ذكر بعض الأشياخ من الصوفية أن طريق البسط به أركان وشريعة وطريقة ومعرفة ويمين وشمال ورجلان ورأس وطرقه وسننه وجوفه.
قال: يجب على صاحب البسط أن يكون متكلمًا بالشريعة والحقيقة والطريقة والمعرفة؛ لأن سلوك أصحاب الشد واليد والعهد إذا قالوا لك: أيها المريد المحب للطريق وأهله من أول مشدود انشدّ؟
فقل: أول مشدود هو جبريل عليه السلام.
وإذا قيل لك: أين انشدّ ومن شدَّه؟
فقل: شدَّه الملائكة المقربون بأمر الخالق الأكبر جل جلاله.
وإذا قيل لك: من ثاني مشدود؟
فقل: هو سيدنا ومولانا محمد ×.
وإذا قيل لك: من الذي شدَّ محمد ×؟
فقل: الذي شدَّه جبريل عليه السلام بأمر رب العالمين.
وإذا قيل لك: من ثالث مشدود؟
فقل: هو سليمان الفارسي.
وإذا قيل لك: ولأي شيء شد سليمان الفارسي الحسن والحسين أولاد علي بن أبي طالب ن؟
فقل: هما أولاد علي من ظهره، وسليمان أبوهم في الشدِّ؛ لما تقدم أن الآباء خمسة.
وإذا قيل لك: الشدُّ لمن واليد لمن؟ فقل: الشدُّ لعلي كرم اللَّه وجهه واليد لمحمد ×.
واعلم: أن اليد بيعة رسول اللَّه ×كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح:10].
واعلم: أن الشدَّ لعلي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه، والشدُّ مقسوم إلى قسمين: شدٌّ فوقاني، وشدٌّ تحتاني. أمَّا الشد الفوقاني فشدُّ جبريل، والتحتاني شدُّ علي كرم اللَّه وجهه، وجبريل شدَّه في السماء وعلي شدَّه في الأرض....
واعلم: أن رأس البساط إشارة إلى البر، ووسط البساط حرمة الشيخ، ورجلاه الأدب في حضرة الشيخ، وجوفه الخشوع بين يدي أصحاب الفتوة، وفرضه الأستاذ الكامل العارف بالشريعة والحقيقة والطريقة والمعرفة، وسننه الاعتقاد في الأشياخ الكبار من أصحاب الفتوة أحياء وأمواتًا وخلفائهم.
ويلزم من كان صاحب البسط أن يكون متمسكًا بهذه الطريقة، ويحفظ المسائل اللازمة لها؛ ليزداد لها معرفة وقوة على طاعة المولى؛ لكي يتقرب إليه بأسبابها، وكل من أوصله اللَّه على يديه فله أجر وحسنات مثل المريد؛ لأنه هو الدال له على الطريق الحميد، ويزداد فخرًا عند العباد أهل المعرفة والعلم النافع، وإن ترك ذلك وجعل دخوله في الطريق وسيلة لجلب حطام الدنيا والافتخار بين الناس للغايات النفسانية، فقد تعرض لنزول الغضب والعياذ باللَّه تعالى، فإن علامات حصول الغضب من اللَّه تعالى - عدم رجوعه، وتماديه على ما دله عليه الشيطان، وترك العلم، وأنكر الشدَّ والعهد واليد والمؤاخاة في اللَّه تعالى، وداخل الدنيا، وخالط الظلمة، واستحسن ما هم عليه - لجلب منفعته- ومن يتبعه من أعوانه أعوان الظلمة، وقد يمكن من كثرة الغضب يجالسهم في مجالس الفسق ويحسنه لهم؛ لكي يتهاونوا بأهل الشدَّ والعهد والعلم، فإن الأخيار قالوا لمريديهم من أعز العلماء أهل الشريعة والحقيقة والطريقة والمعرفة أعزه اللَّه سبحانه وتعالى، ومن حفظ حرمتهم حفظه اللَّه دنيا وأخرى، ويعطيه الخير والبركة في المال والولد، ومن خالف حصل له الغضب بسبب إنكاره، ولم يرزق البركة لا في المال ولا في العيال، بل يكون ممقوتًا محروم اللذة لا يتهنى، بل ممقوتًا مأكولًا مذمومًا لزيادة عذابه، ويأتي يوم القيامة وجهه أشد سوادًا من الفحم من شدة مواجهته للناس على طاعة وطريقة وهو كذاب، نسأل اللَّه السلامة من هؤلاء الضالين المضلين.
وإذا قيل لك: لمَّا دخلت على ميدان علي كم دخلتم وكم خرجتم؟ فقل: دخلنا ثلاثة، وخرجنا اثنين. أمَّا الثلاثة الأول: أنا، والثاني: ترجمان اللسان، والثالث: الأستاذ. وأمَّا الاثنان فشدي وعهدي.
وإذا قيل لك: كم لك من أخ في الطريقة؟ فقل: اثنان، وهما شدي وعهدي، وهما معي في حياتي ومماتي.
وإذا قيل لك: ميدان علي كرم اللَّه وجهه ورضي عنه ما سوره؟ وما أبراجه؟ وما فوقهم؟ فقل: ميدان عليتسوره الاختيارية أصحاب الفتوة، وله برجان، أحدهما: شيخي وأستاذي الذي وصلت عليه وعاهدني وشدني. والثاني: نقيبي الذي أتى بي بين يدي أستاذي، والذي فوقهم هو الحق جل جلاله.
وإذا قيل لك: شدك ما حياته وما برأته؟ فقل: حياته سر في صدري، وبرأته نور في وجهي.
وإذا قيل لك: ما قفل الشدُّ ومفتاحه؟ فقل: مفتاحه بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وقفله الحمد للَّه رب العالمين.
وإذا قيل لك: شكل الشدِّ له طرفان، ما هما؟ فقل: الأول: شكل الحسن. والثاني: شكل الحسين أولاد سيدنا علي رضوان اللَّه عليهم أجمعين، والفاتحة إلى أرواحهما وجدهما سيد الكونين.
وإذا قيل لك: ما أصل الشدِّ؟ وما فضيلته؟ فقل: أصله سر من اللَّه سبحانه وتعالى، وفضيلته حرز على الأسطى صاحب البسط.
المصدر: عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 276 – 286.