نسخة تجريبيـــــــة
جدد حياتك (27): هيا بنا نرسم الخريطةً
بتاريخ: 22-04-2010
 
أصدقائي!!
لقد بدأنا البناء منذ فترة.
بناء الإنسان.
وصناعته وتشييده وعمارته.
حتى يتكون بصورة سوية.
وحتى تتكامل عناصره.
وحتى يتم تركيب قواه بصورة صحيحة منتجة.
وبدون تشوهات نفسية ولا فكرية ولا اجتماعية.
وقد طال بنا الطريق.
وتشعبت بنا المسالك.
فخشيت أن تتبعثر منا الخيوط.
وأن تتداخل عناصر البناء.
فهيا بنا نقف وقفة.
نتذكر فيها خطة البناء.
ونعيد رسم الخريطة.
ونستحضر الصورة الكلية التي نريد تكوينها.
نعم.
فقلد أردنا أن نسير على منهج النبوة في بناء الإنسان.
وفي توازن ملكاته ومواهبه.
فتكلمنا عن العقل.
وأنه ثلاثة أنواع:
العقل السطحي، والعقل العميق، والعقل المستنير.
والنوع الأخير هو الذي يكون عميق الفكر.
دقيق النظر.
صاحب قدرة على التحليل.
ثم إنه يربط كل ذلك بالله تعالى.
وتكلمنا عن القلب.
وأنه ثلاثة أنواع:
قلب ميت، وقلب مريض، وقلب سليم.
والنوع الأخير هو الذي تركبت آلاته على صناعة المقاصد الحسنة.
وعلى كيفية الفهم عن الله.
ثم تكلمنا عن النفس.
وأنها ثلاثة أنواع:
نفس أمارة، ونفس لوامة، ونفس مطمئنة.
ولعل الحديث عن النفس قد طال.
لأنها أخطر المكونات، وأشدها مراوغة وتحايلا.
وأسرعها تأثرا بأحوال الخلق.
وأشدها قابلية للانجراف في مسالك الحياة، وشئون المعيشة.
وهي أيضا ميالة للمحسوسات.
تنقبض عن الغيب.
وتتهالك على المألوف.
وتتقاصر عن الكمال.
ولا تزال رحلة البناء ممتدة.
فإن من وراء المكونات التي ذكرناها مكونات أخرى.
فهناك الروح.
وهي الجناح المحلق في آفاق الربوبية.
لأنها لطيفة ربانية منزلة من حضرة القدس.
وهي التي تهم بالإنسان أن يطير.
وتدفعه إلى الملأ الأعلى.
وتستجيب لداعي الله.
ولنا عنها حديث مفصل إن شاء الله.
وهناك الجسد.
وهو الوعاء الحافظ لكل المكونات السابقة.
وقد جاء الشرع الشريف بمنهج لتنشيطه.
وإكسابه المهارات والخبرات التي تجعله أكثر قابلية للحياة.
ووضع الشرع مسالك شريفة لبنائه وحفظه وحسن استعماله.
ثم إن خطط البناء عندنا لا تزال ممتدة.
فبعد بناء كل إنسان بصورة فردية.
تتبقى عندنا عشرات الخبرات والمهارات.
التي يتمكن بها الإنسان من التواصل مع الوحدات الإنسانية المجاورة.
فينشأ عندنا منهجٌ للبناء الاجتماعي، بعد إتقان الأسس في البناء الفردي.
حتى يوظف الإنسان كل المهارات السابقة في تفاعله وتواصله مع المجتمع من حوله.
وذلك أن الإنسان لا يتحرك في فراغ.
بل هو كائن متحرك في شبكةٍ من العلاقات.
وفي شجرةٍ من التفاعلات الاجتماعية.
التي تنشأ منها سلاسل القرابة.
وشبكة الصداقات والمعارف.
وشبكة مؤسسات المجتمع في كافة أنشطته.
ثم هناك شبكة علاقات ذلك المجتمع بغيره من الحضارات، والثقافات، والأمم، والشعوب.
ففي منهج النبوة خطوات متعاقبة.
لبناء الإنسان في كل تلك المستويات.
الاجتماعية والفردية.
وهذه الشبكة من علاقات الإنسان شبكةٌ طوليةٌ أفقية.
تتقاطع معها شبكة أخرى رأسية.
من تعامله مع عالم الملائكة.
وعالم المفاهيم.
وعالم النبيين والمرسلين.
وعالم الغيب والشهادة.
وعالم الملك والملكوت.
وسلسلة الأوامر والنواهي الصادرة من الحق جل شأنه.
وسلسلة الآداب، والقيم، والنظم.
ومعارج المعارف الإلهية، والمراقي الربانية.
التي تجعله عبدا ربانيا.
ينظر بنور الله.
ويدير كل ذلك بما يزيده قربا من مولاه.
حتى لا ينغمس في ذلك، فينجرف في الحجب والظلمات والأكدار.
وحتى لا تطمسه التحركات الهائلة السريعة المتشابكة المتقاطعة.
لعالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار.
فتكون حجاباً يفصله عن المولى جل شأنه.
وعندما تتقاطع مسارات المعارف والتكاليف والحقائق والمفاهيم.
مع مسارات البشر، وفصائل المجتمع، ومؤسساته، وأطيافه، وتوجهاته.
تنشأ التيارات، والمناهج، والفلسفات، والاتجاهات.
مع العلاقات البينية التي تربط بين كل تلك العوالم المتداخلة.
فيقع الإنسان في متاهة أخرى.
تحتاج إلى بصيرة.
وتحليل.
واستعانة بخبرات الثقات من أهل العلم والمعرفة والربانية.
والمؤتمنين على عقول الخلق وقلوبهم.
وتزداد حاجة الإنسان إلى أوقات سكينة وفكر وتأمل.
وإعادة بناء وترميم وصيانة
لكل جزئية قلقة من هذه المملكة الإنسانية العريقة.
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ
بِوَاحِدَةٍ
أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ
مَثْنَى وَفُرَادَى
ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)
[سبأ:46].
ومن تَشَبَّعَ بمنهج النبوة.
وامتلأ من ينابيعه الصافية.
وفهم أبعاد المنهج الإلهي.
استطاع أن يأخذ بزمام كل شيء.
وأن يهضم كل ذلك ويستوعبه.
ويؤثر فيه.
ويوجه مساراته.
واستطاع بفضل الله أن يحكم قبضته على كل شيء.
فلا يتفلت منه شيء.
بل يكون حكيما.
مُنَوَّرَ البصيرة.
فتنتظم أموره.
وترتفع قواعد بنائه.
على تقوى من الله ورضوان.
وتتصاغر أمامه الهموم الحياتية التافهة.
التي تضيع فيها أعمار الناس من حوله.
وعون الله تعالى هو الدليل في كل ذلك.
وصدق الاستمداد من الله هو المفتاح في الحقيقة.
إذا كـان عـونُ الله للعبد واصــلا     أصابت مساعيه، وشاع وِدادُهُ
وحالفه التوفيق في كُلِّ مَطْلَبٍ     ودَانَتْ له الــدنيا، وقَــــرَّ فُؤَادُهُ
وكانَتْ له الأكوانُ عَوْنًا وساعَدَتْ    وكــان حـــكيمًا فِكْرُهُ واقْتِيَادُهُ
وعــاد إلى المــولى نَجِيًّا مُنَـوَّرًا     وكان على لُطْفِ الإله اعْتِمَادُهُ
فيا صديقي الكريم.
هذه هي الخريطة الكاملة.
لبناء الإنسان.
ولصناعة النموذج الرباني.
الذي يرث النبيين.
ويفتح أبواب الأمم والحضارات من حولنا.
إلى رؤية مقاصد هذا الدين.
وقد تجسدت إنسانا سويا.
يصنع الحضارة.
ويبني الوطن.
ويكون رحمة للعالمين.
وقد انتهت بنا المسيرة فيما سبق إلى ذكر لمحات من أحوال النفس.
وتبقى لنا لمحة أخيرة.
ننتقل بعدها إلى بناء الروح.
إلى أن يتم الله تعالى لبنات هذا البناء العريق.
والغواص الماهر.
الذي يغوص إلى جواهر المعرفة.
وإن كانت الأعماق بعيدة.

التقييم الحالي
بناء على 44 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث