، خائفًا من اللَّه، راجيًا عفوه، لا يرى لعبادته ولا ذكره وجودًا، بل يرى أنه يستحق العقاب لولا فضل اللَّه عليه، وذلك لما فيه من رياء وسهو.

ومنها: أن يكون توَّابًا عن الخطرات والهفوات؛ حتى يرقيه مولاه إلى مقام المتطهرين، والحذر ثم الحذر من ترك الصلاة والصوم كسلًا، أو ترك الأوراد وحضور حضرات شيخه وإخوانه سهوًا في أمور دنيوية، أو قلة احترام، أو أي شيء من هذا القبيل، فإذا حصل منه شيء من ذلك ولم ينتهِ عنه يتوب ويكثر من الاستغفار، وإلا طرد وشطب من الإمداد؛ فإنه يجب طرده وهجره حتى يرجع ويتوب ويترجى الكبير والصغير من أحباب شيخه، وسند أهل الطريق في ذلك هو هجر النبي ×الثلاثة الذين خالفوا وأمر المصطفى للصحابة بهجرهم.

وكان سيدي الشيخ محمد الغمري - رحمه اللَّه رحمة واسعة- إذا أساء الأدب أحد من الفقراء يأمر النقيب ينادي عليه وقت الانصراف من الذكر على رءوس الحاضرين: فلان الفلاني حصل منه كذا وكذا مضاد، فمن الآن هو مهجور، فلا يصافحه ولا يجالسه أحد؛ حتى يتأدب وتنكسر نفسه ويطلب له الصفح عنه وتأديبًا لغيره.

ثم إذا طرده الشيخ أو إخوانه فالمحققون لا يطردون بالقلب بل في الظاهر لأجل الأدب؛ لأنهم لا يحبون إتلاف الإنسان إلا إذا خرج عن دين الإسلام والعياذ باللَّه تعالى.

وأمَّا الآداب التي تطلب في حق العامة:

فالتواضع والتعظيم لهم؛ لأنهم عبيد اللَّه تعالى، وقد كرمهم وفضلهم على غيرهم، وقد كان الإمام علي كرم اللَّه وجههتيقول: أعلم الناس باللَّه تعالى أشدهم حبًّا وتعظيمًا لأهل لا إله إلا اللَّه.

ومن كلام الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى: ليس بعد الشرك ذنب أعظم من السخرية بالناس، ومن عظَّم الناس للَّه سبحانه وتعالى عظَّمه اللَّه جل جلاله بين الناس، وصاحب العكس بالعكس، أي: ومن أهانهم أهانه اللَّه تعالى بين من يحب رفع قدره عندهم.

وكان المرحوم الشيخ علي البحيري - رحمه اللَّه تعالى- إذا مر بأقوام جالسين يتحدثون في طريقه ينزل من على دابته ويسوقها أمامه؛ تعظيمًا واحترامًا لهم.

ومنها: أنه يجب عليه حب المسلمين للَّه تعالى، ويبغض الكفار ويدعو لهم بالموت على دين الإسلام، وإذا كان أحد غائبًا من الإخوان وحضر يتوجه إليه، ويسلِّم عليه، ويسعى معه في حوائجه وكذا حوائج إخوانه وأحبابه من المسلمين، ويحفظ لهم الود القديم؛ ففي الحديث: «إن اللَّه يحب حفظ الود القديم» وإن كان ذلك من أغرب الغرائب في صلحاء وفقراء هذا الزمان، فضلًا عن غيرهم. وما أظن أن يوجد في هذا الزمان أن أحدًا يراعي ذلك.

ومن فوائد الدعاء للمسلمين الوفاء بحقوقهم، خصوصًا إذا كان بهذه الصفة وهي: اللهمَّ اغفر لي ولوالدي ولأصحاب الحقوق عليَّ وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. فإذا قال ذلك فقد أدَّى حقوقهم، فاغتنم يا أخي ذلك لتكون من الناجين، وفي هذا القدر كفاية.

المصدر: عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية  في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 297 - 309. 


التقييم الحالي
بناء على 32 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث