نسخة تجريبيـــــــة
جدد حياتك (5): وانطلقت القافلة
بتاريخ: 29-10-2009
 
الجوُّ مشرقٌ، فيه بهجةٌ وجمال.
والشمس ساطعةٌ، تتوسط السماء.
وصفحةُ الماء رائقة.
والبحرُ يمتد أمامنا في سكينة.
والمركب الذي نحن فيه، قد بسط شراعه.
وحدد وجهته بكل دقة.
وهو على تمام الاستعداد للانطلاق.
والمسافرون جميعا مترقبون ومتأهبون.
متى تبدأ الرحلة؟؟؟
ومتى تنطلق القافلة؟؟؟؟
ورغم ذلك.
فإن المركب لم يتحرك ولو خطوة.
وظل ساكنا راكدا.
واقفا في مرساه.
ورغم أننا أعددنا كل شيء.
فقد تأخر الانطلاق.
وصار الناس يتساءلون عن سبب التوقف.
ولكن مهلا.....
فقد عرفتُ السبب.
وهو أن الريح ساكنة تماما.
وليس في الجو أدنى نسمة أو ريح تحرك المركب.
وتدفعه إلى مقصوده.
فكيف تبدأ المسيرة.
والطاقة المحركة التي يدور بها كل ذلك ساكنة؟
وتعالوا لأشرح لكم تلك الرموز.
لقد وقفنا لحظة أمام جلال الربوبية.
واستحضرنا مشاهد خاطفة، من مقامات الهيبة والتعظيم للحق جل شأنه.
ثم نزلنا سريعا إلى أعماق الإنسان، وعرفنا أنه عبدٌ مكرم، له غايةٌ ومقصد، وأنه عند الله غالٍ.
ثم توجهنا بكل مشاعرنا ومعارفنا وطاقاتنا إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فإنه قائد المسيرة، والداعي إلى الله على بصيرة.
وبهذا تكاملت عناصر بناء الإنسان.
ورغم أننا عرفنا الهدف، وحددنا الوجهة، وأدركنا قدراتنا الذاتية، وحددنا المنهج، وعرفنا القائد والدليل.
فإننا لم نتحرك بعد!!!!
ولم تنطلق حركة صناعة الإنسان وتكوينه.
وما زلنا نقف في أماكننا.
أتدرون لماذا؟
لأنه قد بقي عنصر آخر.
غائب، ومفقود.
وهو:
تحرك الهمة.
وانبعاث الإرادة.
واتخاذ القرار بالانطلاق.
والتحرك بالفعل إلى المقصود، بعد إتمام عناصر المعرفة، وتحديد الهدف من الرحلة.
وهو أيضا:
تحريك الرياح الساكنة، التي بها ينطلق المركب.
على صفحة البحر الممتدة.
تحت الشمس المشرقة.
الجسم الساكن.
مستقرٌ في الفراغ.
ويمكن أن يبقى كذلك.
وهو لا يتحول إلى حالة الحركة إلا إذا اكتسب دَفْعة.
تنقله من السكون إلى الحركة.
والنفس البشرية كذلك.
عرفت الله تعالى، ولم تتحرك إليه.
وعرفت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تنطلق معه.
وعرف الإنسان ذاته، ولم يتحرك في تحقيق مقاصده.
لغياب ذلك السر اللطيف.
واللمسة الأخيرة.
التي تحقق له الانطلاق.
(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) [آل عمران:133].
(سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) [الحديد:21].
(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا.
فامشوا.
في مناكبها
وكلوا من رزقه
وإليه النشور)، الملك آية 15.
(إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين بآيات ربهم يؤمنون *
والذين هم بربهم لا يشركون* والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون *
أولئك
يسارعون.
في الخيرات وهم لها.
سابقون) المؤمنون، الآيات 57-61.
(فاستجبنا له.
ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه.
إنهم كانوا.
يسارعون
في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء، آية 90.
(وسارعوا)، (سابقوا)، (فامشوا في مناكبها)، (يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)، (يسارعون في الخيرات ويدعوننا).
يسارعون.
يسارعون.
يسارعون.
لقد هبت رياحهم.
وتحركت هممهم.
واتخذوا قرارهم.
وتحركت مراكبهم.
وانطلقت قوافلهم.
وانبعثت فيهم الإرادة.
وتحركت عندهم العزيمة.
ومضوا في طريق الله.
وسارعوا إلى الله، وسابقوا إليه، ومشوا في أرضه.
وهبوا من رقادهم.
وتحركوا من سكونهم.
واستيقظوا من نومهم.
ونفضوا عنهم الغفلة.
وصنعوا الحضارة والعمران والمجد.
وتعلقوا بالمولى، وسعوا إليه، وأحبوه، واتبعوا أنبيائه ورسله.
الذين سابقوا، وتحركوا، وسارعوا.
إلى الله.
فإلى متى تبقى هذه القلوب ساكنة؟!
وإلى متى تبقى هذه الخواطر راكدة؟!
تعرف ولا تسعى، وتفهم ولا تتحرك.
ومتى تتحرك العقول؟!
وتنطلق.
وتبدع.
وتفكر.
ومتى تتحرك الهمم إلى الله؟
فتنفض عنها الغفلة، والمعصية، والوهن، والتراخي، والكسل.
ومتى نخرج من ضيق النفس والناس، إلى سعة الحق سبحانه؟!
حتى تتحرر النفوس من القيود، وتنشط في تحقيق المقصود.
ومتى ينجلي ذلك الليل الطويل.
وتشرق شموس الهمم على المسلم.
فيفهم عن الله مراده، ويدرك وظيفته في الكون، ويقوم بواجب العمران.
وتحدث للنفوس دفعة وحركة، فتهب رياح الإيمان، وتتحرك نسمات العزم.
حتى تنطلق القافلة.
ومتى تتسع الآفاق
فلا تظل أسيرا لأحداث يومك، فتتسرب منك الحياة يوما من وراء يوم، وأنت لا تشعر.
ويمضي بك العمر.
وأنت واقف مكانك.
لم تصنع تقدما.
ولا حققت نهضة
ولا سعيت إلى الله.
ولا تعلقت بالنبيين والمرسلين.
ولا رفعك إيمانك إلى السماء.
ولا تجاوز بك ضجيج الحياة.
ولا دفعك إلى الآخرة.
وأخيرا..
فقد تحركت رياح الهمم....
فزال قلق المسافرين في طريق الحق..
وتحركت بنا المركب بعد طول سكون...
فوق بحر الحياة الذي يمتد أمامنا في سكينة.
وتحت شمس الحقيقة التي تتوسط سماء المعرفة.
وفي جو الإيمان المشرق.
الذي يمتلئ بالبهجة والجمال.

التقييم الحالي
بناء على 51 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث