نسخة تجريبيـــــــة
الشيخ

اعتنى مشايخ السادة الأحمدية بالتعريف بالشيخ وآدابه، وما يلزم أن يسوس به متبعه من مريديه. وقد قال الأستاذ سيدي أحمد البدوي قدس الله سره لخليفته سيدي عبد العال: يا عبد العال: تأدب مع المشايخ، واعلم أن الشيخ في قومه كالنبي في أمته.

والشيخ [لغة]: من جاوز الخمسين، واصطلاحًا: من بلغ رتبة أهل الفضل والكمال، ولو كان صبيًّا، وهو عند القوم: المرشد من الإرشاد، وهو ضد الإضلال، ووصفه أنه المربي الدال على الله بأقواله وأحواله وأفعاله، وهو من إذا نصحك أفهمك، وإذا قادك دلَّك، وألزمك بالعمل بالكتاب والسنة، وأبعدك عن البدع.

الشيخ هو المرشد المربي، الدال إلى الله تعالى بأقواله وأفعاله، وإذا نصحك أفهمك، وإذا قادك دلك، وألزمك بالعمل بالكتاب والسنة، وأبعدك عن البدع.

والشيخ هو الذي ظاهره الشرع، وباطنه الشرع، ويجب على الشيخ أن يكون عالمًا بما أمر الله به ونهى عنه، فقيهًا بالأمور التعبدية، حسن الأخلاق، ظاهر العقيدة، عارفًا أحكام الطريق، سالكًا مسلكًا كاملًا، متواضعًا زاهدًا؛ فإن الشيخ رتبته دعوة الخلق إلى الحق، بطريق نبي الصدق, قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ [فصِّلت:33]،وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ... ﴾ [آل عمران:110].

وإياك والناس الذين لا يريدون وجه الله بسعيهم؛ بل يجعلون المشيخة حرفة للمعاش، وهمتهم في العوائد؛ فنعوذ بالله من شرهم ومن شر أعوانهم،  والحاصل أن من حسنت سيرته، وصلحت نيته؛ صح أن يكون قدوة، موصلًا إلى الله.

والشيخ ظاهره الشرع وباطنه الشرع؛ يعني: ظاهره عين الشرع وباطنه عين الشرع؛ وذلك أن أفعاله الظاهرة والباطنة، لا تنحرف عن الشرع مقدار شعرة، وهذا الشيخ الذي يصح أن يكون قدوة وإمامًا في الطريق، والشيخ يجب عليه أن يكون عالمًا بما أمر الله به ونهى عنه، فقيهًا في الأمور التعبدية، حسن الأخلاق، طاهر العقيدة، عارفًا بأحكام الطريق، سالكًا مسلكًا، كاملاً سخيًّا، زاهدًا متواضعًا، حمولاً للأثقال، صاحب وجد وحال وصدق مقال، ذا قراءة وطلاقة لسان في تعريفأحكام الطريق، مبرأ من عوائق الشطح، طارحًا ربقة الدعوى والعلو، محبًّا لشيخه، حافظًا شأن حرمته في حياته وبعد مماته، يدور مع الحق أين دار، منصفًا في أفعاله وأقواله، متكلاً على الله في جميع أحواله.

وقد نظم بعضهم في معرفة الشيخ؛ فقال:

الشيخ من كان على الكتاب

*

وسنة المختار والأصحاب
 

مبين الحلال والحرام

*

وكل ما كان من الأحكام

مهذب الأخلاق والأفعال

*

داع إلى مولاه ذي الجلال

متابعًا في ذاك خير الخلق

*

مراقب المولى بقول الحق

قد خبر السبل على التحقيق

*

وصحح الأقوال بالتدقيق

موافقًا في ذاك حكم الشرع

*

بثابت الأصل وذاكي الفرع

محققًا ذاك بالتدقيق

*

في الجمع والتأصيل والتفريق

مبينًا من ذاك للطلاب

*

مقدار ما يهدي إلى الصواب

مخاطبًا كلًّا بقدر حاله

*

وحسب ما  يحسن من أفعاله

مستعملًّا فيهم كلام القوم

*

لا يختشي في الله أهل اللوم

 

 

رتبة الشيخ:

وخلاصة المقصد: أن الشيخ رتبته دعوة الخلق إلى الحق؛ بطريق نبي الصدق ×، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ [فصِّلت:33]. وقال عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ [آل عمران:110]. والنبي ×يقول: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم» وقال عليه الصلاة والسلام: «لن يستكمل عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، ورحم الله القائل:

وخيار الناس هداتهم

*

وسواهم من همج الهمج

 

 

أقسام المشايخ ومراتبهم:

(وقال العارفون): المشايخ ينقسمون إلى سبعة أقسام:

- شيخ شيخه الله تعالى بتوفيقه.

- وشيخ شيخه النبي ×بإرشاده.

- وشيخ شيخه القرآن بتدبره.

- وشيخ شيخه العلم بتعلمه.

- وشيخ شيخه الزمان بمروره.

- وشيخ شيخه الإخوان باجتماعهم عليه.

- وشيخ شيخه الهوى والدعوى، وهو الهالك.

وقيل: مراتب الشيوخ ثلاث فقط:

المرتبة الأولى: مرتبة المحققين بالمشيخة الذين عليهم الاعتماد في الدنيا والآخرة، وهما شيخان: شيخ جلالي وشيخ جمالي، فالشيخ الجمالي يغلب عليه من الحضرات البسط وشهود الرحمة؛ فيظهر بذلك النعمة، والشيخ الجلالي يغلب عليه من الحضرات القبض والتجليات الجلاليات؛ فيظهر مقضبًا لما يشاهده من الهيئات.

والمرتبة الثانية: مشيخة التبرك، وأصلها إذن العارفين، وذلك أن يأذن العارف لبعض مريديه بالنيابة عنه في نصيحة الإخوان، وذلك إمَّا أن ينال المريد بعض فيض من تقوى، وإمَّا أن يكون تقيًّا بلغ في الخشية الغاية القصوى، فإذا كان المريد كذلك فحينئذ يأذن العارف له، وأدبه أن يتقي اللَّه ويأمر أتباعه بملازمة الذكر والخشية والوعظ، ويتحلَّى الشيخ من حيث الزجر والردع، وينبه إخوانه على أنه ليس صاحب مدد، ويعلمهم بأن مددهم من شيخه، ويعرفهم أنه أخ لهم محبوب مثلهم، ولا يتركهم يمدحونه ويصفونه بأوصاف الأولياء فيستوجب هو وهم المقت من اللَّه سبحانه وتعالى، ويعلمهم أنهم مسئولون بين يدي اللَّه تعالى بما يتكلمون به فيه لتغرير العوام، وينبغي له أن يؤازر بعض إخوانه الذين رآهم ناصحين له غير مسخطين منه؛ لأجل أن ينبه إذا غفل، ويذكره إذا جهل وأتباعه يتأدبون معه، ويحترمونه، ويراعونه، ولا يمدحونه بما ليس فيه، ولا يمنحونه ما ليس له، ويقال له: خليفة فلان، أو نائبه، أو نقيبه، ويلقن الذكر إن أجيز به من الشيخ، وأمَّا غيره فلا يجوز له التلقين لأحد، ولا يصح له التصدر على فرد من أفراد المؤمنين، فإن فعل كما هو حال بعض المتصدرين فلا يحصل لمن تلقن منه نفع,

والمرتبة الثالثة: من شيوخه القرآن الشريف والعلم، فينبغي لهم أن ينصحوا أتباعهم، ويأمروهم بالتقوى، وتحقيق المقروء وإتقانه والعمل به من قرآن وكتب ظاهر. وأمَّا كتب القوم فأمرها إلى أهلها؛ لأنهم شبَّهوها بالبحر المحيط لا يمكن الدخول فيه إلا بالواسطة القوية، أعني: بالسفينة الكبيرة، ويكون رئيسها له معرفة تامة بعلم هذا البحر، فكذلك كتب القوم وأحوالهم - رجال اللَّه تعالى- تشتّتت منها العقول السليمة.

صفات الشيخ:

(وينبغي)أن يكون الشيخ متصفًا باثنتي عشرة صفة:

- صفتان من حضرة الله تعالى، وهما: الحلم والسر.

- وصفتان من حضرة النبي ×، وهما: الرأفة والرحمة.

- وصفتان من حضرة الصديق الأكبر ت، وهما: الصدق والتصديق.

- وصفتان من حضرة الفاروق الأعظم ت، وهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- وصفتان من حضرة عثمان ذي النورين ت، وهما: الحياء والتسليم.

- وصفتان من حضرة علي الكرار ت، وهما: الزهد الأتم والشجاعة.

ومتى اتصف الشيخ بهذه الأوصاف، وتمكن قدمه وزكت شيمه؛ صلح أن يكون قدوة في الطريق.

حق المشايخ على مريديهم:

واعلموا يا إخواني أن من حق المشايخ على فقرائهم أن يبالغوا في محبتهم وتعظيمهم وتوقيرهم وإجلالهم وتكريمهم. وقد قال الجنيد: من حرم احترام المشايخ ابتلاه الله تعالى بالمقت، فإن الفقير إذا لم يصدق في محبة شيخه فهو منافق، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، نار القطيعة والبوار. وعلامة صدق محبة الفقير لشيخه: أن يحب من يحبه، ويجل من يجله.

وقد قيل: من تقرب إلى شيخه بالخدم تقرب الله تعالى إلى قلبه بواسطة الكرم، ومن آثر شيخه على نفسه كشف الله له عن حظيرة قدسه، ومن نزه شيخه عن النقائص منحه الله الخصائص.

وألا يطعن في نقيب أو نائب ولاه واختاره وارتضاه فإن ذلك لا يقع إلا لمن كان بعيدًا عن الله. وقد قيل: من جعله سيدي سيدًا حمل أمامه الغاشية. وقد رأى بعض الفقراء سيدي عبد الله بن أبي جمرة المدفون بالقرافة رضي الله تعالى عنه في المنام، وهو جالس على كرسي وعليه خلعة خضراء والأنبياء كلهم واقفون بين يديه فأشكل عليه ذلك فعرضه على بعض العارفين فقال: منامك صحيح، ووقوف الأنبياء ليس هو بأدب مع سيدي عبد الله حقيقة إنما هو أدب مع الحق تعالى الذي ألبسه تلك الخلعة. وحرمة الشيخ من حرمة الحق، وهو معنى قول بعض العارفين ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله.

ومن حق الفقير مع شيخه أن يكون كالميت مع الغاسل يقلبه كيف يختار.

وقد قيل: من كان مع شيخه بلا اختيار، كشفت له كثيفات الحجب والأستار.

وقد قيل: مخالفة الفقير لشيخه سم قاتل.

وقد قيل: عقوق المشايخ لا توبة له. وقد قيل: من قال لأستاذه لم؟ لا يفلح، وإذا رأى الفقير من شيخه ما ينكره كان عليه أن يحسن الظن به، ولا يكون ذلك مما يزلزله.

وقد قيل: ينبغي للفقير أن يحمل أعمال شيخه التي ظاهرها الفساد على نحو من سبعين محملاً حسنًا. ومن ثم قال سيدنا الخضر لموسى صلوات الله وسلامه عليهما: لو صبرت لعلمتك ألف باب من العلم الغامض. فإن الشيخ ربما فعل ذلك مع الفقير اختبارًا لحاله، وهل هو معه بالصدق في فعله وقاله. وفي ذلك حكايات مشهورة عن المشايخ مأثورة، لا نطيل بذكرها. وما ذاك إلا لأن الشيخ يخرج نفس الفقير من طبيعة الطغيان إلى طبيعة الإيمان والإذعان، ويسلك به أقوم طريق، ويدرجه إلى منازل التحقيق، إلى أن يرتوي من بحر الأحوال ويبلغ مبالغ الرجال، فيصير إمامًا به يقتدي، وعلمًا ظاهرًا به يهتدي، فإن الشيخ سلم للرقي، فمن لم يلزم الأدب مع شيخه لا يحصل له الترقي إلى الأدب مع الله تعالى .

وقد قيل : علامة الشقاوة أن يرزق الإنسان صحبة المشايخ و لا يحترمهم .

وقد قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني لشيخه الشيخ علي الخواص نفعنا الله تعالى بهما: أوصني بوصية فقال له: الزم الأدب مع شيخك. وإذا غضب على إنسان فاجتنبه، ولا ينبغي لك أن تبحث على سبب غضبه على ذلك الإنسان بل سلم لشيخك.

 

المصادر :

- محمد محمد محمد شمس الدين الصغير، الجوهر الثمين في آداب المشايخ والمريدين، المطبعة العامرة الشرقية، 1314هـ، ص 4-6.

- نور الدين الحلبي (صاحب السيرة الحلبية المشهورة)، سيرة السيد أحمد البدوي المسمى «النصيحة العلوية في بيان حسن طريقة السادة الأحمدية»، تحقيق وتقديم وتعليق: أحمد عز الدين خلف الله، القاهرة: محمد عاطف وسيد طه وشركاهما، ط1،1964م، ص 30 ، 110 – 111.

- إبراهيم محمد الدسوقي الأحمدي، الفيوضات الرحمانية في الأوراد الأحمدية، القاهرة: المطبعة التجارية، دت ، ص 47-48.

- عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية  في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص319-321.

 

 


التقييم الحالي
بناء على 27 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث