نسخة تجريبيـــــــة
جدد حياتك (15): حتى لا ينطفئ المصباح
بتاريخ: 07-01-2010
أرأيتم لو أننا أتينا بمصباح منير.
شديد السطوع.
يلقي بضوئه ونوره على كل ما حوله.
فيسترشد به الإنسان في رؤية كل شيء.
حتى يحسن التعامل مع كل شيء.
عن معرفة وبصيرة.
وحتى يتجنب التخبط والاصطدام بما حوله.
ثم أهملنا في إمداد ذلك المصباح بالطاقة.
وألقيناه في جانب مهمل.
بحيث ينهمر عليه الغبار.
وتلقى عليه المهملات، والمخلفات، والأتربة.
فإنه يتوارى بالتدريج.
وترتفع حوله الموانع التي تحجب ضوءه.
ويغيب نوره عن أركان المكان.
فيخيم عليه الظلام.
فيصير مأوى ومرتعا للهوام واللصوص.
كذلك القلوب.
حينما تثور عليها عواصف الهوى.
وتهب عليها الرياح العاتية.
المحملة بالغبار الكثيف.
من الأهواء، والشهوات، والشبهات، والأطماع.
وشدة تسارع المغريات، والمُلهيات.
والانهماك في الأحداث الحياتية البحتة.
والإغراق في حركة الحياة الصاخبة.
وأمواجها المتلاطمة.
مع قلة التذكير بالله تعالى.
وخفوت ملامح الجلال والعظمة.
والبعد عن الصادقين الذين يذكرون بالله.
فيطول الأمد.
فتقسو القلوب.
وتنشأ الموانع.
التي تحجب القلب عن الانتفاع والاستمداد والاستجابة لداعي الله.
ويصير القلب مرتعا للأخلاق الباطنية الخفية.
التي يعسر رصدها والانتباه إليها.
والتي تشيع في النفس كالضباب الخفيف.
الذي يشوش الرؤية.
مع دوام هبوب عواصف الأطماع، والتعلقات، والأهواء.
وانبعاث ما في النفس من نزوات.
وانحراف العقل إلى الأفكار الملتوية.
وانعقاد الشكوك والأوهام في آفاقه.
فتنشأ في القلب أخلاق باطنية
شديدة الخفاء.
من مثل الكبر، والحقد، والتحايل، والتحامل، والاستهتار.
فتستحكم بذلك الموانع.
وما أدراك ما الموانع؟؟!!!!!!!
سيقرأ القرآن فلا يتأثر.
ولا يجد أدنى انفعال ولا استجابة لدواعيه.
ويسمع التذكير بالله فلا ينفعل.
بل تصير كل شعائر الدين عنده كلمات مجردة.
يحفظها عقله، ويرددها لسانه.
لكنها مقطوعة تماما عن التنزل على قلبه بالسكينة والحضور.
لشدة الموانع والحجب المخيمة على القلب.
قال الله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف:146].
فكان التكبر مانعا.
يحول بينه وبين الآيات.
وإن وقع ذلك فقد انقطعت صلة الإنسان بمنهج الله أصلا.
فلا يستلهم نوره.
ولا يفهم مراد الله منه.
ولا يستحضر قيمه في صناعة علومه.
وفي بناء حضارته.
أرأيتم خطورة كل ذلك؟!!
أرأيتم كيف تموت القلوب بالتدريج؟!!
أرأيتم كيف تسقط الحصون؟؟
وتحتلها الأهواء
تعالوا إذن لنرى كيف نحطم الموانع.
وكيف نزيل الحجب والأستار.
وكيف ننفض الغبار
لا بد من قرار.
وإرادة.
ورغبة صادقة.
عميقة.
حارة.
متوهجة.
في السير إلى الله.
وفي اجتياز العوائق.
وفي تحطيم القيود.
فإن اشتعلت الهمة.
وامتلأ القلب فجأة بحرارة المحبة والتعلق.
وتوهجت فيه أسرار الإنابة.
وهبت عليه الرياح الطيبة.
المشبعة باليقين.
وبزغت فيه فجأة قوة خارقة، من الاستمساك بالعروة الوثقى.
لا انفصام لها.
وقويت فيه معاني إيثار الله تعالى على ما سواه.
وسالت عينه بدموع حارقة من الندم.
تغسل الباطن.
وتذيب ذلك الجليد.
وتصهر ذلك الجمود والجفاء.
وسطعت فيه الأحوال الشريفة الزكية.
التي طالما تمناها العبد.
من الانعتاق من أغلال الوهن والتراخي.
وتدفقت شلالات العزيمة الصادقة.
فقد انهمر بذلك الطوفان النقي الزكي.
وهطل الغيث الطهور.
المنزل من السماء على القلب.
والذي يجرف القيود والأغلال.
ويغسل الباطن من الغبار.
ورجع الزيت المبارك ليتدفق إلى المصباح.
فسطعت جذوته بعد أن كادت تخبو.
ورجعت أنواره لتبدد الظلمات.
(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا
يُخْرِجُهُمْ
مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)
[البقرة:257].
ثم لا بد بعد كل ذلك من التأكد والتثبت.
من إزالة البقايا الخفية.
التي ربما بقيت في زوايا القلب، هنا أو هناك.
ولا بد من حرث.
وتنقية.
وتهوية
لذلك القلب.
ولا بد من استئصالٍ لتلك التشوهات.
وانتزاعٍ لتلك الأخلاق والمعاني الباطنية الرديئة.
ولا بد من إعادة تنظيف الجدران مما علق بها من أوساخ.
ولا بد من إجراءات عملية لرفع تلك الأنقاض.
وإزالة ذلك الركام.
ولا بد من اقتلاع تلك الجذور.
وتنقية القلب من بذور تلك الحشائش الضارة المتطفلة.
حتى نطمئن تماما إلى إزالة ما ظهر وما خفي من العلل.
وحينئذ يشفى المريض.
ولا ينطفئ المصباح.
فلا بد من:
1- حضورٍ دائمٍ ومستمرٍ وحيّ لجنود الحق.
حتى تُقَوّي القلب.
وتديم تذكيره بالمولى.
2- ولا بد من تهيئة وإعداد وتنقية للقلب الذي هو محل التأثر.
3- ولا بد من توفر شروط المحبة والتعلق.
4- ولا بد من إزالة موانع الأهواء.
وتبديد ضباب الشكوك والأوهام.
وبهذا تتم الخطوات الأربع.
التي لا بد منها.
حتى تزول عن القلب علله.
ويرجع إلى قيادة العبد.
في سيره إلى الله.
وإذا ما تم كل ذلك بتوفيق الله ولطفه ومعونته.
فقد سلم القلب من العلل.
وصدق في إقباله على المولى.
وخالطته بشاشة الإيمان.
وأشرق على العقل والنفس والجوارح.
بأنوار المعرفة العميقة بالله.
واهتدى به الإنسان في فكره ومسيرته.
وفهم مراد الله منه.
وتحققت له البشارة
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ
إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ
بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ)
[الشعراء:88-89]
ولنا مع القلب السليم وقفات.
التقييم الحالي
بناء على
51
آراء
أضف تعليق