نسخة تجريبيـــــــة
جدد حياتك (9): صائد اللؤلؤ (3)
بتاريخ: 28-11-2009
هل أحدثكم عن الغواص الماهر؟
الذي تمّ تدريبه.
واكتمل تأهيله.
ومارس الغوص، واعتاده.
حتى صار متمكنًا من النفاذ إلى الأعماق بيسر وسهولة.
هل أخبركم عن الثمرات والنتائج المترتبة على ذلك؟
سيتعود الصبر والتأني.
وينصرف عن الظواهر والمظاهر إلى الأعماق.
ويعرف مكامن اللؤلؤ.
ومواضع الجواهر.
ويعرف كيف يتوصل إليها، ويظفر بها.
وسيتسع صبره من طول مصاحبته للبحر.
ويتعلم كيف يكون عميقًا كالبحر.
واسعًا مثله.
يمتلئ باطنه وجوفه بالأسرار التي لا يوحي بها ظاهره الهادئ المستكين.
ولا يبوح بكنوزه إلا لمن تعلم كيف يتغلغل إلى الأعماق.
وكذلك العقل المستنير.
الذي تدرّج في مسالك التأمل.
وتعلم كيف يغوص وراء المعاني.
حتى صار متمكنًا من النفاذ إلى الأعماق بيسر وسهولة.
وعرف كيف يتجاوز المظاهر.
ويظفر بالجواهر.
وعرف كيف يرى ما وراء كل كلمة أو شخص أو حدث أو موقف من المعاني والأفكار.
وصار يرى بحور الأفكار.
كيف تمتزج وتشتبك.
وكيف تلتقي وتفترق.
وكيف تتقارب وتتباعد.
فهل أخبركم عن الثمرات والنتائج المترتبة على نشاط ذلك العقل المستنير؟
انتبهوا إذن معي.
سيدرك مقاصد الخلق.
ويفهم سر الحياة.
ويدرك مراد الله منه.
ويعظم شعائر الله.
وسوف تتضح في ذهنه مكوّنات هذا الدين.
ويعرف كيف يقوم بالعبادات على وجهها.
وكيف يغوص إلى مقاصدها التربوية الأخلاقية.
وكيف يتغلغل إلى أسرارها الكامنة فيها.
التي تسري إلى السلوك فيستقيم.
وإلى الفكر فينضبط.
وسوف يتسع مشهده ليرى ما في هذا الدين من عقائد، وأخلاق.
وقيم ونظم.
وعلوم ومعارف.
وسوف يُدرك ما في هذا الدين من مسالك بناء النفس البشرية وتزكيتها.
ويستوعب قضية عمارة الأرض بأبعادها وزواياها ومناهجها.
ويلتفت إلى قضية حقوق الأكوان.
وينتبه قضية علاقات الأمم.
وسيزداد هذا العقل تألقًا.
واتساعًا واستيعابًا.
ونورانية وبصيرة.
وفهما عن الله.
فيعرف كيف يفهم ويستوعب قضية الإلوهية، وكيفية قيام العبد بمستويات التلقي والتفهم لجلالها.
وسوف يتفهم قضية النبوة وآثارها، وما كمن فيها من اصطفاء إلهي.
وسيفهم قضية الوحي، وكيف
في علاقتنا وصلنا بها مراد الله تعالى منا.
وسيفهم قضية الإعجاز وأنها شاهد صادق على ربانية هذا الدين.
وسيفهم قضية الهداية، وأنها المعيار والأصل بالأمم والحضارات والشعوب من حولنا.
وسوف يأخذ العقل المستنير كل ذلك بقوة ويقين.
ومحبة وتعلق.
حتى يرى كيف تفيض من هذا الدين أنماط الحياة المستقرة.
وكيف تتولد منه الفنون والآداب.
وكيف تتأسس به الأحوال الاجتماعية المستقرة.
وكيف يتحرر به الإنسان من أسر العادة والإلف، حتى يرى على الدوام مناهل الإبداع والترقي.
ثم إن كل ما سبق كان في الحقيقة مقدمات ومدارج.
وأدوات وآلات.
يستعين بها العقل المستنير في طريقه إلى الثمرة الكبرى.
أتدرون ما هي؟؟!!
تعالوا لنرى.
سيقرأ القرآن الكريم.
مستحضرًا كل ما سبق.
مستكثرًا من الذكر والفكر.
وقد تعلَّم الغوص.
وعرف الأعماق.
فتنفتح له أبواب القرآن على مصراعيها.
ولا يتوقف نظره في القرآن عند صفحاته، وحروفه، وكلماته، وآياته المشرفة.
بل سيتسع مشهده.
فيرى بحورًا من النور تتلاطم.
وغيثًا من العلوم والتجليات الإلهية ينهمر.
وفيضا من الهداية يتدفق.
ويرى المناهج الإلهية في البناء والهداية وهي تعمل.
ويرى سنن الله تعالى وهي تمضي.
ويرى كنوزًا من الجواهر واللآلئ المودعة في أعماقه، الكامنة في جوفه، المخبأة في حروفه وآياته كلماته.
ويرى كيف يسلك القرآن في بناء الإنسان.
وفي التعريف بالملأ الأعلى.
وفي التبصير بالعواقب والمآلات.
وفي كشف الغطاء عن البصيرة حتى ترى ما وراء هذه الدار.
من بعث وحشر ونشر.
وحساب وجنة ونار.
ويرى ما وراء هذا الكون من غيوب.
ومن ملائكة.
ويرى أنبياء الله تعالى كيف ساروا بالهداية.
وكيف ناقشوا المناهج الفكرية المنحرفة المتكررة عبر التاريخ البشري الممتد.
وسوف يستطيع ذلك العقل المستنير أن يظفر أيضا بثمرة أخرى عجيبة.
لأنه سيقتدر حينئذ على تحويل آيات القرآن ومبادئه إلى:
برامج عمل.
ومناهج تطبيق.
وسوف يتداعى عنده الفكر حتى يظفر باللآلئ.
فيرى عيانا كيف أرشده القرآن بلطف إلى السعي في الأرض بالعمران.
وكيف أشار القرآن إلى تنشيط الحِرَف.
وإحكام المِهَن.
وإتقان الصنائع.
وتوليد الفنون والمعارف.
ويرى كيف حرك القرآن في النفس البواعث الشريفة لتحقيق مقاصده.
التي لا تتحقق إلا بمجتمعاتٍ قائمة.
وصنائع ناهضة.
وأنشطة رائجة.
وحرف ومهن فاعلة مثمرة.
مع الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس.
وفنون التجارة العابرة للقارات.
التي تقتضي تصنيعًا وتعدينًا.
وإنتاجًا للسلع.
وإعانة بقوة.
فتنشأ المؤسسات.
ويقوم المجتمع بوجوه النشاط المهني والعلمي والثقافي وغير ذلك.
فتنشأ الحضارة.
المرتبطة بالآخرة.
والمفعمة بروح عبادة الله وتزكية النفس.
فيتحرر الإنسان من رق الحاجة والافتقار.
وتتوفر له احتياجاته الضرورية.
فتستطيع نفسه التفرغ للكمالات النفسية والعلمية والعقلية والخلقية.
فيبدع في صنع الفكر والثقافة.
النابعة من القرآن.
والمحققة لمقاصد الشرع الشريف.
والمشبعة بمعاني الربانية، وقيم النبوة، وابتغاء الدار الآخرة.
فيشارك المسلم في صناعة ثقافة العالم بصورة مؤثرة وحاضرة وفاعلة.
فينشأ تعارف حقيقي بين الحضارات.
وتسري قيم القرآن من خلالنا إلى أمم الأرض أجمعين.
وتتحول الأمة المحمدية إلى رحمة للعالمين.
فالعقل المستنير.
غواص ماهر.
وصائد للؤلؤ.
مستوعب لزمانه.
مقبل على ربه.
مدرك لما يموج حوله من مناهج وثقافات.
شديد الاعتصام والارتباط والتعلق بالقرآن الكريم.
يتدبره.
ويتفكر فيه.
ويلتفت إلى إشاراته.
ويعرف دروبه ومسالكه في الهداية.
ويمدد منه الجدوال والأنهار والأفكار والأطروحات والمناهج والبرامج التي تسعف كل فرد في ذا المجتمع، مهما كانت مهنته، أو حرفته، أو اختصاصه.
ويستخرج من القرآن لكل واحد من هؤلاء هداية تخصه، وتنير طريقه، بعد أن تستوعب مشكلاته وأزماته.
وللحديث بقية،،،،
التقييم الحالي
بناء على
45
آراء
أضف تعليق