قال الأستاذ سيدي أحمد البدوي لخليفته سيدي عبد العال رضي الله تعالى عنهما: يا عبد العال، طريقتنا هذه مبنية على الكتاب والسنة والصدق والصفا وحسن الوفا وحمل الأذى وحفظ العهود.
ولمَّا رأى أهل اللَّه - أعني بهم أهل الطريق الواصلين إلى الدرجات العلية- أن التمسك بالتقوى على الوجه الأكمل لا يتيسر للنفس إلا بأصول وآداب؛ ليكتب من الأحباب المتقين. فالأصول المتفق عليها ستة وليست هي مختصة بطريقة واحدة، بل لعموم الطرق؛ لأنها عامة مطلقة لكل متقٍ من أهل طريق القوم.
أولها: الجوع اختيارًا بأن لا يزيد على ثلث البطن عند شدة الجوع؛ لأن الصوفية قالوا: من أعظم ما ينتج الخشوع - لدى معشر السالكين- الجوع؛ لأن الجوع أحكم حاكم للنفوس وأعظم قائد لها إلى حضرة القدوس، ولكن المبتدي لا قدرة له على ذلك ابتداء، فيلزم الصوم في ابتداء أمره حتى ترتاض نفسه على ذلك، ففي الحديث: «يكفي ابن آدم من الطعام لقيمات يقمن صلبه» أو كما قال. فبالجوع تنكسر النفس وتخضع وتذل، واللَّه تعالى عند المنكسرة قلوبهم.
والثاني: العزلة عن الخلق إلا لضرورة من طلب علم أو تدريسه للطلبة؛ احتسابًا لوجه اللَّه سبحانه وتعالى، كطالبه احتسابًا، أو بيع لأجل التكسب من حل أو شراء لمن احتاج لذلك.
والثالث: الصمت ظاهرًا وباطنًا إلا عن ذكر اللَّه سبحانه وتعالى، أو مطالعة علوم نافعة وما أشبه ذلك.
والرابع: السهر، إمَّا لذكر اللَّه تعالى، أو لمطالعة علم، أو لتفكر في مصنوعات اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأن التفكر في ذلك لحظة خير من عبادة سبعين سنة، وأقله ثلث الليل الأخير إلى طلوع الشمس وارتفاعها، ويصلي صلاة الشروق والضحى لِمَا ورد: «من صلَّى الصبح بجماعة وجلس يذكر اللَّه تعالى حتى يصلي الضحى - يكتب له ثواب حجة وعمرة تامتين» فعلم من ذلك أن من شأن أهل الطريق ترك فضول الطعام والكلام والمنام، أي الزائد عن الحاجة.
والخامس: دوام الذكر، الذي لقَّنه له شيخه لا يتجاوزه إلى غيره إلا بإذنه، وكذا الأوراد المخصوصة بطريق شيخه فإنها طريق الفتح لكل مبتدئ مثلي، ولو اختصر على مفاتيح الطريق كان هو أساس الوصول.
والسادس: الشيخ المربِّي للمريدين، الذي سلك طريقه وعلم ما فيها؛ لأن الشيخ الواصل هو من تواضع ووسع خُلُقُه كثيرًا من العالمين وحلاه اللَّه بالبسط، فذلك هو الشيخ النافع للمريدين، أي فلا تجد عنده كِبْرًا ولا تجبرًا ولا حسدًا، بل من شأنه أن يرحم الضعيف ويعظِّم الشريف، ذو معرفة وسياسة وفهم، يحب الفقراء والمساكين، ويعلم الفرائض والسنن وأصول التوحيد، ويعلِّم ذلك كله للمريدين، وهكذا كانت الأشياخ في العصر القديم، فعلينا أن نقول: ﴿ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾[البقرة:156].
المصادر: - نور الدين الحلبي (صاحب السيرة الحلبية المشهورة)، سيرة السيد أحمد البدوي المسمى «النصيحة العلوية في بيان حسن طريقة السادة الأحمدية»، تحقيق وتقديم وتعليق: أحمد عز الدين خلف الله، القاهرة: محمد عاطف وسيد طه وشركاهما، ط1،1964م، ص 96 - 97.
- عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 296 - 297.