نسخة تجريبيـــــــة
جدد حياتك (19): المأساة
بتاريخ: 20-02-2010
 
النفس..
قوة من القوى، التي تركبت مع القلب والعقل والروح والجسد.
ومن مجموع ذلك كله يتكون الإنسان.
وللنفس وظيفة واختصاص.
كما أن للقلب وظيفة، وللعقل وظيفة، وللروح وظيفة.
ومن مجموع تلك الوظائف يتحقق دور الإنسان في الوجود.
وقد ركب الله تعالى النفس في الإنسان لتقوم بوظيفة مهمة جدا.
وهي أن تذكر الإنسان وتدفعه إلى جمع ما تتحقق به الحياة.
من المأكل والمشرب والملبس والمركب وغير ذلك.
فهي دائما أبدا ما تقوم بتذكير الإنسان باحتياجاته.
فتدفعه إلى الحرص على تحصيل الطعام حتى يدفع الجوع.
وتدفعه إلى تحصيل الملبس الحسن حتى لا يتعرى.
وتدفعه إلى تحصيل المال اللازم لشراء متطلباته.
ولا تزال أبدا مسلطة على الإنسان.
بغرض تنبيهه إلى السعي في جمع تلك الأمور.
وتحقيق الوجود وحفظ الجسد.
ولولاها لوقع خلل كبير.
ولأخلّ الإنسان بجمع الاحتياجات الضرورية لقوام الجسد.
الذي هو الوعاء الحافظ لكل قوى الإنسان.
فكانت وظيفة النفس في الحقيقة هي أن تقوم بدور الخادم.
الذي يسعى ويجتهد في تأمين حياة الجسد.
ودفعه وتذكيره بمتطلبات بقائه.
حتى إذا ما تم ذلك تفرغت بقية القوى من العقل والروح والقلب للقيام بوظائفها.
فالنفس ركبت في الإنسان أصلا لتقوم بوظيفة الحرص على جمع أسباب الحياة.
ومتطلبات البقاء.
وبالتدريج.
يقع الخلل.
فتنتقل النفس من التذكير بالقدر الضروري الذي تتحقق به الحياة ثم تفسح المجال لبقية القوى لتدفع الإنسان إلى الرشد والكمالات.
فتنتقل من ذلك إلى التأنق في الانتقاء.
والمبالغة في الجمع.
والتعمق في الحرص.
فيتحول الأمر من سد الجوع إلى الشبع الزائد.
ومن الملبس الجيد إلى السرف في جمع الملابس.
ومن هنا تبدأ المأساة.
فإن الإنسان إما أن يتربى على القيام بدورٍ من الرقابة الصارمة على النفس.
ومقاومة انبعاثها وتعديها.
حتى تبقى في مكانها.
وتقوم بدورها المحدد.
ولا تتجاوز مهامها ووظائفها التي هي خدمة الجسد.
وإما أن لا ينبهه أحد إلى ذلك.
ولا يتربى أصلا على مراقبة النفس وتهذيبها.
فتخرج بالتدريج عن حد الاعتدال.
ولا تقتصر على القيام بوظيفتها المحددة.
بل يحصل تحول خطير.
وانقلاب مروع.
فتتحول من الحرص على تحصيل متطلبات الحياة.
إلى الشره.
والتهالك.
والاندفاع.
والإسراف الشديد.
والولع بأغراضها وأطماعها.
ويتحول الأمر من حرص على طعام يسد الجوع.
من أجل أن يتفرغ العقل للفكر.
والقلب لمعرفة المولى سبحانه.
إلى شره ونهم شديد بالطعام.
وتفنن في أنواعه وأصنافه.
وانتقاء أجود أنواعه وأغلاها.
ويتحول الأمر كذلك من حرص على الملبس الجيد الراقي.
الذي يحفظ كرامة الإنسان.
إلى شره شديد في انتقاء الملابس.
وملاحظة شديدة لأمر الملبس.
تطغى على اهتمامات الإنسان.
وتستحوذ على تفكيره.
فتنحصر مقاصد الإنسان في الملبس.
ويتحول الأمر كذلك من حرص على جمع المال الذي يحقق حياة كريمة راقية.
ليصير جمع المال هدفا وحيدا يملك على الإنسان حياته.
ويرتكب من أجله فنون الحيل.
والاختلاس.
والمقامرات
والنهب.
وبالتدريج
فإنها تأخذ بزمام قيادة الإنسان.
وتنقلب على القادة والمفكرين (القلب والعقل)
لتصير هي القائد الذي يسخِّر كل قوى الإنسان لتحقيق أغراضه.
وبالتدريج تضمر بقية القوى الإنسانية الشريفة.
ويمر الإنسان بحالة من الصراع الداخلي.
ما بين قلب يحاول أن يحافظ على توجه الإنسان إلى الله.
وعقل يحاول أن يبقى مستنيرا.
يقود الفكر إلى الله.
وما بين تلك النفس التي امتلأت بالطمع والشره والفساد.
وقد تطاولت وتمددت.
وقامت بانقلاب.
استولت فيه على مراكز القيادة.
وبدلا من أن تقوم بدور الخادم للعقل والقلب والروح فإنها تستعمرهم.
وتحولهم إلى خدمة أغراضها.
والتخطيط لتحقيق طموحاتها وأطماعها.
التي لا تنتهي.

وربما نجحت النفس في ذلك.
وقامت بتقييد العقل والقلب والروح بالأغلال والقيود.
وألقتهما في سجن ضيق.
وفي جانب مهمل.
وتفرغت هي لقيادة الإنسان.
لكن يبقى هناك احتمال لتحرر القلب والعقل والروح من الأسر.
ورد النفس إلى صوابها.
وربما حصل ما هو أشد في المأسوية
حيث تكون النفس أقوى.
وتكون ضراوتها أشد.
فتعكس عمل العقل والقلب.
وتحولهما إلى التخطيط والتفكير في كيفية بلوغ مآربها.
فيندفع الإنسان بكل قواه وملكاته إلى الفساد.
والشره في الطعام.
والسرف الشديد في أغلى الملابس وأفخمها.
والسعي بكل الوسائل والسبل المتاحة وغير المتاحة إلى جمع المال.
حتى يتحول المال إلى هدف في ذاته.
وحينئذ.
ينشأ أثر آخر في غاية الخطورة.
ألا وهو انحراف المزاج.
والتقلبات الحادة في المشاعر والانفعالات.
والطغيان والتسلط على الآخرين.
وانفتاح شراهة النفس وأطماعها من غير حدود.
وانطماس بصيرة الإنسان.
حتى يتحول إلى كائن متسلط.
في غاية من الطيش والبطش.
وتمتلئ النفس بعدها بالعلل الخيالية.
من نحو التعالى.
والغرور.
وعبادة الذات.
والجبروت.
وفي كل هذا السياق المرير
الناشئ من عدم تهذيب النفس وقمعها وردها إلى حجمها.
تغيب المقاصد الربانية
التي خلق الإنسان من أجلها.
وينفصل الإنسان عن هدي الأنبياء والمرسلين.
ولا يحقق مفهوم العبودية للمولى جل شأنه.
ويحجب عن القرآن..
وعن هداية الخلق..
وعن وراثة النبيين..
وينسى الدار الآخرة تماما.
وإذا سار الإنسان في هذا السياق.
وانتهى به الأمر إلى ذلك الحد.
من التقلبات الحادة في المشاعر والانفعالات.
والتسلط على الآخرين على نحو مأسوي.
فقد نشأ عندنا نموذج الملك هنري الثامن.
هل تعرفونه.
سأحدثكم عنه في لقائنا المقبل بإذن الله.
فإلى لقاء،،،

التقييم الحالي
بناء على 43 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث