نسخة تجريبيـــــــة
جدد حياتك (16): حتى يسعفك الدليل
بتاريخ: 14-01-2010
أرأيت لو أنك على سفر.
وأن سفرك هذا بعيد.
وطريقك فيه صعب.
يمتلئ بالصحارى، والجبال، والوديان، والبحار، والصخور، والعثرات.
ومفارق الطرق.
التي تشتبه، وتتداخل.
وكل طريق منها يفضي إلى غاية مختلفة.
فإن سلامتك وأمانك.
ووصولك إلى مقصودك.
يعتمد على وجود الدليل.
الماهر المحنك.
الخبير بالطرق.
الواسع الحيلة.
العميق العلم.
البصير بمقصدك ومرادك.
الذي يسلك بك مسالك السلامة.
وينجو بك من التخبط في الصحاري الموحشة، والطرق المهلكة.
ويوصلك إلى مقصودك من أقرب طريق.
والدليل الذي ينزل منك هذه المنزلة.
ويقوم معك بهذه المهمة.
في سيرك إلى الله تعالى.
ويخوض بك الطرق الوعرة المشتبهة.
ويبصّرك بالمزالق.
ويجلب لك في سفرك أطيب الزاد.
ويربطك بأشرف المطالب.
مع كمال الحرص والشفقة عليك.
وتمام النصح لك.
هو القلب.
القلب السليم.
وإنما يكون القلب كذلك.
إذا أُغلقت أمامه منافذ السوء.
وحُفظ من موارد الشهوات والشبهات.
وتحولت عنه تلك السيول المنهمرة من المادية البحتة.
فسلم مما يضعفه، ويجلب له العلل.
ثم تحلى بالشفافية والرقي.
وعرج في معارج القدس.
وتشرف بأن تتصل أسبابه بالحق سبحانه.
فاستنار بذلك طريقه.
وأُوقِدَ بذلك سراجُه.
وتحلى بالعلم والمعرفة.
وعرف مقاصده التي لأجلها خُلِق.
فساق العبد إليها من أقرب طريق.
واتقى به المزالق، والمسالك المهلكة.
وتضلع من المعارف الإلهية.
التي تملؤه باليقين.
والتعلق بالملأ الأعلى.
والإنابة إلى الدار الآخرة.
وإيثار الدار الباقية على الدار الفانية.
وقام في هذه الدار بالعمران.
ودبّر لها علومها وأسبابها.
وصنع فيها حضارة ونهضة.
وبنى أمة.
ووصل كل ذلك بالله تعالى.
بمثل هذه الأمور يسير القلب في مسالك السلامة.
ويرحل إلى الله على درب النبيين والصديقين.
ثم ألا أزيدك إيضاحا لأشرف أسباب سلامة القلب واستقامته.
معرفة الله تعالى.
حتى يمتلئ القلب بمحبته سبحانه وخشيته.
وتوقيره.
وتعظيم شعائره.
وشهود عظمته وجلاله.
مع دوام إطعام القلب بموارد اليقين.
وتذكيره بشرف معرفة المولى سبحانه.
وإمداده بكثرة الذكر والشكر والفكر.
حتى يذوق القلب شيئا من حلاوة المناجاة.
ويسبح في آفاق الصديقية.
ويمتلئ باليقين.
فينشرح بذلك الصدر.
ويتألق الفكر.
ويستنير الباطن.
وتنبعث منه الأخلاق الزكية.
وتسري من ذلك القلب المنير شعاعات من النور.
تمسّ العقل.
فيستنير إذا تفكر.
وتشمل النفس.
فتتزكى وتتطهر.
ومن نتائج ذلك أن يتحقق العبد بالفلاح في الدنيا والآخرة.
قال خليل الرحمن عليه صلوات الله تعالى وتسليماته: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (*) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
وقد صدق الخليل في ذلك، ونصح للخلق من بعده.
وكان في كل ذلك متكلما عن معرفة.
يصف حالا عاشه وذاقه، وتحقق به.
ورأى ثمرته.
فقد قال الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ (*) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، [الصافات:83-84].
ومن ثمرة سلامة القلب على النحو المذكور..
أن يقوم القلب بواجب التعقل، قال الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)، [الحج:46].
ومن ثمرة تعقّله أن يفهم عن الله تعالى.
وأن تنجلي له أمثال الله وآياته.
وأن يدرك مراد الله تعالى من كتابه.
(وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)، [العنكبوت:43].
ومن ثمرة كل ما سبق أن يتحول الفرد إلى مجمع للكمالات.
ويصير منطبقا على أحوال أهل المعرفة بالله.
ويقوم في مقام الهداية للخلق.
لما استحكم له من سلامة القلب، واستنارة العقل، واطمئنان النفس.
ويصدر عنه الفكر الحكيم المنير.
فيبدع، ويخترع، ويؤمن، ويهدي.
بحيث تحتشد له الفضائل والشمائل.
التي لا توجد إلا منثورة ومتفرقة في أمة كاملة.
فيتحول الفرد إلى أمة
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً
قَانِتاً لِلَّهِ
حَنِيفاً
وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
[النحل:120].
والفرد الأمة هو الذي يحقق مقاصد النبيين.
ويستلهم القرآن الكريم في كل شئونه.
حتى يصير خلقه القرآن.
ويتبحر في الأخذ بعزائم الأمور.
اتباعا وتسننا وتخلقا واهتداء.
وينعكس منه ذلك على من حوله.
وتسري منه تلك المعارف إلى الناس.
ويصبر على تعليم الناس وتبصيرهم.
وينشر بينهم البصيرة والتخلق والربانية.
فيصنع بذلك الأمة الفرد.
التي تكون على قلب رجل واحد.
تسعى بين الأمم بالهداية.
وتشارك في صناعة ثقافة العالم مشاركة قوية فاعلة.
مستلهمة لمنهج الله في الفكر والإبداع.
وتقرب الخلق من الله.
وتكون مظهرا وناقلا للأخلاق المحمدية الشريفة المعظمة.
وتكون رحمة للعالمين.
فتتحقق خيريتها.
وتظهر بركتها
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)
[آل عمران:110].
وحدث ما شئت عن القلب السليم.
وآثاره
وكيفية صناعته.
ووجوه نفعه.
فإنه بحر لا ساحل له.
وفي قاعه من الجواهر والدرر ما لا يتصوره عقل.
وإلى لقاء،،،
التقييم الحالي
بناء على
64
آراء
أضف تعليق