نسخة تجريبيـــــــة
الطريق الصوفى - خصوصية شيوخه

 

هناك مستويات من التصوف تطلب على المستوى العام ، وينبغى أن يتحلى بها كل مسلم ، وهى تلك المستويات التى تساعد الإنسان على التخلص من الأخلاق المذمومة ، والصفات السيئة، ذلك أن البقاء عليها ربما يوقعه فى الذنوب والمعاصى، ومن هنا ينبغى على المرء السعى إلى التخلص منها ، ولا يكون ذلك إلا من خلال المستويات الأولى من التصوف التى تسعى إلى التخلية ، يعنى تخلية النفس من الرذائل.

وتبقى بعد ذلك مستويات أعلى من التصوف تسعى إلى السمو الروحى ، والرقى القلبى، وترنو إلى سماوات المعرفة بالله تعالى، وتريد أن تحقق بمعانى الإحسان والكمال الإنسانى الرفيع، ومثل هذه المستويات نجدها دائما عند كبار مشايخ الطريق الذين اختصهم الله بخصوصية لا نجدها فى سواهم.

لقد شاءت إرادة الخالق عز وجل، أن يجعل الناس متفاوتين، وذوي مراتبَ وقدراتٍ متنوعة؛ فهناك من وُهِبَ حسن الذوق، ومن وُهِبَ حسن الفهم، ومن وُهِبَ حسن القول، إلى غير ذلك.

ولا يجوز أن يُلام من لم يُوهَب شيئًا من ذلك؛ فلم يكلف الله تعالى نفسًا إلا وسعها، ولو صار كل الناس موهوبين في شيء واحد حتى ولو كان «الولاية»؛ لما استقام أمر الحياة؛ ولهذا فإنا لم نفهم من تعاليم الإسلام أي جبر على الإنسان أن يكون وليًّا حتمًا، ولكن لابد من أولياء، وقد وضح الأستاذ العقاد هذه الفكرة خير توضيح، حين قال ما نصه: «لو أصبح كل الناس مصارعين لفسد كل الناس، ولكن لابد من المصارعة مع هذا، ولابد من المتفرغين لها إذا أردنا البقاء، ولو أصبح الناس كلهم متصوفين معرضين عن شواغل الدنيا لفسدت الدنيا، وبطل معنى الحياة ومعنى الزهد في الحياة، ولكن لابد من هذه النزعة في بعض النفوس، وإلا قصَّرنا عن الشأوِ الأعلى في مطالب الروح، وفقدنا ثمرة التخصص، أو ثمرة القصد الحيوي، الذي ينظم لنا ثروة الروح، وثروة العقول، وثروة الأبدان».

ثم يبيِّن أن لهذا أساسًا في القرآن الكريم، ومع هذا فإنه أمر مباح وليس فرضًا، فيقول: «والقصد الحيوي مكفول بشريعة القرآن في كل مطلب من هذه المطالب الروحية؛ فهي مباحة لمن يطيقها، وهي لا تفرض على جميع المسلمين، ولابد من هذه الإباحة، ولابد من هذا الإعفاء؛ فإنهما يجريان بالقدر الذي يفيد ويمنع الضرر في كلتا الحالتين»([1]).

وعليه فلم يبق موضع لإنكار أن يكون في علم الشريعة تخصيصٌ، مع أنه لا خلاف بين الأمة الإسلامية، في أن الله تعالى أمر رسوله ×  بإبلاغ ما أُنزِل إليه، فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة:67].

  وقد ورد في الحديث شيء من خصوصية النبي ×، فيما رواه أبو ذر عن النبي أنه قال: «لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا» [رواه البخاري].

فلو كان الذي علِمه النبي ×مما لا يعلمون من العلوم التي أمره الله تعالى بإبلاغها؛ لأبْلَغَ، ولو جاز لأصحابه أن يسألوه عن ذلك العلم؛ لسألوه.

ولا خلاف بين أهل العلم، أن في أصحاب رسول الله ×، من كان مخصوصًا بنوع من العلم؛ فقد روى مسلم أن حذيفة كان مخصوصًا بعلم أسماء المنافقين، كان قد أَسَرَّه إليه رسول الله ×؛ حتى كان يسأله عمر تفيقول: «هل أنا فيهم؟».

وقد ورد في (الحلية) عن ابن عباس، أن علي بن أبي طالب قال: «علمني رسول الله ×سبعين بابًا من العلم، لم يُعلِّم ذلك أحدًا غيري»([2]).

هذا وإن العلم الثابت بين أصحاب الحديث والفقهاء والصوفية، هو علم الدين أو الشريعة، ووُجِد لكل منهم دواوينُ ومصنفاتٌ وأقاويلُ، كما عُلِم لكل منهم أئمةٌ مشهورون، وقد أجمع أهل عصرهم على إمامتهم لزيادة علمهم وفهمهم.

ولو أن صاحب الحديث أشكل عليه شيء من الحديث، أو خفيت عليه علة من علل الأخبار، أو معرفة الرجال؛ لرجع في ذلك إلى علماء الحديث، لا إلى الفقهاء، ويقاس موقف الفقيه على مِثْلِ ذلك.

كذلك فإن من أشكل عليه أمر يتعلق بمواجيدِ القلوب ومواريثِ الأسرار؛ وجب عليه الرجوع إلى أهل هذه المعرفة، ممن مارسها ونازلها؛ فإن فَعَلَ غير هذا فقد أخطأَ، ويقول الطوسي في هذا الموقف:

«وليس لأحد أن يبسُط لسانه بالوقيعة في قومٍ لا يعرف حالهم، ولم يعلم علمهم، ولم يقف على مقاصدهم ومراتبهم؛ فيهلَك ويظن أنه من الناصحين»([3]).

 

المرجع : أ/د عبد اللطيف محمد العبد، التصوف في الإسلام وأهم الاعتراضات الواردة عليه، القاهرة: توزيع العبد سنتر، ط3، 1421هـ- 2000م، (ص 34-36).

 


([1])    العقاد: الفلسلفة القرآنية، ص179.

([2])    الطوسي: اللمع، ص38.

([3])    نفس المصدر: ص39.


التقييم الحالي
بناء على 14 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث