نسخة تجريبيـــــــة
الطريق الصوفى - الخرقة

إذا كان الذكر والسماع والعهد من خصائص الطريق الصوفى ومميزاتها الظاهرة فإن الخرقة أيضًا من أهم تلك الخصائص والمميزات. (راجع : الطريق الصوفى - خصائصه العامة)

والطريق الصوفى يقوم على شيخ ومريد بينهما عهد ، ومن أهم خصائص عهد الطريق لبس المرقعة أو الخرقة الصوفية.

ويكاد يجمع أصحاب الطرق الصوفية المختلفة أنهم أخذوا الخرقة من فلان عن فلان في سلسلة عنعنة طويلة تنتهي إلى الإمام علي كرم الله وجهه.

يقول الهجويري وقد أمر مشايخ هذه الطريقة المريدين بأن يتحلوا بالمرقعات ويتزينوا بها، وفعلوا هم أيضا ذلك. لتكون لهم علامة بين الخلق ويكون الخلق رقباء عليهم فإذا خطوا خطوة على خلاف يطلقون فيهم لسان الملامة وإذا أرادوا إتيان المعصية في تلك الثياب فإنهم لا يستطيعون الجلا من الخلق(1).

ثم يقول: وفي الجملة: المرقعة زينة لأولياء الله عز وجل. يعز بها العوام ويذل بها الخواص، وعز العوام هو أنهم حين يرتدونها يحترمهم الخلق وذل الخواص هو أنهم حين يرتدونها ينظر إليهم الخلق بعين العوام ويلومونهم بذلك فهي لباس النعم للعوام وجوشن البلاء للخواص لأن أكثر العوام يكونون فيها مضطرين حين تقصر أيديهم عن عمل آخر. ولا تكون لهم آلة أخرى لطلب الجاه، فيطلبون بها الرياسة ويجعلونها سببا لجمع النعم ثم أن الخواص يقولون بترك الرياسة ويؤثرون الذل على العز فتكون لهؤلاء ولأولئك نعماء(2).

ويقول الشيخ زروق في كتاب قواعد التصوف : لباس المرقعة أعذر على دفع الكلف. وأذهب للكبر. وأقرب للحق مع الاقتداء بعمر تإذ لبسها مع وجود غيرها لصلاح قلبه، ألا تراه حين ألبس غيرها قال: أنكرت نفسي(3)

ويُذكر أن سند سيدي عبد القادر الجيلي الشهير بالكيلاني بالخرقة ينتهي إلى الحسن البصري ، وكذلك سيدي أحمد بن الرفاعي بها ينتهي إلى الحسن البصري أيضًا، وأن الحسن البصري أخذها عن سيدنا علي كرم الله وجهه.

وأما أويس القرني فقد أخذها عن كل من سيدنا عمر بن الخطاب وعلي رضي الله تعالى عنهما. فعن أويس القرني رضي الله تعالى عنه أنه قال: ألبسني عمر بن الخطاب على جبل الرحمة بعرفات قميصه بحضور علي بن أبي طالب، وألبسني علي كرم الله وجهه رداءه عند ذلك بعرفات. وفي رواية بساحل العراق. وهما لبسا(4) من رسول الله ×.

قال الشيخ الإمام نور الدين الحلبى : ولم أقف على خصوص الخرقة التي ألبسها سيدنا علي للحسن البصري، فعلم أن هذه الخرقة(5) شيء يدفعه الشيخ لمريده من نحو ثوب أو طاقية أو عمامة أو رداء أو سجادة.

ولم أقف أيضًا على خصوص الخرقة التي لبسها الأستاذ سيدي أحمد البدوي من الشيخ عبد الجليل.

وبعض الناس يتوهم أنها الشملة الحمراء، ويبعد ذلك ما سيأتي من قول الأستاذ لخليفته سيدي عبد العال، رضي الله تعالى عنهما: يا عبد العال إني اخترت هذه الراية الحمراء –يعني العلم- لنفسي في حياتي وبعد مماتي.

وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني : لبست الخرقة وهي طاقية من قطن من سيدنا شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا الأنصاري وقد لبسها من يد الشيخ الغمري، إلى أن قال : ولبسها فلان من يد أويس القرني وهو لبسها من يد سيدنا عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهما لبساها من يد رسول الله ×، ورسول الله ×لبسها من يد جبريل في بعض الإسراءات السماوية. اهـ هذا كلامه ومن خطه نقلت.

وهو بظاهره يقتضي أن الخرقة التي لبسها شيخ الإسلام زكريا ومن تقدم حتى أويس: الطاقية. ولا يخفى أنك قد علمت أن أويسا إنما لبس ثوب سيدنا عمر ورداء سيدنا علي. فمراد الشيخ عبد الوهاب بقوله وقد لبسها إلى آخره مطلق الخرقة لا خصوص الطاقية التي لبسها من شيخ الإسلام زكريا. وكذا يقال فيما لبسه سيدنا علي وسيدنا عمر من رسول الله ×.

ثبوت لبس الصحابة لمطلق الخرقة من رسول الله ×:

ويعتمد الصوفية في لبس الخرقة على حديث نبوي ويقولون أنه سنة عن النبي ×، فالهجويري مثلا يقول(6): إن لبس المرقعة شعار المتصوف ولبس المرقعات سنة ومن هنا قال الرسول عليه السلام(7): «عليكم بلباس الصوف تجدون حلاوة الإيمان في قلوبكم».

نعم ثبت أنه ×ألبس عليًا عمامته التي يقال لها السحاب. ومن ثم لما جاء إليه وهو لابسها قال: جاءكم علي في السحاب. وقد جاء أنه ×أهدى إليه صاحب الجندل دومة جبة من سندس فجعلت الصحابة يتعجبون من تلك الجبة فوهبها ×لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. ولما جاءه عكرمة بن أبي جهل مسلمًا يوم فتح مكة رمى عليه رداءه.

والأصل في لباس الخرقة زيادة على ما تقدم ما جاء في الصحيح أنه ×جاء إليه ثياب فيها خميصة سوداء صغيرة. والخميصة كساء مربع فيها أعلام صفر وحمر. وفي رواية صفر وخضر. فقال ×: من ترون نكسو هذه الخميصة؟ فسكت القوم. فقال رسول الله ×: إيتوني بأم خالد –أي بنت خالد بن سعد بن العاص قالت: فأتى بي فألبسنيها رسول الله × وقال: أبلي وأخلقي. يقولها مرتين: وصار ينظر إلى علم في الخميصة أصفر وأحمر. وفي رواية أصفر وأخضر، ويقول يا أم خالد هذا سناه – والسناه بلسان الحبشة في ذلك الوقت – الحسن. وإنما قال لها ذلك لأنها ولدت بالحبشة، لأن أباها خالد بن سعيد أول من هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية.

وما جاء أيضًا أنه ×كسا كعب بن زهير بردته لما أنشده قصيدته (بانت سعاد) ، وكسا معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه ثوبه في يوم، وفي يوم آخر إزاره، وفي يوم آخر رداءه، وأوصى معاوية أن يكفن في ذلك ففعل به ذلك.

فهذه الأحاديث جميعا تدل على ثبوت الخرقة بصفة عامة، وفيها دليل لما جرى عليه مشايخ القوم فى هذا الشأن، وأنهم فى ذلك لم يخرجوا قيد أنملة عن السنة النبوية الشريفة.

أدب لبس الخرقة :

إذا لم يكن المريد يملك الإيمان الحقيقي فإنه لن يشعر قط بحلاوته وتكون خرقة الصوف مجرد خرقة صوف لا غير، لا معنى ولا جوهر لها، ولهذا يقول الصوفية : وشرط لبس المرقعة لبس الكفن، لأنهم يقطعون الأمل من لذة الدنيا ويطهرون قلوبهم من راحتها، ويبقون عمرهم كله على خدمة الحق جل جلاله، ويبرأون تمامًا من الهوى، ومن ثم يعز الشيخ المريد بالباسه الخرقة، هو يقول بحقها ويجتهد تمامًا في أداء هذا الحق، يحرم على نفسه رغباتها(8).

وقال الإمام السهروردي قدس الله روحه في عوارف المعارف : لبس الخرقة ارتباط بين الشيخ وبين المريد وتحكيم من المريد للشيخ في نفسه والتحكيم شائع في الشرع بمصالح دنيوية فماذا ينكر المنكر لبس الخرقة على طالب صادق في طلبه ويقصد شيخا بحسن ظن وعقيدة يحكمه في نفسه لمصالح دينية ليرشده ويهديه ويعرفه طرق المواجيد ويبصره بآفات النفس وفساد الأعمال ومداخل الله ويسلم نفسه إليه ويستسلم لرأيه واستصوابه في جميع تصاريفه فيلبسه الخرقة إظهارًا للتصرف فيه فيكون لبس الخرقة علامة للتفويض والتعليم ودخوله في الشيخ دخوله في حكم الله وحكم رسوله وإحياء سنة المبايعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم(9).  

