إن اللَّه سبحانه وتعالى لا يترك أحدًا من أوليائه لغيره؛ لأنهم أحبابه، ولا يعيبهم ذكر اللَّه سبحانه وتعالى قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، فإن للذكر حلاوة ومخاطرة باطنية، لا يعرف حقيقتها إلا أرباب القلوب، وتلزمهم الحالات للطرب والفرح من شدة ما يجدونه من اللذة والهيام والوله والطرب؛ كما أشار له الغوث سيدي الشيخ أبو مدينتفي بعض إنشاد حال طربه يقول:
أيا حادي العشاق قم وَاحْدُ قائمًا |
* |
وزمزم لنا باسم الحبيب وروحنا |
وصن سرنا في سكرنا عن حسودنا |
* |
وإن أنكرت علينا شيئًا فسامحنا |
فإنا إذا طبنا وطابت نفوسنا |
* |
وخامرنا خمر الغرام تهتكنا |
وقد ورد في بعض الأخبار عن النبي ×أنه لمَّا استنشد حسان بن ثابتتأنشد له أبياتًا، منها:
اكشف حجاب التجلي بيننا سحرًا |
* |
لا شك أنك معبودي وخلاقي |
فتواجد من هذه الأبيات سيد السادات ×، فسقط الرداء عن منكبه الشريف فهو دليل السماع، فلا يجوز الإنكار على الفقراء بما يحصل منهم عند سماع كلام القوم من الوجد، فإن ذلك سر خفي من أسرار الحضرة العلية، تحركه رياح الأنس من بحار القدس، متفرقة في الأعضاء، فما وقع في البدن كان منه التصفيق، وما وقع في الرجل كان منه الرقص، وما وقع في القلب كان منه البكاء، وما وقع في الروح كان منه الصراخ، وما وقع في سويداء القلب كان منه الغشيان. وقد ترى الإنسان هاديًا فيضطرب عند السماع؛ لأن اللَّه تعالى لمَّا خاطب الذر: بألست بربكم؟ قالوا: بلى. استغرقت عذوبة سماع الكلام الأرواح، فإذا سمعوا السماع حرَّكهم ذِكْرَ ذلك، أي فمن قال من ذلك شيئًا في ذلك العالم الذري؛ ظهرت عليه آثاره في هذا العالم الصوري. قال سيدي أبو مدين ت: السماع جوهرة لا يطلع عليها إلا الفضلاء، فإذا حضرتم السماع فأغلقوا أبوابكم، وإذا حضرتم الطعام فافتحوها؛ لأن طريقة القوم مبنية على الستر عن من لم يكن من أهل طريقهم.
ولا ينبغي أن يكون تلقين الذِّكْر بحضور من لم يكن على طريقهم وسننهم، وأهل السماع في أحوالهم مختلفون في الصفات والحركات، فمنهم من تأخذه الأحوال وهي تمر مرَّ السحاب وهو قاعد لا يتحرك كما قال اللَّه تعالى: ﴿ وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾[النمل:88]ومنهم من أخذه الضحك أو البكاء أو الشهيق، والأحوال مختلفة على حسب المقامات والدرجات والسماع، كالبرق الذي يلوح ويخفى، وهو في الحقيقة ذو صدق وحقيقة، فمن سمع بقلبه تحقق، ومن سمع بنفسه تزندق، ولا يشق إلا على العاشق الولهان، ولا يشك فيه إلا كل جاهل بنفسه حيران معاند؛ لأن من جهل شيئًا عاداه، قال الشاعر:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده |
* |
ولا الصبابة إلا من يعانيها |
قال شيخ أشياخنا الأمير في حاشيته على عبد الباقي: كل ما جمع قلبك على اللَّه سبحانه وتعالى فلا بأس به، أي: لا بأس في تعاطيه إذا ازددت به حبًّا في اللَّه سبحانه وتعالى، والسماع مع غير أهله حرام لا يحل حضوره حتى يجاهد نفسه بالصيام والقيام والوصال؛ فحينئذ يحل حضوره. قال الشيخ الجنيدت: السماع لا يليق إلا من أهله مع أهله.
المصدر: عبده حسن راشد المشهدي ، النفحات الأحمدية والجواهر الصمدانية في النسبة والكرامات الأحمدية ، القاهرة: مكتبة أم القرى، 2002 ، ص 311-314.