كان السلطان القضائي على فروع الطريقة الأحمدية ، والتي كانت تعرف أصلًا باسم بيوت (أي أقسام فرعية من طريقة)، مع وجود درجة ما من الاستقلال الذاتي- يمارس بمعرفة الخلفاء، بضريح سيدي أحمد البدوي في طنطا، على مدى قرنين ونصف القرن من الزمان عقب وفاته، وحدث تغيير في أوائل القرن الخامس عشر، عندما أصبحت سلطة رؤساء خمسة من هذه البيوت على أعضائها، وهي السلطة التي كانت قد تواجدت كأمر واقع لبعض الوقت، معترف بها كأمر شرعي قانوني من جانب خليفة المقام «عبد المجيد»، وقد كتبت «حجة» في هذا الشأن، وتم التوقيع والتصديق عليها بمعرفة عدد من أصحاب المقام الرفيع، المرتبطين بالضريح الأحمدي والمسجد الأحمدي؛ فخلق هذا الإجراء أساسًا رسميًّا لتواجد هذه البيوت الخمسة، وهي: الكناسية، والمنايفة، والمروزقية، والإمبابية، والسلامية، والتي أطلق عليها جميعًا اسم «البيت الكبير»، وهناك طرق أخرى انبثقت عنها مع مرور الوقت؛ مثل: الجلبية، والزهيدية، والشناوية، والسطوحية، والبيومية، والحمودية، والشعيبية، والتسقيانية. وفي بعض الأحيان يشار إلى الأربعة الأولى منها، على أنها «البيت الصغير».
وفي بداية القرن الثامن عشر، حصل شيخ المرزوقية، على مركز السلطة العليا، على كافة الطرق الأحمدية في مصر؛ بالإضافة إلى السلطة على الأضرحة الأحمدية؛ إلا أن بعض القيود الجغرافية قد فرضت على سلطته، ولم ترفع تلك القيود رغم التأكيد من وقت لآخر على شرعية هذه السلطة وممارستها، ولقد ظلت السيطرة الفعلية حتى على أهم الأضرحة، وهو ضريح أحمد البدوي في طنطا -والتي كانت قد منحت للمنحدرين من سلالة محمد الشناوي (ت 932 هـ - 1526 م)، وهو أحد الخلفاء الأوائل لأحمد البدوي منذ منتصف القرن السادس عشر- معهم، رغم أنها من الناحية القانونية، كانت قد منحت لرئيس المرزوقية.
إلا أن رؤساء هذه الطريقة -وبسبب قربهم من القاهرة- تمكنوا من فرض سلطتهم، وجعلها أمرًا واقعًا تمامًا، وكانوا على ما يبدو أقوياء على نحو يسمح لهم بالتدخل في الإشراف على الأضرحة في إقليم الجيزة؛ بل وسمح لهم هذا الوضع بالإشراف على ضريح إسماعيل الإمبابي مؤسس الإمبابية، بل وتعيين أشخاص للإشراف على هذا الضريح، ليست لهم روابط مع هذا الشيخ ولا مع طريقته؛ وبذلك أثار هذا الموقف المنافسة والصراع بين رؤساء الإمبابية والمحافظين على الضريح، واستمر هذا الوضع حتى القرن العشرين، وجميع هذه الطرق الأحمدية -التي كان يعرف رئيسها الأعلى باسم شيخ السجادة- قد اشتركوا جميعًا في هذه الأمور:
- أنهم أسسوا الطرق لسنوات عديدة.
- وسيطر رؤساؤهم على الأضرحة.
- وكانوا يستفيدون من الدخل الإجمالي للأوقاف.
- ويمارسون النظارة على الأوقاف، التي أصبحت وراثية بين عائلاتهم الخاصة بهم.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 15-16.