وحيث ذكرنا مشايخ الأستاذ السيد أحمد البدويتالآخذ عنهم نأجمعين، وحفظت سلسلته المتصلة بسيد المرسلين صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلسلة خلفائه الأماجد الأخيار من بعده، وأصحاب السطح ومراتبهم وأماكنهم، رضوان اللَّه عليهم أجمعين. فلا بد أن نذكر هنا كيفية المبايعة في هذا الباب للاقتداء بالقوم فيها لكي نفوز لأنهم قالوا: خدمة الملوك نصف السلوك.
قال سيدنا ومولانا الشيخ يونس بن أزبك الصوفي رحمه اللَّه تعالى: واعلم أن المبايعة بالقدوة ومعناها: الإرادة والتسليم من المريد، أمَّا المراد هنا فهو اللَّه سبحانه وتعالى، وتكون المبايعة على طاعة اللَّه تعالى ومحبته، لا على شيء من أمور الدنيا مطلقًا، فإذا اختار المريد أي رقعة كان من رقع المشايخ؛ فحينئذ يجب على الشيخ الواصل الموصل للمريدين أن يسأل عن حال المريد، ثم يقول له: ما مرادك يا أخي؟ فإذا قال له: جئت إليك يا أستاذي لتعهد إليَّ بالقدوة وتسلكني بتسليك العارفين. فيقول له الشيخ: أنت اخترتني من دون الناس لأكون دليلك على الخير، فأنا لا آمرك إلا بالمعروف، ولا أنهاك إلا عن المنكر، وسأكون لك بعون اللَّه تعالى عونًا على المعرفة والعلم الشريف النافع؛ لعل اللَّه سبحانه وتعالى أن يعلِّمنا وإياك علمًا نافعًا، وأن يجعل لنا من فضله قلبًا خاشعًا ونورًا فيه ساطعًا، وأن يرزقنا من بحر كرمه رزقًا واسعًا، وأن يفتح علينا فتحًا ربانيًّا وإلهامًا صمدانيًّا، وأن يحفظنا من إبليس وجنوده وأعوانه: النفس والهوى والغرور والباطل، وأن يشفينا من كل داء لكي نحمده ونوحده على الدوام، متوسلين إليه بجاه حبيبه سيدنا محمد ×صاحب الجاه العظيم.
ثم يقول: وأنت يا ولدي اخترت لنفسك الدخول في رقعة سيدي أحمد البدويت، وأن يكون شيخنا شيخ الشيوخ أنس بن مالك صاحب رسول اللَّه ×، وكلهم من رسول اللَّه ملتمس، ورضيت أن تكون لي سميعًا مطيعًا محبًّا لي ولإخوانك.
فإذا أجاب المريد عن هذا كله وقال: نعم، نعم، نعم يا أستاذي وعمدتي وملاذي. قال له الشيخ حينئذ: قبلتك، قبلتك، قبلتك يا أخي في اللَّه تعالى من الأحباب.
ثم يأمره الشيخ بالوضوء، وأن يصلي لمولاه ركعتين بنية التوبة للَّه من جميع الذنوب والخطايا سهوًا أو عمدًا، خفية وجهرًا؛ لخبر: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم بعد السلام يأمره الشيخ بأن يقول بنية خالصة لمولاه - المطلع على ظاهره وخافيه-: تبت إلى اللَّه توبة نصوحًا، وندمت على ما فعلت، وعزمت على أن لا أعود أبدًا، وأشهد اللَّه وجميع خلقه علي بذلك، وأسأل اللَّه الكريم بجاه سيدنا محمد صلى اللَّه تعالى عليه، وعلى آله وصحبه وذريتهم من الصالحين أجمعين - أن يتقبل مني توبتي.
ثم يقول له الشيخ قل: اللَّه معي، ناظر إليَّ، اللَّه شاهد عليَّ، أي في جميع حركاتي وسكناتي كلها، ثم يقول للمريد: إنك يا ولدي ما دمت تلاحظ تفسير هذه الكلمات على الدوام، مع ملازمة أذكارك كل يوم عقب كل صلاة فرض أو نفل عشر مرات - يصحح اللَّه توبتك وتكون من التائبين المخلصين.
ويرى الشيخ أن اللَّه سبحانه وتعالى هو التواب على عباده في الحقيقة، وإنما هو واسطة بين اللَّه وبين عبده فقط، فإن اللَّه سبحانه وتعالى جعل لكل شيء سببًا - سبحانه مسبب الأسباب ومجري السحاب- وجعل الشيخ سببًا ظاهرًا؛ لأجل تسليك أي توصيل المريد إلى معرفة طريق القوم، الموصل إلى محبة اللَّه وملائكته وكتبه ورسله وإخوانه في اللَّه أجمعين.
ويستحب للمريد من طلبة العلم النافع أن يصلي للَّه سبحانه وتعالى قبل الوصول بالعهد صلاة التوبة، المذكورة في المطولات، وصفتها: أن يقوم المريد فيسبغ الوضوء الظاهر والباطن، وهو أن يقول عند غسل الوجه: أستغفر اللَّه العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، وأسأله التوبة والمغفرة والنجاة من النار، توبة عبد ظالم لنفسه، معترف بذنبه، لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا ثلاث مرات، وبعد ختم الوضوء ودعوته المذكورة بكتب الفقه يقرأ: آية الكرسي مرة، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاثًا، ثم يقول: أستغفر اللَّه العظيم ألفًا في آلاف، اللهمَّ إلطافًا في إلطاف في إلطاف، اللهمَّ بالبيت والمحراب وقبر نبيك سيدنا محمد ×أن تلطف بي فيما سطرته علي في أمِّ الكتاب، يا كريم، يا تواب، يا مجيب، يا وهاب. ثم يصلي على النبي ×بما يلهمه اللَّه من الصيغ عشر مرات، فهذا وضوء الخواص فاختر لنفسك ما يحلو.
وأمَّا صفة صلاة التوبة فهي: أن يقوم مستقبلًا للقبلة فيقول أصلي للَّه تعالى خالصًا مخلصًا ركعتين صلاة التوبة، اللَّه أكبر، ثم يقول: سبحانك اللهمَّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، بسم اللَّه الرحمن الرحيم، ويقرأ الفاتحة وسورة إذا جاء نصر اللَّه والفتح، وفي الثانية الصمدية، ثم بعد السلام منهما يقول: أستغفر اللَّه العظيم لي ولوالدي ولأصحاب الحقوق علي وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يقول ذلك سبعًا وعشرين مرة متوالية. وقال بعض الخواص: إن من ذَكَر هذا الاستغفار عقب كل فرض خمس مرات وبعد العشاء الأخير سبع مرات - فإن اللَّه سبحانه وتعالى يتجاوز عن جميع ذنوبه إلى ذلك اليوم، ثم يقول دعاء التوبة ثلاث مرات، وهو هذا: اللهمَّ صلِّ على سيدنا محمد صلاة موصولة بالمزيد، وعلى آله وصحبه وسلم يا حميد يا مجيد، اللهمَّ تب علينا قبل مرض موتنا توبة ترضيك وترضى بها عنا يا رب العالمين، اللهمَّ وفقني لما يرضيك يا كريم، رب اغفر وارحم وتب واعف وتجاوز عمَّا تعلم، إنك سبحانك تعلم ما لا نعلم، إنك أنت علام الغيوب، وأنت الأعز الأكرم، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا مجيب السائلين، يا قابل التائبين، وصلِّ اللَّه على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا، والحمد للَّه رب العالمين.
ثم يقوم - أي المريد- من مكانه الذي صلى فيه، ويدخل مع إخوانه حلق الذكر لأجل تصفية قلبه للطريق الموصل لمحبة خالقه وأحبابه، وبعد الانتهاء يجلس بين يدي شيخه، ويكون الشيخ مستقبل القبلة بالخضوع والخشوع والوقار فإنه أمر عظيم، ثم يستغفر اللَّه سبحانه وتعالى بهذا الاستغفار ويقول: أستغفر اللَّه العظيم الذي لا إله إلا هو الحق القيوم وأتوب إليه، يقول ذلك ثلاث مرات، ثم يقول وأسأله التوبة والمغفرة والنجاة من كل ذنب أذنبته، عمدًا أو خطأ، سرًّا أو علانية، وأتوب إليه من الذنب الذي أعلم به والذي لا أعلم به، إنه هو علام الغيوب، وأسأله الجنة والنجاة من النار، اللهمَّ إني أسألك يا غفور، يا عفو عن المذنبين، أن تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات؛ برحمتك يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، ويقرأ فاتحة الكتاب ثلاث مرات، ويقول بين كل قراءة: شيء للَّه بعد البسملة والاستعاذة، يا سيدي وشيخي في اللَّه، يا سلطان الأولياء يا سيدي أحمد يا بدوي، مدد للَّه يا سادتنا، يا أشياخنا في القدوة، شيء للَّه يا رسول اللَّه، شيء للَّه يا سيدي يا رسول اللَّه، شيء للَّه يا سيدي يا رسول اللَّه، المقصود اللَّهز
ثم بعد ذلك يضع المريد يده في يد الشيخ، ويجعل إبهامه اليمنى على إبهام الشيخ اليمنى، ثم يقول الشيخ للمريد: اسمع ما قال اللَّه تعالى في العهد، فإنه سبحانه وتعالى قال: ﴿وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾[الإسراء:34].﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح:10].﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾[الفتح:18].
ثم يقول الشيخ: اسمع يا أخي هذا عهد اللَّه بيني وبينك على الكتاب والسُّنَّة، ونحن إخوان في اللَّه تعالى، وفي رفعة قطب الزمان وعون العصر والأوان، الحبيب النسيب، أبي العباس السيد أحمد البدويت، وقدوتنا شيخ الشيوخ أنس بن مالكتخادم رسول اللَّه ×، الناجي يأخذ بيد أخيه في يوم القيامة، ونحن إن شاء اللَّه تعالى من الآمنين في رحمة اللَّه سبحانه وتعالى.
وبعد هذا يقول الشيخ في سره: اللهمَّ خذ منه، وتقبل منه، وافتح عليه أبواب كل الخير فتحتها على أنبيائك وأوليائك، واجعلني وإياه من المقبولين الفائزين، من أحبابك وأحباب حبيبك سيدنا محمد صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وأهل بيته أجمعين، وسلام على المرسلين، والحمد للَّه رب العالمين.
ثم بعد ذلك يقوم المريد ويدعو اللَّه سبحانه وتعالى في سره، والشيخ وجميع الإخوان يؤمنون على دعواته، ويختم دعاءه بقوله جهرًا إما هو إن كان يحفظه، أو يقوله الشيخ نفسه والحاضرون يؤمنون، وهذا الدعاء يقال عند ختم كل دعاء يدعو به الإنسان كما لازمته الأخيار من الأشياخ الواصلين الموصلين، وينبغي حفظه؛ لأننا ما أخذناه من السطور ولا من العوام، بل تلقيناه من فم أحد الأشياخ الأشراف والعلماء العاملين كما تلقاه من صدور أشياخه السابقين، وهو هذا: يا مولانا، يا مجيب، أجب يا مجيب ، أجب من يرجوك لا يخيب، توسلنا إليك بجاه سيدنا محمد الحبيب ، أن تقضي حوائجنا قريب ، هذا وقت الحاجات يا حاضرًا لا يغيب، ثم يقول الشيخ: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ ﴾[إبراهيم:27].
ثم يقرأ الشيخ والحاضرون الفاتحة الشريفة، ويهبون ثوابها لأهل العهود، ثم الفاتحة إلى شيخنا في الدنيا والآخرة السيد أحمد البدويت، ثم الفاتحة إلى أرواح الأشياخ في الطريق عمومًا، وأرواح أموات المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أجمعين.
المصدر: عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 229-235.