ويقول صاحب ظهور الحقائق «وإذا أراد الشيخ أن يلبسه –المريد- الخرقة فليتطهر ويأمره بالتطهير ثم توضع الخرقة بين أيديهما ويقرأ الفاتحة ويلبسها الشيخ بيده المريد قاصدًا بذلك الإنابة عن الله تعالى ورسوله ثم يذكر له نيتها كأن يقول ألبسكها كما ألبسني إياها شيخي فلان إلى آخره(10).

المراجع :

- نور الدين الحلبي (صاحب السيرة الحلبية المشهورة)، سيرة السيد أحمد البدوي المسمى «النصيحة العلوية في بيان حسن طريقة السادة الأحمدية»، تحقيق وتقديم وتعليق: أحمد عز الدين خلف الله، القاهرة: محمد عاطف وسيد طه وشركاهما، ط1،1964م، (ص 36-40).

- الطرق الصوفية في مصر ، نشأتها ونظمها ، أ/د عامر النجار ، القاهرة:مكتبة الأنجلو المصرية ، د ت، (ص 40- 42) .


(1)    كشف المحجوب للهجويري ص245.

(2)    كشف المحجوب للهجويري ص245.

(3)    قواعد التصوف لابن زروق ص88.

(4)    قال الحافظ ابن حجر: لم يرد في خبر صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن النبي ×ألبس الخرقة على الصورة المتعارفة  بين الصوفية لبعض أصحابه، ولا أمر أحدًا من الصحابة بفعل ذلك. وكل ما روى في ذلك صريحًا فباطل.

        وذكر الإمام السهروردي في عوارف المعارف بأنه لا خفاء في أن لبس الخرقة على الهيئة التي يعتبرها المشايخ في هذا الزمان، لم يكن في زمن رسول الله ×، وإنما هو من استحسان المشايخ. قال: وقد رأينا من المشايخ من لا يلبس الخرقة، ويسلك من غير إلباسها، ومن ألبسها فقد اعتمد على شواهد وأدلة من الشرع ، ومن لم يلبسها فله رأيه وكل لا يخلو عن نية صالحة. اهـ  إذ المقصود من لبس الخرقة هو المعول عليه لا الخرقة ذاتها، والصوفية يجعلون لبسها رابطة بين المريد والشيخ، قال الإمام السهروردي: لبس الخرقة ارتباط بين الشيخ وبين المريد وتحكيم من المريد للشيخ في نفسه، والتحكيم شائع في الشرع بمصالح دنيوية… فيكون لبس الخرقة علامة التفويض والتسليم والدخول في حكم الشريعة.

(5)    قال الشيخ أحمد جلال الدين الكركي الشافعي في كتابه الحدق في لبس الخرق وهو مخطوط بدار الكتب العامة ضمن مجموعة: ومذهب المحققين في إلباس مريدي التربية هو خلاف ما نحن عليه الآن ،وذلك أن الشيخ المربي ينظر في المريد الذي يريد أن يلبسه فأي حال يكون للمريد فيه نقص فإن الشيخ يتلبس بذلك حتى يتحقق به ويعمره فترى قوة ذللاك الحال في الثوب الذي يكون على الشيخ فيتجرده في الحال ويلبسه المريد فتسري قوة ذلك الحال فيه كسريان الشراب في الأعضاء فيعمره ويتم الحال. وهذا الحال أعز من الكبريت الأحمر. ولما قصرت همم الناس عن ذلك شرطوا لها شروطًا وهي: ستر سوأة الكذب بلباس الصدق، وستر سوأة الخيانة بثوب الأمانة، والغدر بخرقة الوفاء والرياء بخرقة الإخلاص اهـ من الورقة 44.

      ولبس الخرقة من حيث الحكم على ثلاثة أنواع: خرقة مجازية للمحبين المتشبهين، وخرقة جوازية للمريدين المتمسكين ،وخرقة إجازية للمريدين الداعين. وهذا التقسيم للشيخ أبي بكر عبد الله العيدروس ، وعند آخرين: خرقة تبرك، وخرقة إرادة.

(6)    كشف المحجوب للهجويري ص241.

(7)    رواه الحاكم في المستدرك عن أبي أمامة (شرح الجامع الصغير جـ2 ص107).

(8)    كشف المحجوب للهجويري ص252.

(9)    عوارف المعارف للسهروردي ص75 وظهور الحقائق ص22.

(10)   ظهور الحقائق للعطاس ص31.


التقييم الحالي
بناء على 46 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث