نسخة تجريبيـــــــة
الطرق الصوفية - آداب حضراتها واجتماعياتها

لقد وضع أصحاب الطرق الصوفية عدة أصول يسير عليها من ينتسب إلى طريقهم، والعديد من هذه الأصول يشترك فيها سائر أصحاب الطرق الصوفية.

وحتى نرى كيف تستطيع هذه الأصول أن تصنع المسلم الحق المتشرع المتحقق نضرب لذلك مثلا بأصول الطريقة الحامدية الشاذلية(1) وهي إحدى فروع الطريقة الشاذلية الكبرى حيث يؤكد قانون هذه الطريقة أن مقصد أهل الطريق الوصول إلى معرفة الله، ونيل رضاه، والقيام بحقوق العبودية، وتحقيق الربوبية، والعمل بكتاب الله، وسنة رسوله، والتبري من كل بدعة مذمومة شرعا، وذكر الله، وقراءة القرآن، والتعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يجوز لأحد أن يكون من أهل الإباحة بأن يدعي سقوط التكاليف وإباحة المحرمات، فإن هذا من الزندقة التي وقع فيها كثير من الناس وادعوا الولاية، وينبغي على كل من انتسب إلى الطريق أن لا يجعلها مهنة يرتزق منها، بل عليه أن يلزم صنعة أو حرفة للارتزاق غير الطريق.

وهذه الأصول السابق ذكرها للطريقة الحامدية الشاذلية محل إجماع واتفاق بين مشايخ الطريق جميعا على تنوع مشاربهم.

إن أصول الطرق الصوفية في جوهرها كما أكدنا كثيرا دعوة إلى اتباع طريق الله أما عدا ذلك فليس من أصول الطريق الصحيح.

ولقد وضع الأشياخ الأجلاء الأصول لأتباعهم حتى في حياتهم الاجتماعية.

فمن أهم أصول الطرق الصوفية المأخوذة من السنة النبوية الشريفة والتي تظهر بوضوح في الحياة الاجتماعية بين المريدين والأشياخ توادهم وتزاورهم ومحبتهم لبعض وإعانة الفقراء منهم ومساعدتهم والعمل على قضاء حوائجهم ومشاركتهم بعضًا لبعض في أفراحهم وأحزانهم.

واستنبط أشياخ الطريق من السنة النبوية الشريفة آدابًا اجتماعية عديدة وتظهر هذه الآداب في حضراتهم وأذكارهم وطعامهم. فنحن مثلا نلاحظ أن نقيب الحضرة وهو عادة نقيب النقباء عليه أن ينظم الحضرة، ويقوم على رأس الإخوان حال إقامة الحضرة، وعليه أن يقوم بما يلزم للإخوان وقت الذكر . أما نقيب النعال فعليه أن يتسلم نعال الإخوان ويصفها منتظمة.

وعلى نقيب الطعام أن يكون نظيف الثياب مهذب الأخلاق حسن العادة كأن لا يضع يده على أنفه حال الخدمة أو يأتي بما يستقذره الإخوان، وعليه أن يدعو إخوانه إلى الطعام بلطف، وأن يحذر كسر خواطرهم فلا يقدم غنيًا على فقير فالكل فقير إلى الله.

وعلى الأتباع إذا وجدوا الطعام قليلًا أو غير فاخر أن يتقبلوه بسرور ويعتبروه نفحة. ويجب على من يأكل أن لا يمخط وقت الأكل ولا أن يسعل أو يقهقه أو يعطس أو يتجشأ إلا بعد أن يلتفت عن الطعام، وإذا كان الإخوان كثيرين ينبغي أن يتناوبوا الأكل طائفة بعد طائفة.

وينبغي على نقيب الماء أن يراعي نظافة الأواني ونظافة الماء وغيره ويشم الأشياء التي يأتي بها ويشرب منها جرعة قبل توزيعها على الإخوان حتى يعرف طعمها، فإذا كانت صالحة قدمها وإلا أرجعها بلطف وعليه أن يكون مستعدًا لطلب الماء منه في كل وقت.

كما استنبط شيوخ الطرق الصوفية من السنة النبوية الشريفة آدابًا خاصة للحضرات سموها آداب الحضرات، ومن أهم هذه الآداب أنه لا يجوز إقامتها في محل لا يليق، كالأمكنة القذرة والسيئة السمعة، وتكون الحضرة حلقات متداخلة أو حلقة واحدة وفيها صفوف ويجوز بسبب صحيح أن تكون كلها صفوفًا.

وتبتدئ الحضرة في كثير من الطرق عادة بالجلوس كهيئة الصلاة ثم يفتتح من بيده الحضرة بقراءة ورد الطريقة وبعد القراءة يفتتح الذكر بذكر لا إله إلا الله من جلوس ثم يقومون ليذكروا بعض أسماء الله الحسنى عدة مرات كل حسب أوامر شيخها، ثم يجلسون كهيئة الصلاة ثم يستريحون متربعين بأمر من بيده الحضرة وقد يقرأ بعد ذلك بعض سور القرآن الكريم أو ينشدون القصائد بأمر من بيده الحضرة، ثم تقرأ الفواتح وبعد ذلك يقومون للمصافحة أو التقبيل.

ولا يجوز لمن كان في الحضرة أن يلتفت أو يكثر الحركات أو ينتقل من مكانه إلى مكان آخر أو أن يتكلم، ويجب ألا يخرج من الحضرة لأي سبب إلا بعد استئذان أحد الخلفاء الذي يكون قريبًا منه ممن بيده تنظيم الحضرة.

ومن أراد الدخول أو العودة إليها فليستأذن أحد الخلفاء ليرشده إلى المحل الذي يجلس فيه، ولا يستحب شرب الماء عقب الذكر إلا بعد فترة، حتى لا تذهب برودة الماء بحرارة الذكر فيقل انتفاع الذاكر بالحضرة.

ويحذر أصحاب الطرق أتباعهم من ذكر الله ذكرًا محرمًا، بل ينبغي عليهم أن يذكروا الله ذكرًا مطابقًا لما ورد في الشرع الشريف.

وليحذر الذاكر من تقصير «لا» النافية أو تطويل «هاء» إله أو من همزة «إلا» أو مد همزة «الله»، ويشبك الإخوان أيديهم حال الذكر ويمنع وجود النساء والأطفال في الحضرات ولا يجوز الرقص والتثني في الذكر مطلقًا.

هكذا تكون الحضرات السليمة، نظافة وطهرًا وتعاونًا وألفة ومحبة وذكرًا صحيحًا لله كما أمرهم بذلك أصحاب الطريق.

أما ما يحدث من خروج على هذه التعاليم وتلك الآداب فلا ذنب لرواد الطريق وأصحابه في ذلك، وإنما كما ذكرنا كثيرًا سببه دخول هؤلاء المتطفلين في الطريق.

وإذا كانت «الحضرات» من أهم الآثار التي ترتبت على قيام الطرق الصوفية فإنه من خلال هذه «الحضرات» تقرأ عادة أوراد وأحزاب أصحاب هذه الطرق والتي تمثل تراث شيوخهم الأبرار.

المرجع : أ/د عامر النجار، الطرق الصوفية في مصر، نشأتها ونظمها، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، د ت،  (ص 77- 80).


(1)    قانون طريقة السادة الحامدية الشاذلية لمؤسسها سلامة بن حسن الراضي ص3 وما بعدها.


التقييم الحالي
بناء على 28 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث