تعتبر الرسالة القشيرية التى ألفها الإمام القشيرى من أشهر وأهم كتب التصوف الإسلامى، وتأتى أهميتها من كونها تقدم لنا صورة واضحة للتصوف الإسلامى الصحيح المبنى على الكتاب والسنة، ومما قدمته الرسالة القشيرية لنا مجموعة مهمة من تراجم متقدمى مشايخ الطريق الذين تمثلوا تلك القيم الصوفية العلية، وقد كان للشيوخ الذين انتقاهم القشيرى ليترجم لهم فى رسالته من المكانة الدينية والعلمية والصوفية ما استحقوا به بالفعل هذه الشهرة الإجمالية التى شملتهم حتى صاروا يعرفوا برجال الرسالة القشيرية، وحتى صار الرجل منهم يذكره مترجموه اللاحقون بأنه من رجال الرسالة القشيرية فيكون بذلك قد جاز القنطرة فى التوثيق والشهادة له بصحة المسلك، وصفاء المشرب، مما يذكرنا بمصطلح أهل الحديث فى وصفهم رواة الصحيحين بأنه "من رجال الصحيح"، فيكون بذلك قد حاز أعلى درجات التعديل.
ومن أدل وجوه العناية بهؤلاء الرجال – رجال القشيرية - أن ضمنهم بعض الناظمين للقصائد الصوفية فى قصيدة يتوسل فيها بالأنبياء والرسل والملائكة ثم يثنى بعد ذلك بالتوسل برجال الرسالة القشيرية، وهى قصيدة لطيفة فى بابها ، ذكرها الشيخ محمد بن محمد بن محمد شمس الدين الصغير، فى كتابه الجوهر الثمين في آداب المشايخ والمريدين، ووصفها بقوله : (الرسالة القشيرية في ذكر سادات سر الأنبياء، وخواص كبار السادة الأولياء، وأكابر الملائكة الأصفياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والله أسأل أن ينفعنا بهم؛ فإنه أرحم الراحمين)، وهذا هو نص القصيدة:
وسيلتي العظمى إلى الله ذاتُه |
* |
وأسماؤه سبحانه وصفاته |
وإنابته اللاتي يدل وجودها |
* |
عليه كما جاءت به بيناته |
وكل كتاب أعجزت محكماته |
* |
وكل رسول أحكمت معجزاته |
وكل نبي أو ولي تحققت |
* |
له من إله العالمين هباته |
وكل من الأملاك طُرًّا وعرشهم |
* |
وكرسيهم واللوح بل محكماته |
وكل عظم أصله وعروقه |
* |
وكل كريم فرعه ونباته |
وإنسان عين الكون سر وجوده |
* |
وواحده المجموع فيه شتاته |
وشافع يوم الجمع في الفصل وحده |
* |
إذا زاغ من هول المقام ثقاته |
محمد المبعوث بالنور والهدى |
* |
وممجد من أحسنت عليه هناته |
وأدم بل شيث ونوح وصالح |
* |
وهود وإبراهيم جلَّت وصاته |
وإدريس في أهل السماء وخالق |
* |
من الطين طيرًا قد علت وطآته |
وذلك روح الله عيسى ابن مريم |
* |
بشير بمن أخلى الديار فواته |
ولوط وإسمعيل واليسع الرضا |
* |
ويونس إذ نادى وطابت نجاته |
وإسحق بل يعقوب مع يوسف الذي |
* |
برهانه برت به عزماته |
وذو الكفل والأسباط ثم شعيبهم |
* |
وأيوب نعم العبد تم ثباته |
وموسى كليم الله والمخلص الذي |
* |
بإخلاصه تمت له كلماته |
وهارون والعبد المخصص فضله |
* |
سليمان ذو الملك الكثير شياته |
وذو الأيد داود المنيب لربه |
* |
ومن عبرت عن وجده عبراته |
كذا زكريا الخفي نداؤه |
* |
وذاك نداء تستطاب صلاته |
ويحيى وإلياسين ثم عزيرهم |
* |
وإلياس بل لقمان بل ملهماته |
كذلك ذو القرنين والخضر الذي |
* |
على أظهر الأقوال صحت حياته |
وسيد سادات الصحابة كلهم |
* |
وسباق فضل فضلت درجاته |
وأول مدعو أجاب إلى الهدى |
* |
لأول داعٍ تستجب دعواته |
أبو بكر الصديق فخر محمد |
* |
خليفته بل سيفه وقناته |
وفاروق بدر الحق ثانيهم |
* |
وعثمان ذو النورين عزت ذواته |
وصهر النبي المصطفى وابن عمه |
* |
علي علت فوق السماك سماته |
وسائر أصحاب النبي وآله |
* |
وأزواجه الأطهار ثم ثقاته |
وجملة أهل البيت بيت نبينا |
* |
وأبناؤه الأنوار ثم بناته |
وذرية الزهراء صفوة هاشم |
* |
سلالة سيف الله حقًّا حماته |
وعما رسول الله حمزة أسده |
* |
وعباسهم ما زال يرعى رعاته |
كذا حسن سبط النبي وصنوه |
* |
حسين وزين العابدين نباته |
وباقرهم بل صادق النقد منهم |
* |
وموسى ابنه ثم الرضا ورضاته |
وأتباع أصحاب النبي على الهدى |
* |
وأتباعهم جادتهم غدواته |
أمة حق مهتدون بربهم |
* |
هداة لخلق الله جلت هداته |
وقوم لهم من صادق العزم والولا |
* |
ومن خالص النور المبين زكاته |
أأمة صدق قائمون بربهم |
* |
وأشياخ حق عظمت حرماته |
هداة دعاة مصطفون عليهم |
* |
جلال من المولى مجل صفاته |
صفوا ثم صوفوا فاصطفوا ثم صوِّنوا |
* |
بما اتصفوا منه فهم صفواته |
فولَّاهم المولى أخص ولاية |
* |
رآها على التخصيص منه ولاته |
فمنهم إمام الزاهدين ابن أدهم |
* |
وذو النون من بصبر اشتدت نداآته |
ومنهم فضيل فضله غير مختفٍ |
* |
ومعروف امتدت به سكراته |
ونعم سري ثم بشر وحارث |
* |
وطائيهم مشكورة خلواته |
وصاحب بلخ وشيخها وإمامها |
* |
شقيق بن إبراهيم برت غزاته |
وصاحب بسطام إما الهدى أبو |
* |
يزيد توالت بالهدى بسطاته |
وسهل بن عبد الله طاب حديثه |
* |
له حضرات قدست حضراته |
وأكرم بدارانيهم وبحاتم |
* |
ويحيى بنيسابور كانت وفاته |
وشيخ خراسان ابن خضرويه الذي |
* |
له همة تذكو بها عزماته |
وشيخ دمشق الشام أحمد بعده |
* |
أبو حفص الحداد قل التفاته |
كذا شيخنا البحشي وابن حبيبهم |
* |
زهادته تمت بها مؤثراته |
وأحمد جاسوس القلوب ابن عاصم |
* |
وواعظهم منصور طابت عظاته |
وحمدون والشيخ الجنيد إمامهم |
* |
وسيدهم سادت به طبقاته |
كذلك أبو عثمان ساكن حيرة |
* |
وثوريهم قد أعززت عبقاته |
كذا أحمد الحلاج أيضًا وتلوه |
* |
رويم له بر ما قليل رماته |
ومن بلخ الفضل بن حفص جلاله |
* |
محمد المنفي عنه نفاته |
وفي أحمد الرقاق للقوم حجة |
* |
وعمرو بن عثمان أينعت هماته |
وسمنون والبسري والملك الذي |
* |
بكرمان يسمى شاه شاعت أناته |
ويوسف وهو ابن الحسين وعنده |
* |
ترمد شيخ قدست منشآته |
محمد الفتاق فيها وبعده |
* |
أبو بكر الوراق منها انصلاته |
ومن أحمد الخراز هبت نسائم |
* |
بدجلة لما بكرت نسماته |
وثم إمام مغربي مهذب |
* |
على طور سينا طولت سنواته |
تورع مما يأكل الناس كلهم |
* |
وأغناه من بعض النبات فتاته |
فذاك ابن إسماعيل وهو محمد |
* |
وكنيته مشهورة وكناته |
ومن أهل طوس أحمد بن محمد |
* |
سليل لمسروق زكت سرقاته |
ومن أصفهان الفرس في أرض فارس |
* |
على سهل سهلت طرقاته |
ومن أهل بغداد الحريرى والذي |
* |
هو ابن عطاء بوركت نشواته |
وبالري للخواص قبر مشيد |
* |
تضيء بإبراهيمه جنباته |
كذاك عبيد الله خرازهم له |
* |
بهالمنشأ طابت به نشآته |
كذاك بنان الواسطي وقبره |
* |
بمصر وقد بانت بها حلاته |
وبزاز بغداد أبو حمزة الذي |
* |
قراءته دلت عليها رواته |
وسار أبو بكر عشية واسط |
* |
إلى مرو حتى كان فيها وفاته |
وساق من الدينور عزم ابن صالح |
* |
إلى مصر إذ في مصر كان بياته |
كذا الحر إبراهيم بالرقة التي |
* |
ترقى بها حتى فشت مكرماته |
وممشاد بل حبر ومما يليهما |
* |
أبو حمزة ما خبئت سكناته |
وشبلينا قد طال في الطول عمره |
* |
ومرتعش قد أغرست رعشاته |
كذا الروذباريان وابن مبارك |
* |
منازلهم تعلو بها منزلاته |
وشيخ ثقيف وهو كنيته أبو |
* |
علي تعالت في العلى نزلاته |
وساكن تينات أبو الخير عصمة |
* |
لمعتلقيه لم تخب نهضاته |
وبارك بكتابهم شيخ عصره |
* |
أبو بكر ابيضت به مدركاته |
كذا النهرجوري الوديع بعده الـ |
* |
ـمزين منهم زانه روعاته |
وبالحسن بن الكاتب الندب لذ فمن |
* |
مظفر قرميسين لاذ عناته |
وأكرم بعبد الله أعني بطاهر |
* |
وبابن بنات طهرت فضلاته |
وأعظم بإبراهيم أعني به الفتى ابـ |
* |
ـن شيبان شابت في الهوى قسماته |
وعالمنا هذا ابن بردانيا وقد |
* |
تنارت إلينا بالهدى نيراته |
وهذا إلى الأعرابي نصرته غدا |
* |
بمكة بالبطحاء تزهو رفاته |
وهذا أبو عمرو رحاجينا كذا |
* |
بمكة أيضًا عفرت وجناته |
وجعفر الخلدي طاب مقامه |
* |
وطابت لسيار بهم سرواته |
وصاحبنا الدقي للشام سار من |
* |
حويشيه الدينور سر سراته |
وأحبب بعبد الله رازي نجدنا |
* |
وبابن مجيد لا زرت نجداته |
وبوشنج فيها للفتوة مرصد |
* |
أبو الحسن المحسان عفت عفاته |
وابن خفيف ثم بندار بعده |
* |
تعلق من قد ثقلت بدراته |
وجاء الطمستاني يسعى بهمة |
* |
لينجد من أودت به عثراته |
وقام أبو العباس أحمد جاهدًا |
* |
يدور على الدينور نادت جهاته |
ومن بطن أرض الغرب جاء مشرِّقًا |
* |
سعيد بن سلام زمت سلماته |
ونحو نصر آباد ساق مقتربًا |
* |
لمكة إبراهيم حادت حداته |
وساكن بغداد المهذب أصله |
* |
أبو الحسن الحصري أردت سقاته |
ومن بعده شيخ تقدم ذكره |
* |
إلى حاله من دود بان نماته |
وأستاذنا الدقاق والسلمي وليـ |
* |
ـث جهضم والقصار هم نظراته |
وأحمد بالدينور والصيرفي من |
* |
دويرة نيسابور دارت حلاته |
وخشاب نيسابور والمغربي وهـ |
* |
ـو منصور المشهور جادت حلاته |
كذاك أبو سعد لما لين بعده |
* |
أبو طاهر قد أسعدت حركاته |
ومثبتهم في أصل إملائه كذا |
* |
مرتبهم لا غيرت مثبتاته |
أبو القاسم الشيخ القشيري إنه
|
* |
إمام هدى عم الورى بركاته |
وأعيان سادات الشيوخ جميعهم |
* |
وأتباعهم ما استحكمت جذباته |
وأربعة الأملاك أملاك ذي العلا |
* |
أكابره شيخانهم وقضاته |
فقدم إسرافيل فهو سريهم |
* |
وثن بجبرائيل عزت سراته |
وثلث بميكائيل قدس شأنه |
* |
وأخر بعزرائيل إذ هم سعاته |
كذاك الكروبيون أهل خصوصه |
* |
من الملأ الأعلى علت وطناته |
وكل مكين عند ذي العرش منهم |
* |
وكل أمين مكنت نطواته |
وسيلتي العظمى إلى الله هذه |
* |
أكرم بها فتى يجري ثباته |
فما حملت أجري صوابًا كمثلها |
* |
ولا فصلت إلا بها مجملاته |
فطوبى لعبد وفق الله حاله |
* |
لنائلها واستصغيت دعواته |
ألا يا إلهًا بوركت حضراته |
* |
ويا سيدًا طابت به طيباته |
ويا واحدًا فردا قديمًا موحدًا |
* |
ويا صمدًا لا يقبل المثل ذاته |
ويا قائمًا حيًّا مريدًا وعالمًا |
* |
ويا قادرًا قامت به محدثاته |
ويا باقيًا يا دائمًا متكلمًا |
* |
سميعًا بصيرًا لا تُحَدُّ صفاته |
ويا حي يا قيوم يا حق يا معيـ |
* |
ـن ويا نور جلت قدسه سبحاته |
أجرنا بها مما هو الفضل بل بما |
* |
هو الفضل حسب الفضل أجزت زكاته |
وصلنا بما أوصلت بك بل بما |
* |
وصلتهم مما يخص صلاته |
وعم وخص الكل بالكل إنه |
* |
لك الكل والكل القليل عناته |
وأشياخنا الوالدين وصحبنا |
* |
وإخواننا كل عنت لزماته |
وأولادنا والأهل والرحم التي |
* |
شققت لها اسمًا منك غاب نجاته |
وأزواجنا والله يدبر بحبنا |
* |
وأحبابنا والجار يحمي حماته |
وموصٍ ومستوصٍ بخير ومحسنًا |
* |
إلينا ومن سبقت لنا حسناته |
ومن بفضل منك لكل كلهم |
* |
وجود وإحسان تعم حداته |
وعفو وغفران وتكفير زلة |
* |
وقرب رضوان يخص حداته |
وكل منى في نيله منك زلفة |
* |
أملناه بالزلفى فإنا جناته |
وزد أحمد الرداد فضلًا مخصصًا |
* |
بمغفرة تمحى بها سيآته |
وإن منح فاضت بها لك أنعم |
* |
فنعمه فيها إنها مواساته |
وآنسه بالرضوان من وحشة القلا |
* |
ومن قلق الهجران أنَّت نجاته |
وصل على من صلت الرسل خلفه |
* |
وصلت عليه فانتهت صلواته |
وسلم وبارك ثم صل عليهم |
* |
جميعًا وسلم كي تعم صلاته |
وسائر إخوان النبي وآله |
* |
وأصحابه آلت إليهم صلاته |
ورضوانك اللهم منك ختامها |
* |
تعطر أشياخ الهدى نفحاته |
المصدر : محمد محمد محمد شمس الدين الصغير، الجوهر الثمين في آداب المشايخ والمريدين، المطبعة العامرة الشرقية، 1314هـ، ص 26-32.