نسخة تجريبيـــــــة
جدد حياتك (25): المَنْجَم
بتاريخ: 08-04-2010
 
أرأيتم إلى الأبنية الفخمة الشاهقة.
ماذا كانت؟؟
لقد كانت فكرة هندسية معمارية.
ثم كانت قواعد تمَّ رفعها.
ثم كانت جدراناً تم تشييدها.
حتى استوت في آخر الأمر بناءً رفيعاً.
أرأيتم إلى البحار المتلاطمة.
ماذا كانت؟؟
كانت جداول صغيرة.
وأنهاراً منسابة.
ثم التقت وامتزجت فصارت بحوراً واسعةً.
 أرأيتم إلى البدر المنير.
ماذا كان؟؟
كان هلالاً صغيراً.
ثم لم يزل ينمو ويكتمل.
حتى سطع في صفحة السماء.
وهكذا مضت سنة الله تعالى في خلقه.
أن يبدأ كل شيء صغيراً مفككاً.
ثم ينمو ويكتمل.
وقد قال الشاعر في ذلك:
فالبحر ماذا كان؟؟ كان جداولاً          والبدر ماذا كان؟؟ كان هلالا
وكذلك هذا الإنسان.
أرأيتم إليه كيف كان؟؟
لم يكن شيئاً مذكوراً.
ثم أقبل الله عليه بالإنعام.
وأمر سبحانه أنبياءه ورسله بتشييده.
فأقبلوا على صناعته وفق خطة ربانية.
شديدة الإتقان والإحكام في هندستها ومعمارها.
حتى برز ذلك الإنسان بناءً عريقاً سوياً.
امتزجت فيه بحور الهداية.
والتقت فيه الأرض بالسماء.
وامتد وجوده من عالم البرزخ، إلى الحياة الدنيا، إلى حياة أخرى.
يبعث لها بعد الموت.
وأقرب ما يشبه به الإنسان في نظري هو المَنْجَم.
الذي يكون في ظاهره أحجاراً وصخوراً.
ولكنه يمتلئ باطنه بالكنوز والجواهر.
والمعادن النفيسة.
التي لا يُستفاد منها إذا بقيت على حالها.
بل لا بد من حفر وتنقيب.
واستخراج لتلك المعادن.
ثم لا بد من تعب شديد في صناعتها وتعدينها.
بل لا بد لها من أن تصهر بالنيران حتى تخرج منها الشوائب.
ثم يتم تصنيعها وتشكيلها.
فتعبر على مراحل كثيرة من الحفر، والتنقيب، والاستخراج، والصهر، والتصنيع.
حتى تكون نافعة.
وكذلك الإنسان.
حيث يقف أنبياء الله على تلك المناجم.
وهم خبراء التنقيب.
فيحفرون، وينقِّبون.
حتى يستخرجوا أَنْفَس ما في تلك المناجم الإنسانية.
ثم يقومون -عليهم صلوات الله- بالصهر والتنقية.
وإزالة الخَبَثِ والشوائب.
ثم يقومون بالطرق والسحب والتصنيع.
ثم يقومون بتشكيل تلك المعادن.
حتى تخرج في أبهى صورها.
وأجمل أشكالها وحُللها.
إنساناً سوياً زاكياً.
قد عرف ماذا يكون.
ووعى مراد الله منه.
فقام بأمره ونهيه.
وسعى في الأرض بالعمران.
وأناب إلى الدار الآخرة.
نعم
هكذا صنعوا -صلوات الله عليهم- في النفوس.
وقد صبروا على إزالة الأحجار والركام والصخور.
وصبروا على الحفر والتنقيب.
وما زالوا يرقبون طبائع البشر.
ويزيلون الشوائب.
ويصبرون على متاعب التربية والصياغة والصناعة لذلك الإنسان.
حتى برز الإنسان في أبهى صوره.
حيث تخرَّج على أيديهم الأولياء والشهداء والصديقون والصالحون.
قال خير الخلق صلى الله عليه وآله وسلم:
"الناس معادن
كمعادن الذهب الفضة،
وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام،
إذا
فقهوا".
ولا يبرز بهاء شيء من المعادن النفيسة إلا إذا صهر.
حتى تزول منه الشوائب.
وكذلك النفوس.
لا يبرز نقاؤها وصفاؤها إلا إذا صهرت.
فكيف تصهر النفوس؟؟
لقد جعل الله تعالى لكل شيء في الكون منهجاً لإصلاحه.
فالمعادن تُصْهَر..
والعسل يُصَفّى..
والنفوس تزكى..
فجعل الله تعالى منهج إصلاح النفوس يسمى بالتزكية.
وهو نظير الصهر للمعادن، والتصفية للعسل.
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)
[الشمس:7-9]
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى:14]
فإذا بهذا الإنسان قد بدأ غافلاً.
مظلماً..
جاهلاً..
مليئاً بالعلل والأهواء..
ثم لطف الله به..
وألحقه بالصالحين من عباده.
ورزقه صحبتهم والانتفاع بهم.
حتى تعرض للنور بالتدريج.
فتزكَّى.
فصار بدراً منيراً.
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
[الفاتحة:6-7]
والبدر ماذا كان؟؟ كان هلالاً.
فيا أيها الإنسان!!!
 لا تيأس..
وسلم نفسك التي بين جنبيك لأيدي أنبياء الله..
فقد تعبوا في التنقيب عنك..
وأخلصوا النصح لك..
وتركوا لك منهج البناء على أيدي ورثتهم..
المؤتمنين على منهجهم..
واعلم أنك مهما كنت مظلماً غارقاً في الأهواء والعلل.
فسوف تكون غداً أو بعد غد بدراً منيراً.
فقط إذا صهرت نفسك.
بالتزكية.
ويا أيها الإنسان!!!
اجعل التزكية شعارك..
وأصلح بها نفسك..
وأكثر من ترديدها بلسانك..
واشغل بها تفكيرك..
وابحث عن خطواتها وإجراءاتها..
واسلك سبلها..
وأكثر من الضراعة إلى رب العزة جل شأنه
أن يفيض عليك من أنوار معرفته..
ما تتزكى به نفسك.
ولا تمل ولا تيأس من صعوباتها ومشاقها..
فالتزكية صهرٌ
تذوب فيه النفوس في نيران التهذيب.
وما هي إلا أيام من التعب
ثم تنجلي المحاسن
وتظهر لك العواقب الحسنة
والله حفيظ عليك..
وهو سبحانه الولي الحميد.

التقييم الحالي
بناء على 50 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث