كان اصطلاح شيخ السجادة، ينطبق على قادة البكرية والعنانية والخضرية والوفائية، الذين يرجعون أنفسهم إلى أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب والزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب على التوالي.
وقد تكلمنا على ذلك بشىء من التفاصيل فى موضوع (السجاجيد الشريفة - أرباب السجاجيد - مدخل عام)
1- السجادة البكرية وزعماؤها:
إن النفوذ والسلطان على سلالة أبي بكر الصديق في مصر، قد مارسه أبناء سلالة محمد جلال الدين البكري، الذي استقر بالقاهرة في عام 841هـ «عام 1437/ 1438م» كأول شخص في هذا الفرع من الأشراف، وعندما وصل محمد شمس الدين الملقب بـ "أبيض الوجه" إلى مرتبة الشخصية العليا في هذه الأسرة؛ حولت نفسها إلى جماعة صوفية، تفتح الطريق أمام انضمام أعضاء جدد إليها، أو حولت نفسها إلى طريقة صوفية، وكان "أبيض الوجه" قد دخل في عضوية بعض الطرق الصوفية مع أداء الشعائر الخاصة بها، ولكنه تمكن من تأليف ما يمكن أن نسميه إن صح التعبير "طقوس دينية متميزة"، على رأسها «حزب الفتح»، ويعرف أيضًا باسم «حزب البكري»، تلك الطقوس التى صارت تميز السجادة البكرية عن غيرها من السجاجيد والطرق الصوفية الأخرى.
وكانت قراءة هذا الحزب من الواجبات الضرورية الملقاة على عاتق تلاميذه وأتباعه؛ ومن ثم فقد أضفى هذا الحزب على تلك الجماعة الدينية طابعًا متميزًا واضحًا، وبمرور الوقت ظهرت مهام عديدة مرتبطة بوظيفة القيادة العليا لهذه الجماعة، ومن بين هذه المهام: القيام بإدارة شئون الأوقاف ومراجعتها، علاوة على الإشراف على بعض المزارات المقدسة والأضرحة، مع الحق في تعيين الحكام والمحافظين، وأصبح لشاغل هذا المنصب الحق في الحصول على المنح الحكومية، ومعاشات التقاعد والرواتب.
ويبدو أن اصطلاح شيخ السجادة لم يحقق انتشارا واسعًا، من حيث هو اصطلاح يرمز إلى المهام المعقدة قبل نهاية القرن السابع عشر، فلقد ظهر هذا الاصطلاح لأول مرة فيما يتعلق بسلالة أبي بكر الصديق، في كتاب «الرحلة» الحديث نسبيًّا، وهو كتاب مشهور كتبه الشيخ العلامة الإمام عبد الغنى النابلسي.
ويحكي لنا الشيخ النابلسى : كيف أن شيخ السجادة البكرية محمد بن أبي المواهب (1125 هـ/ 1713 م) أخبره أثناء زيارته للقاهرة في عام ( 1108 هـ / 1696 م): أنه قد منح هذا المنصب عن طريق والده وسلفه محمد بن أبي السرور زين العابدين (1078 هـ / 1676م)، بحضور «العلماء» الأفاضل البارزين، وكان من الواضح أن هذا الإجراء قد قصد به منع الخلافات والمنازعات بشأن الخلافة»، ونفس هذا الإجراء قد لجأ إليه -فيما بعد- اثنان من مشايخ البكرية؛ هما: أحمد بن عبد المنعم (1153هـ/ 1740- 1741 م)، ومحمد أبو السعود (1227هـ/ 1812م)؛ حيث وضع كل منهما الترتيبات الضرورية الخاصة بالخلافة قبل انتقالهما إلى رحمة الله.
وبيدو أن المدة القانونية لهذا المنصب، كانت تتوقف على مدى إذعان الجماعات المشار إليها سابقًا، فالممارسات القانونية المتعلقة بهذا المنصب، كانت تتم في حالة إذا ما كانت ادعاءات الشاغل الجديد للمنصب، تلقى الاعتراف من جانب قاضي القضاة عقب التسجيل القانوني في سجلات المحكمة، وابتداء من أواخر القرن الثاني عشر (القرن الثامن عشر) فصاعدًا، كان هذا يسبقه منح المنصب عن طريق الوالي، وأول شيخ من مشايخ السجادة البكرية انطبقت عليه هذا الحالة، كان هو محمد أفندي البكري الكبير، الذي منح هذا المنصب في عام (1195 هـ/ 1781 م)، والذي تقلد أيضًا منصب نقيب الأشراف.
2- نقابة الأشراف:
وكان لشاغل منصب نقيب الأشراف العديد من الحقوق والواجبات، فيما يتعلق بالمنحدرين من أسرة النبي، بما في ذلك الحق في معاقبة الأشراف، وتنفيذ العقوبات التي يطالب بها الآخرون.
كما كان له الحق في الحصول على 10% من الديون التي يتم سدادها من خلال تدخله، ومن أهم الواجبات الملقاة على عاتقه، هو فتح سجلات تضم سلسلة أنسابهم، ومساعدة الأشراف في الحصول على حقوقهم، والمراجعة على الأوقاف الخاصة بهم، وتوزيع الريع، والدخول على أولئك الذين لهم الحق في المشاركة فيها.
وكان نقيب الأشراف في إستانبول يعين سنويًّا، أو يعيد تعيين النقيب في كل ولاية؛ ومن أجل هذا كان يتم دفع الهدايا المجزية، وكان الأتراك يحتفظون بهذا المنصب حتى منتصف القرن الثامن عشر تقريبًا؛ حيث حصل على هذه الوظيفة الكبيرة مواطن مصري يسمى أبو الهادي السادات، وبعد وفاته في عام (1168 هـ/ 1754- 1755 م) تقلد هذا المنصب قريب له يسمى أحمد (1762- 1763م)، عندما تنازل عن منصبه لصالح محمد بن أحمد البكري، شيخ السجادة البكرية، وظل هذا المنصب في أيدي الشاغلين لمناصب السجادات البكرية، حتى بداية القرن العشرين باستثناء الفترات التالية: من نوفمبر 1793 حتى سبتمبر 1798، ومن فبراير 1802 إلى فبراير 1816، ومن إبريل 1895 إلى مارس 1903.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 11-13.