قال تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾. وقال: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾[الرعد: 28]. وقال: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 35].
وأمارات الذكر ثلاثة أشياء: تجريد، وتوحيد، وتنزيه.
وحقيقته: بذل الروح في طاعة اللَّه تعالى.
واعلم أن الذكر ثلاثة أقسام:
نفي، وإثبات بغير نفي، وإثبات بغير تعرض لنفي ولا إثبات. ولكل قسم أدب.
فالأول: وهو النفي والإثبات، قولك: لا إله إلا الله. فإن فيه: نفي المعبود بباطل، بقوله:
لا إله، وإثبات المعبود بحق، بقوله: إلا الله.
والثاني: وهو الإثبات بغير نفي: اسمه تعالى الله؛ فإن فيه إثبات أنه تعالى الواجب للوجود، وهو الاسم الأعظم عند معظم العلماء، قال بعضهم:
اسم إذا قرع القلوب تمايلت |
* |
طربًا وتمت بالتقى أسرارها |
وإذا ابتدأت بذكره في حضرة |
* |
حضر السرور بها وطاب مزارها |
الثالث: وهو الإثبات من غير تعرض لنفي ولا إثبات، وهو ذكر الإشارة باسمه تعالى هو؛ فدوام ذكر الجلالة سبب لليقظة، ومجدد للإيمان، ومجل للصدر، واسمه تعالى الله؛ سبب للخروج من درجة اليقظة إلى الحضور مع الله تعالى، وذكر هو سبب للخروج عما سوى الله سبحانه وتعالى؛ فانظر إلى مراتب الذكر، وتأمل تجد مراتب الكمال متفاوتة، وما من كمال إلا وعند الله أكمل منه.
ثم إذا كان قبل الذكر يستغفر الله مائة، ويصلي على نبيه مائة يكون أولى؛ فإن الاستغفار، يمحي الأوزار، والصلاة على المختار؛ مجلبة للأنوار، فيأتي الذكر بعد ذلك على نقى وعمار، فكأنك أحطت للعبارات بمجلس واحد، والله عون لك.
قال بعض الصوفية: الإعراض عن الذكر؛ مشوش الرزق، ويضيق المعيشة، والله سبحانه وتعالى يحب أن يذكر ولو من فاسق؛ فإذا ذكر ثم دعاه أعطاه ما تمناه.
هذا ويلزم مريد ذلك أن يكون طاهر القلب والبدن، بعيدًا عن الشواغل، نائيًا عن الخلق، متوجهًا بكليته إلى الذكر، محروسًا من الرياء.
واعلم أن الركن الأعظم، والأصل في جميع العبادات؛ الإخلاص فيها، قال تعالى :﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[البيِّنة:5].
فالأعمال من غير إخلاص، كشجرة من غير ثمر، لا تصلح إلا للنار، وثمرة الإخلاص التوصل به إلى امتثال الأمر، واجتناب النهي، ودخول الجنة، قال ×: «من قال لا إله إلا الله مخلصًا خالصًا دخل الجنة» فانظر في قوله: «مخلصًا خالصًا»؛ تجده يشير إلى أن الأعمال كثير، والإخلاص فيها قليل؛ فهو سر من أسرار الله، يهبه لمن يشاء من عباده.
ويلزم الذاكر أن يستحضر معنى ما يقوله؛ أي يقول بلسانه: لا إله إلا الله، والقلب يلاحظ أنه لا معبود بحق إلا الله.
وإذا كان مجدًّا في الأشواق وطلب المعارف، يلاحظ: لا مطلوب إلا الله.
وإذا كان ينفي جميع الخواطر، والغناء عما سواه تعالى؛ يلاحظ: لا موجود إلا الله؛ فبذلك يتنور قلبه بأنوارها، ويرقى في درجات الوصول، وينبغي أن يذكر بهمة قلب ونشاط ، ويعمر قلبه أيضًا بالمعنى بين انتهائها وشروعه في أخرى؛ خوفًا من أن يمر نسيم الشيطان، فيغبر صندوق المعارف والأسرار؛ فالشيطان يدخل بصفات حسب ما يتمكن من دس سم مفاسده، فقد يأتي بصفة ناصح أو عابد أو مبشر بالأعمال؛ ليدخل في النفوس الغرور، حتى يقول: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ﴾[الحشر: 16]،أعاذنا الله منه وحمانا، وأرشدنا إلى طريقه القويم، وهدانا إلى الصراط المستقيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
المصادر : - إبراهيم محمد الدسوقي الأحمدي، الفيوضات الرحمانية في الأوراد الأحمدية، القاهرة: المطبعة التجارية، دت ، ص 47-51.
- عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 270.