نسخة تجريبيـــــــة
الشريعة والحقيقة والطريقة

التصوف إنما هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة إذا خلا عمله من العلل وحظوظ النفس.

وإذا قيل لك: بأي شيء تسلمت الشريعة والحقيقة والمعرفة والطريقة؟

فقل: بأربعة مثلها، أمَّا الشريعة فعلمتها بالعلم الشريف المتلقى بالأدب من أهله، حافظ لقواعده ومتونه. وأمَّا الحقيقة فتحقق عندي أن اللَّه سبحانه وتعالى لا رب غيره، والمعرفة بالإصلاح بين الإخوان مع صدق اللسان، واجتهادي دومًا في طاعة خالقي جل وعلا، فإني ما خُلقت إلا لأجل العبادة، والطريقة بطريق الحق وكلام الصدق، وصدقت بملائكة اللَّه وكتبه.

فعلينا ابتداء التمسك بكليتنا بالشريعة المطهرة المحمدية؛ لأن الأكابر لم يصلوا إلى الطريقة إلا بها، ولا يصل أحد إلى الحقيقة إلا بالطريقة؛ لأنهم مثلوا ذلك للعوام – مثلي- بالبيضة: فإن لها ظاهرًا وهو القشر، وباطنًا وهو اللب الأبيض، وباطن الباطن وهو القلب الأصفر، فلا يمكن الوصول إلى اللب الأبيض إلا بعد نزع القشر الأول، ولا يمكن الوصول إلى اللب الأصفر إلا بعد أخذ اللب الأبيض من فوقه ويقال له: لباب اللباب، فكذلك ينبغي للمريد المجتهد في عبادة ربه أن يتعلم أولًا الأحكام الشرعية، وهي أقواله ×كما في الحديث: «الشريعة أقوالي، والطريقة أفعالي، والحقيقة أحوالي» فافهم. فمن تتبع أقواله وأهمل أفعاله فهو من أفسق الفاسقين، ومن تتبع أفعاله وأهمل أقواله فهو زنديق متين، ومن ادَّعى أحواله وأفعاله فهو من الضالين المضلين، بل هو من إخوان الشياطين؛ لأن الشريعة المحمدية باب، والحقيقة دار، ولا يتوصل للدار إلا من الباب، والشريعة أصل، والطريقة فرع، والحقيقة ثمر، فلا يكون الثمر إلا بوجود الأصل والفرع، ولا يكون الفرع إلا بوجود الأصل، فمن تسرع ولم يتطرق فقد تفسق، ومن تطرق ولم يتشرع فقد تزندق. وقد قيل: الطريقة معاملات، والحقيقة مكاشفات.

واعلم، يا أخا الإرشاد: أن الشريعة هي الأحكام الشرعية، والطريقة تتبع الأخلاق المحمدية. وقال الأكابر: الشرف في العلم، والكمال في الحلم. وقالوا: لا يتطهر من عموم الرعونات إلا من خالف نفسه في عموم الشهوات، وذكر اللَّه تعالى في جميع الحالات، وأكثر من هذا الاستغفار فإننا تلقيناه من أكابر الأخيار بمكة المشرفة حال إقامتنا بها للمجاورة وهذا هو: أستغفر اللَّه العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام، توبة عبد ظالم لنفسه من كل ذنب، أذنبته عمدًا أو خطأ، ظاهرًا وباطنًا، سرًّا وجهرًا، قولًا وفعلًا، في جميع حركاتي وسكناتي وأنفاسي كلها دائمًا أبدًا سرمدًا، من الذنب الذي أعلمه، ومن الذنب الذي لا أعلمه، عدد ما أحاط به العلم، وأحصاه الكتاب، وخطه القلم، وأوجدته القدرة، وخصصته الإرادة، ومداد كلمات اللَّه، وكما ينبغي لجلال وجه ربنا وجماله وكماله، وكما يحب ربنا ويرضى، فالمرة منه بألف. وكان الشيخ يتلوها كل يوم مائة مرة، وكان يقول: لعل أحدًا يتلو ذلك مرة لينالني منها شيء لأني الدال له؛ عسى يغفر اللَّه لنا الذنوب، وأنا مترجي ذلك فقط؛ لأني مقصر ومذنب، وليس لي وسيلة إلا التوسل بجدي المصطفى صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

المصدر: عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية  في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 54 ، 285، 318- 319.

 


التقييم الحالي
بناء على 31 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث