نسخة تجريبيـــــــة
الطريق الصوفى - تطوره من الزهد إلى التصوف

لاحظ نيكولسون أن بعض متأخري الزهاد اقتربوا من التصوف ولكنهم لم يخرجوا عن دائرة الزهد، إذ: «في العصر المبكر -يقصد القرنين الأول والثاني الهجريين- لا يستطيع أحد أن يفصل الزهد عن التصوف أو يميزهما، بل إن كثيرًا من المسلمين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم: (الصوفية) حتى القرن الثالث الذي ظهرت فيه التفرقة بين الزهد والتصوف واضحة جلية؛ لم يكونوا في الحقيقة إلا زهادًا على حظ قليل جدًا من التصوف. فالأَوْلَى إذًا أن نعتبر أوائل الصوفية منتمين إلى حركة الزهد التي نحن بصددها».

وملاحظة نيكولسون هذه – إذا قبلناها - فتصدق على زهاد يتردد ذكرهم في كتب التصوف، وتعتبرهم بعض كتب التراجم من الطبقة الأولى من طبقات الصوفية كالسلمى وابن الملقن والشعرانى وغيرهم ممن كتب فى طبقات الأولياء والصوفية، وحياة هؤلاء تقع في القرن الثاني الهجري، ويمثلون في الواقع طَوْرًا انتقاليًا ينتهي بانتهاء القرن الثاني تقريبًا.

وإن كنا نرى أن الفصل بين الزهد والتصوف، هو مجرد فصل اصطلاحى، يحاول أن يعطى لكل من الزهد والتصوف معنى فنيا اصطلاحيا، لكن واقع حياة الزهد والتصوف الإسلاميين يرينا ارتباطهما ارتباطا وثيقا، وقد ظل الزهد أحد الظواهر الأساسية للتصوف الإسلامى حتى بعد تطوره أطوارا متعددة، وظلت النزعة الزهدية للصوفية المسلمين الكبار ذات هيمنة واضحة، وظل الإغراق فى التصوف النظرى والفلسفى – إن صح التعبير – أمرا مهجورا من شيوخ الطريق عبر القرون.

كما أن هذا التفريق الذى ذهب إلى المستشرقين لا يخلو من صدى لنظريات التأثير والتأثر الاستشراقية التى لا تجعل التصوف الإسلامى إسلامى المصدر، فكأنهم بهذه التفرقة يقولون إن الفكر الإسلامى لم يعط أكثر من الزهد ، ولم يتطور إلى مرحلة التصوف بعمقه ونظرياته إلا من خلال الاحتكاك بالثقافات والحضارات الأخرى.

وقد ظهر من هؤلاء بخراسان إبراهيم بن أدهم المتوفى سنة 161هـ، الذي يمثل رجال الزهد في عصره وإن اختلف عن أكثرهم بأنه من أبناء الملوك، وكان أميرًا من أمراء بلخ، ولكنه –كما يقول نيكولسون- زهد في الحكم والملك، ولبس الصوف، وهَامَ على وجهه في بلاد الشام يعيش من كسب يده من حراسة البساتين وغير ذلك. سئل مرة: لم هجرت الناس؟ فقال: «أمسكت بديني بين صدري، وفررت به من بلد إلى بلد، أرض ترفعني وأرض تضعني، فمن رآني ظنني رعيًا أو مجنونًا. أفعل ذلك لعلي أصون ديني من وساوس الشيطان، وأَمُرُّ بإيماني سالمًا من باب الموت».

ويروي عنه السلمي أقوالًا كثيرة في معاني الصبر، والصحبة، والزهد وغير ذلك.ومن أقواله: «من عرف ما يطلب، هان عليه ما يبذل. ومن أطلق بصره، طال أسفه. ومن أطلق أمله، ساء عمله. ومن أطلق لسانه، قتل نفسه». ومن أقواله –أيضًا-: «اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات: أن تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، وأن تغلق باب العز وتفتح باب الذل، وأن تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، وأن تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، وأن تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، وأن تغلق الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت».

وواضح من هذه العبارات أنه سيطر عليه الخوف كما سيطر على سائر الزهاد الذين ذكرنا من قبل، وضرورة العمل الجدي من أجل الآخرة، والزهد في ملذات الدنيا، والمبالغة في أخذ النفس بالأشد من الطاعات. نلاحظ –أيضًا- أن كلامه في الزهد فيه عمق لم يكن في عبارات غيره من زهاد عصره وما قبله.

ومن أولئك الزهاد الذين يذكرون أحيانًا على أنهم الطبقة الأولى من الصوفية: الفضيل بن عياض. وهو خراساني –أيضًا- توفي بمكة سنة 187هـ. وكان قاطع طريق، ثم تاب وزهد في الدنيا. ومن أقواله في الزهد: «لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي ولا أحاسب بها، لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مَرَّ بها أن تصيب ثوبه». وتكلم عن معنى الرياء فقال: «ترك العمل لأجل الناس هو الرياء، والعمل لأجل الناس هو الشرك». وتنسب له أقوال في المعرفة نحو قوله: «أحق الناس بالرضا عن الله، أهل المعرفة بالله -عز وجل-». وهو يقول في الزهد: «أصل الزهد الرضا عن الله».

ولعله من أوائل الزهاد الذين نبهوا إلى أن إصلاح الباطن أهم من الوقوف عند ظواهر العبادات، وذلك إذ يقول: «لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما أدرك بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة».   

وأورد له السلمي أقوالًا كثيرة تدل –أيضًا- على تعمقه في فهم الزهد، وإصلاح النفس وتحليتها بالفضائل.

ويذكر القشيري : داود الطائي المتوفى سنة 165هـ بين أوائل الصوفية، وهو أستاذ معروف الكرخي، وينقل عنه أقوالًا كثيرة في الزهد، ومن أقواله: «صُمْ عن الدنيا، واجعل فطرك الموت. وفِرَّ من الناس فرارك من السبع».

على أن هناك شخصية من شخصيات الزهد كانت أكثر من أولئك الذين ذكرنا اقترابًا من التصوف في أواخر القرن الثاني الهجري، وأعني بها شخصية رابعة العدوية، وتحتاج منا وقفة عند تاريخ حياتها وآرائها لِمَا كان لها من دور في تطور الزهد.

واسمها كما يُوُرِدُهُ ابن خلكان في ترجمته لها: أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية القيسية. وهي مَثَلٌ رَائِعٌ من أمثلةالحياة الروحية في الإسلام في القرن الثاني الهجري.

ومعلوماتنا عن تاريخ حياتها قليلة، وبعضها ذو طابع أسطوري. ولدت في البصرة، وكانت مولاة ، وروى بعض المترجمين أنها أدركت الحسن البصري. ولكننا نميل إلى استبعاد ذلك؛ لأن رابعة توفيت سنة 185هـ، والحسن البصري توفي سنة 110هـ. ولما كانت قد عاشت كما يذكر الترجمون لها ثمانين عامًا، فلا يعقل أن تكون قد أخذت عن الحسن البصري وهي بنت خمس سنين أو نحوها. وفجأة تحولت رابعة من حياة عادية إلى حياة دينية صوفية، وأقبلت على الزهد والعبادة.

ومن أقوالها في الزهد ما يرويه الهجويري في (كشف الحجوب) وقد قال لها رجل من أهل الدنيا قال لرابعة: سليني حاجتك. فقالت: «إني لأستحي أن أسال الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها».

ويُرْوَى عن رابعة أنها كانت تصلي الليل كله، فإذا طلع الفجر نامت في مصلاها نومة خفيفة حتى يسفر الفجر. ويُرْوَى أنها كانت إذا هَبَّتْ من مرقدها قالت: «يا نفس كم تنامين! وإلى كم تنامين؟! يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور. وكان هذا أدبها حتى ماتت».

ونحن نجد عند رابعة –أيضًا- إكثار من البكاء والحزن في هذا شأن من تَقَدَّمَهَا من الزهاد. فيذكر الشعراني عنها في طبقاته أنها كانت: «كثيرة البكاء والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زمانًا، وكان موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من كثرة دموعها».

وكانت رابعة معاصرة للزاهد المشهور سفيان الثوري. ويروى أنه قال عندها يومًا: «واحزناه! فقالت له: لا تكذب! بل قل: واقلة حزناه! لو كُنْتَ محزونًا ما تهيأ لك أن تتنفس».

ولرابعة العدوية أقوال مأثورة في معان كثيرة سيتناولها الصوفية المتأخرون فيما بينهم.

فمن ذلك كلامها في التواضع إذ تقول: «ما ظهر من أعمالي فلا أعده شيئًا». وروى الجاحظ في (البيان والتبيين) أنه قيل لرابعة: «هل عملت عملًا قط ترين أنه يقبل منك؟ فقالت: إن كان شيء فخوفي من أن يُرَدَّ عليَّ».

ومن ذلك كلامها في الرياء إذا تقول: «اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم». فهي لا تحب أن يتظاهر الإنسان بأعماله الحسنة.

وكانت رابعة تنهى عن تتبع عيوب الناس؛ لأن السالك إلى الله لابد أن يكون منصرفًا إلى تعرف عيوب نفسه. وقد ذكر ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) عنها أنها كانت تقول: «إذا نصح الإنسان لله، أطلعه الله تعالى على مساوئ عمله فتشاغل بها عن ذكر مساوئ خلقه». وهذا القول يذكرنا بما قاله بعدها ابن عطاء الله السكندري في حكمة من حكمه: «تَشَوُّفُكَ إلى ما بُطِنَ فيك من العيوب، خير من تَشَوُّفِكَ إلى ما حُجِبَ عنك من الغيوب».

وكانت رابعة ترى أن توبة العاصي خاضعة أولًا وأخيرًا لإرادة الله أو بعبارة أخرى للفضل الإلهي، وليست بإرادة الإنسان. فلو شاء الله لتاب على العاصي، فقد قال رجل لرابعة: إني أَكْثَرْتُ من الذنوب والمعاصي، فهل يتوب علي إن تُبْتُ؟ قالت: لا، بل لو تاب عليك لَتُبْتَ».

وفكرة رابعة عن التوبة يمكن أن ترد إلى مصدر قرآني هو قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة:118].

ومن أقوالها في معنى الرضا ما أورده الكلاباذي في كتابه (التعرف) من أن سفيان الثوري قال عند رابعة: «اللهم ارْضَ عني! فقالت: أَمَا تستحي أن تطلب رضا من لَسْتَ عَنْهُ براض»، وذلك إشارة منها إلى الرضا الذي يجب أن يكون متبادلًا بين العبد والرب، مصداقًا لقوله تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119].

وقد لاحظ بعض الباحثين في التصوف من المستشرقين مثل نيكولسون أن أهمية رابعة العدوية راجعة إلى أنها قد طبعت الزهد الإسلامي بطابع آخر غير هذا الذي رأيناه عند الحسن البصري، وهو طابع الخوف. فهي قد أضافت إلى الزهد عنصرًا جديدًا هو الحب الذي يتخذ منه الإنسان وسيلة إلى مطالعة جمال الله الأزلي. وكذلك ذهب أستاذنا -المغفور له- الشيخ مصطفى عبد الرازق في بحث له عن رابعة العدوية -أيضًا- إلى أنها كانت أول من تَغَنَّى في رياض الصوفية بنغمات الحب الإلهي شعرًا ونثرًا، ولم يكن طريق المحبة مُعَبَّدًا قبلها.

وقد ذكر القشيري في رسالته عنها أنها كانت تقول في مناجاتها: «إلهي أتحرق بالنار قلبًا يُحِبُّكَ! فهتف بها مرة هاتف: ما كنا نفعل هذا، فلا تظني بنا ظن السوء!» .

ولم تكن رابعة تستهدف في طاعتها الله غاية من الغايات، فلم تكن تطمع في الجنة أو تخاف من عذاب النار، وإنما كانت تطيع الله حبًّا له. وهذه المرتبة الروحية تعتبر من أسمى مراتب التصوف عند من جاء بعدها، وقد عبرت عنها رابعة بقولها:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه

*

هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقًا لأطعته

*

إن المحب لمن يحب يطيع

 

  ويروى أن سفيان الثوري قال لها يومًا: «لكل عقد -أي عقيدة أو إيمان- شريطة ، ولكل إيمان حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوفًا من ناره، ولا حبًّا لجنته فأكون كالأجير السوء إن خاف عمل، بل عبدته حبًّا له، وشوقًا إليه».

ويُرْوَى عنها –أيضًا- أنها كنت تقول في مناجاتها:«إلهي إذا كنت أعبدك رهبة من نارك، فأحرقني بنار جهنم. وإذا كنت أعبدك رغبة في الجنة، فاحرمنيها. وأما إذا كنت أعبدك من أجل محبتك، فلا تحرمني يا إلهي من جمالك الأزلي».

ويظهر أن حب رابعة لله كان من ذلك النوع الذي سيطر على كيانها إلى الحد الذي جعلها تغيب عن ذاتها في كثير من الأحيان لحضورها مع الله تعالى على نحو ما تشير إليه بقولها:

إني جعلتك في الفؤاد محدثي

*

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

فالجسم مني للجليس مؤانس

*

وحبيب قلبي في الفؤاد أنيس

 

ولرابعة أبيات أخرى من الشعر يبدو فيها أنها تعمقت في معنى الحب الإلهي وأنها تنزع فيه منزعًا خاصًّا، وهذه الأبيات هي:

أحبك حبين: حب الهوى

*

وحب لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى

*

فشغلي بذكرك عمن سواكا

وأما الذي أنت أهل له

*

فكشفك لي الحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي

*

ولكن له الحمد في ذا وذاكا

 

وقد فسر الإمام الغزالي في (الإحياء) هذه الأبيات فقال: «ولعلها أرادت بــ(حب الهوى) حب الله لإحسانه إليها، وإنعامه عليها بحظوظ العاجلة. وبــ(حبه لما هو أهل له) الحب لجماله وجلاله الذي انكشف لها، وهو أعلى الحبين وأقواهما. ولذة مطالعة جمال الربوبية هي التي عَبَّرَ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حاكيًا عن ربه تعالى: «...أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ...».

وفي رأينا أن رابعة قَسَّمَتِ الحب الإلهي في هذه الأبيات إلى قسمين، الأول: هو ما تسميه (حب الهوى)، وقد عَرَّفَتْهُ في الشطر الثاني من البيت الثاني بأنه: (شغلها بذكر الله عمن سواه). والثاني: هو ما تسميه (حب الله الذي هو أهل له)، وهو: (كشف الله لها الحجب حتى تراه).

ولكن يعرض هنا سؤال وهو: كيف يكون الاشتغال بذكر الله عمن سواه (حبًّا للهوى) مع أنه مقام رفيع للغاية؟!

الحقيقة هي أن ما تقصده رابعة العدوية بــ: (حب الهوى) على هذا النحو لا يصبح واضحًا إلا على ضوء الحديث القدسي الذي يحكي فيه الرسول صلى الله عليه وسلمعن رب العزة قوله: «...مَنْ شَغَلَهُ َذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ...». فهي تريد أن تقول أن اشتغالها بذكر الله عن سؤاله -وهو (حب الهوى)- شيء معلول –أيضًا-؛ لأن الله وعدها كما وعد غيرها من المؤمنين على ذلك بإعطائها أفضل ما يعطى السائلين، وهي لا تطمع ولا ينبغي أن تطمع في ذلك إطلاقًا، بل هي تريد حبَّا منزهًا عن كل غرض، مبرأ عن كل حظ من حظوظ النفس يمكن تصوره، فهي بذلك قد تخطت مقام سؤال الله أو الطلب منه، ثم تخطت مقام الاشتغال بذكر الله عن مساءلته –أيضًا-؛ لأنه معلول. واستقرت بعد هذا كله في مقام حب الله بما هو أهل له، وذلك حين انكشفت عنها الحجب؛ لترى جمال لله. عندئذ تسلم لله تعالى التسليم المطلق برؤية المنعم الوحيد عليها في الحبيين الأول والثاني.

نخلص مما سبق كله إلى أن رابعة العدوية كانت تمثل في القرن الثاني الهجري تيار الزهد القائم على أساس حب الله تعالى، على حين كان الحسن البصري أبرز مَنْ مَثَّلَ الزهد القائم على أساس الخوف من الله.

وإلى رابعة العدوية يرجع في الحقيقة الفضل في إشاعة لفظ (الحب) عند من جاء من بعدها من الصوفية، بعد أن لم يكن طريق الكلام في الحب قبلها ممهدًا. وفي رأينا أنها لم تكتف بإشاعة لفظ (الحب)، بل هي أول من تعرض بالتحليل لمعناه، وبيان ماهو قائم منه على معنى الإخلاص، وما هو قائم منه على طلب الأغراض من الله. وفي رأينا –أيضًا- أن هذا التحليل الذي لا يخلو من الدقة قائم عندها على الذوق والمعاناة المباشرة أساسًا.

ويضاف إلى ما تقدم أن رابعة قد تكلمت في كثير من المعاني الصوفية الدقيقة في غير موضوع الحب، كالكلام في الزهد، والحزن، والخوف، والتواضع، وتصحيح الأعمال من الرياء، وعدم التشاغلبالخلق، والتوبة، والرضا وغير ذلك مما روي عنها.

لذلك كانت رابعة العدوية في الحقيقة نقطة تحول هامة في الطريق الصوفى الإسلامي ، وهى الممهدة لظهور الصوفية والتصوف، ومن هنا جاءت شهرتها.

وقد نُشِرَتْ بعض الدراسات المتخصصة عن رابعة العدوية، وهي تكشف عن أهميتها ومكانتها في تاريخ الزهد والتصوف في الإسلام: منها دراسة للمستشرقة الإنحليزية مارجريت سميث عنونها:

Rabia the mystic and her fellow saints in Islam, Cambridge, 1928

ودراسة للأستاذ المرحوم الشيخ/ مصطفى عبد الرزاق نشرت في تعليقه على مادة (تصوف) بدائرة المعارف الإسلامية، الترجمة العربية.

ودراسة للأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن بدوي عنوانها: (شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية).

وقد تناولنا هذه المرحلة من الطريق الصوفى ، وتحوله من الزهد إلى التصوف فى موضوع (@الطريق الصوفى فى القرنين الثالث والرابع@)

المرجع : - أ/د أبوالوفا الغنيمي التفتازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، القاهرة: مكتبة الثقافة للطباعة والنشر، ط 2، 1976م، (ص 95- 106).


التقييم الحالي
بناء على 64 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث