فإن قيل لك: ما الطريق إلى اللَّه سبحانه وتعالى؟
فقل: هي قطع عقبات النفس عن كل ما تشتهيه، ونفي الجهل بالعلم، وقطع الشبه، وإثبات فهم الإلهام.
فإن قيل لك: أهل الطريقة هل جميعهم عارفون بالشريعة ولا يفتون إلا بها أم لا؟
فقل: إن منهم من يكون عالمًا ومن لا يكون، إنما العالم منهم يكون نطقه إذا أفتى بالكتاب أو بالسُّنَّة أو بالإجماع أو بالقياس، والذي ليس بعالم قد يأتي بلفظ يصيب به المعنى المقصود من الشارع، لكن بعض إصابة وقد يخطيء بذلك اللفظ المعنى الذي أراد الشارع؛ لأنه ليس بمعصوم، إذ لا يكون معصومًا إلا كلام اللَّه سبحانه وتعالى أو كلام رسوله ×؛ لأن الفرق بين المعجزة من النبي ×والكرامة من الولي: أن المعجزة تكون على جهة التحدي والإعجاز ليعلموا أن تلك المعجزة لا تدخل تحت طوق البشر.
وإذا قيل لك: بأي شيء جلست على بساط الطريقة؟ فقل: بالأدب مع اللَّه سبحانه وتعالى، وعلامته الأدب مع عموم مخلوقاته، ومداومة الانكسار والتواضع، والخضوع بين أيادي الأسطوات أعني: الأشياخ في الطريق.
وإذا قيل لك: لمَّا دخلت الطريقة بأي شيء دخلت؟ وبأي شيء خرجت؟ فقل: دخلت بنفس أستاذي، وخرجت بنفوس الأسطوات.
وشروط طريق التصوف ثمانية؛ إذ الصوفي من صفت أسراره، ونارت بصيرته، وعلت همته، ونطقت حكمته، وارتفعت رتبته، وتعلم العلم وعلمه، وطلب من اللَّه لا من غيره، وحمد اللَّه سبحانه وتعالى على نعمة الإيمان والدين المستقيم.
وأن يكون متصفًا بهذه الأوصاف، أولها: الرضاء، والسير في الطريق، ومراعاة الرفيق، والهدى والتحقيق، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، وإقالة العثرات، وأن يكون مجتهدًا في العمل الصالح المرفوع لقوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾[فاطر:10]أي يقبله، ويغفر سيئاته، وأن يكون ملازمًا للأوقات الخمسة لأجل إجابة الدعاء، وأن يكون قاضيًا لحوائج إخوانه، وأن يكون ملازمًا ترك الخيانة في السير إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وأن يكون مؤدبًا مع شيخه ومع إخوانه غاية الأدب، وأن يكون محفوظًا وحافظًا لقلبه في حال مجالسته للشيخ وإخوانه، وأن يكون ملازمًا لشيخه لا يفتر عنه طرفة عين، وأن لا ينكر عليه ما ظهر منه من صفة عيب؛ فربما يظهر من الشيخ ما لا يعلمه المريد الصوفي، ويكون مراد الصوفي - أعني الشيخ- امتحان المريد في ذلك الفعل، فيقع في الأمور الصعبة وفي المحن
- والعياذ باللَّه سبحانه وتعالى- كما وقع لبعضهم أنه دخل على شيخه فرأى عنده امرأة جميلة، وهو يعانقها ويجامعها، فخرج منكرًا من عنده، فأخذ منه حالًا جميع ما استفاده من شيخه، ومع ذلك كانت المرأة من أزواج الشيخ، وجعلها له من الامتحان – كما قالوا عند الامتحان يكرم المرء أو يهان- مثل ذلك المريد، وقس على هذا الأصل، وأعوذ باللَّه ممن تغيرت عليه القلوب، وفي المطولات من كتب القوم من التأديبات ما لا يحصر والغرض هنا الإيجاز.
وعلى المريد أن يوقن أن شيخه فى الطريق هو أحد آبائه، فقد قيل إن للإنسان خمسة آباء على أصح الأقوال:
الأول: أبو الطريق وهو الشيخ الكامل الصوفي المرشد، الواصل الموصل غيره، المحقق العالم العلامة الملازم للعمل والذكر والإرشاد على الدوام، المتوكل على اللَّه سبحانه وتعالى.
الثاني: أبو الملة الحنيفية إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام.
الثالث: أبو الشفاعة وهو هادينا ومهدينا، وأصل السعادات لنا، سيدنا محمد ×.
والرابع: أبو البشر وهو أبونا آدم عليه السلام.
والخامس: أبو النسب وهو أبو الصلب؛ لأنهم هم الأصل للمريد حقيقة.
والطريق مبنى على الدين ، وأمر الدين هو الصحة بالعقد، والصدق بالقصد، والوفاء بالعهد، واجتناب الحد، وهي لا تنحصر، بل هي محصورة بأربع كلمات، وهي: جواب، وقول، وفعل، وترك، وهي إذا أمر اللَّه بفعل فافعله، وإذا أمر بترك فاتركه، وإذا نهاك عن شيء فانته عنه.
واعلم، يا أخا الإرشاد، أن الطاعة والعبادة متابعة الشريعة المحمدية في الأمر والنهي بالقول والفعل والترك، يعني تقول وتفعل وتترك قولك وفعلك باقتداء الشرع، كما لو صام الإنسان نهار العيد فيكون عاصيًا، أو صلَّى بثوب مغصوب أو ثوب حرام كذلك، انتهى. وقد ذكر بعض الأشياخ من الصوفية أن طريق البسط به أركان وشريعة وطريقة ومعرفة ويمين وشمال ورجلان ورأس وطرقه وسننه وجوفه. فيجب على صاحب البسط أن يكون متكلمًا بالشريعة والحقيقة والطريقة والمعرفة؛ لأنه سلوك أصحاب الشد واليد والعهد (راجع: @الأحمدية - تصوفها - الشد@).
واعلم: أن رأس البساط إشارة إلى البر، ووسط البساط حرمة الشيخ، ورجلاه الأدب في حضرة الشيخ، وجوفه الخشوع بين يدي أصحاب الفتوة، وفرضه الأستاذ الكامل العارف بالشريعة والحقيقة والطريقة والمعرفة، وسننه الاعتقاد في الأشياخ الكبار من أصحاب الفتوة أحياء وأمواتًا وخلفائهم، ويلزم من كان صاحب البسط أن يكون متمسكًا بهذه الطريقة، ويحفظ المسائل اللازمة لها؛ ليزداد لها معرفة وقوة على طاعة المولى؛ لكي يتقرب إليه بأسبابها، وكل من أوصله اللَّه على يديه فله أجر وحسنات مثل المريد؛ لأنه هو الدال له على الطريق الحميد، ويزداد فخرًا عند العباد أهل المعرفة والعلم النافع، وإن ترك ذلك وجعل دخوله في الطريق وسيلة لجلب حطام الدنيا والافتخار بين الناس للغايات النفسانية، فقد تعرض لنزول الغضب والعياذ باللَّه تعالى، فإن علامات حصول الغضب من اللَّه تعالى - عدم رجوعه، وتماديه على ما دله عليه الشيطان، وترك العلم، وأنكر الشدَّ والعهد واليد والمؤاخاة في اللَّه تعالى، وداخل الدنيا، وخالط الظلمة، واستحسن ما هم عليه - لجلب منفعته- ومن يتبعه من أعوانه أعوان الظلمة، وقد يمكن من كثرة الغضب يجالسهم في مجالس الفسق ويحسنه لهم؛ لكي يتهاونوا بأهل الشدَّ والعهد والعلم، فإن الأخيار قالوا لمريديهم من أعز العلماء أهل الشريعة والحقيقة والطريقة والمعرفة أعزه اللَّه سبحانه وتعالى، ومن حفظ حرمتهم حفظه اللَّه دنيا وأخرى، ويعطيه الخير والبركة في المال والولد، ومن خالف حصل له الغضب بسبب إنكاره، ولم يرزق البركة لا في المال ولا في العيال، بل يكون ممقوتًا محروم اللذة لا يتهنى، بل ممقوتًا مأكولًا مذمومًا لزيادة عذابه، ويأتي يوم القيامة وجهه أشد سوادًا من الفحم من شدة مواجهته للناس على طاعة وطريقة وهو كذاب، نسأل اللَّه السلامة من هؤلاء الضالين المضلين.
وإذا قيل لك: سقطت على كم جسر حتى وصلت إلى الميدان وجلست على البساط؟ فقل: على ثلاثة جسور، الأول: هوى. والثاني: قوى. والثالث: لوى. وإذا قيل لك: ما معنى الهوى والقوى واللوى؟ فتقول: أمَّا الهوى: لمَّا كنت حال البداية أجيرًا في الخدمة، والقوى لمَّا حصل على الخلع من نظر الأستاذ وأشياخه، أهل الفوز والنجاح، ووصلت حتى أجلسني اللَّه على البسط برضاه ورضا والدي علي. واللوى: هو رضاء الاختيارية أصحاب الفتوة علي وعلى مريدي أجمعين.
وإذا قيل لك: في أين طبخت لقمتك؟ ومن سبكها؟ ومن أكلها؟ ومن كان حاضرها؟
فقل: هي في وجاق الرحمن طبخت، وحضرها ملائكة المنان، وسبكت بالفاتحة أم القرآن، وأكلها عباد الرحمن.
وإذا قيل لك: في أين وضعت؟ تقول: على بساط القدرة بين أيادي أصحاب الفتوة.
وإذا قيل لك: دخلت على صفتك كم جمع أسطوات حضر؟ الجواب: تقول جمع واحد لمَّا رضي عليَّ شيخي وأستاذي مع الاختيارية، وانشديت في حضرتهم بحلمهم وكرمهم وجودهم ومعرفتهم.
وإذا قيل لك: في أي محل انشديت؟ فقل: على بساط الحق تحت ساق العرش في ميدان علي بمعرفة أصحاب الفتوة.
وإذا قيل لك: لمَّا دخلت على ميدان علي كم دخلتم وكم خرجتم؟ فقل: دخلنا ثلاثة، وخرجنا اثنين. أمَّا الثلاثة الأول: أنا، والثاني: ترجمان اللسان، والثالث: الأستاذ. وأمَّا الاثنان فشدي وعهدي.
وإذا قيل لك: كم لك من أخ في الطريقة؟ فقل: اثنان، وهما شدي وعهدي، وهما معي في حياتي ومماتي.
وإذا قيل لك: من أي باب دخلت؟
فقل : دخلت من باب الهدى.
وإذا قيل لك: ومن أي باب خرجت؟
فقل: إلى باب الرحمة ورضاء أصحاب الفتوة.
المصدر: عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 268، 273 – 280، 285، بتصرف واختصار واسعين.