نسخة تجريبيـــــــة
الطريق الصوفي - أصل الكلمة والتسمية

تعوّد بعض الباحثين إن لم يكن معظمهم أن يبدأوا كتاباتهم في التصوف بذكر أصل كلمة تصوف ومعناها من خلال «الرسالة القشيرية» و «اللمع» و «قوت القلوب» و «كشف المحجوب». ثم يتناقشوا في مصادر التصوف الإسلامي فيستعرضوا آراء المستشرقين وغيرهم حول مصادر هندية وفارسية وهلينية ومسيحية ويهودية وصينية.

ونحن نرى أن هذه المحاولات لرد التصوف الإسلامي إلى أصول غريبة عنه محاولات تبعد عن الموضوعية كما سنبين ذلك في حينه. وسيكون من قبيل التكرار الذي أصبح ظاهرة دائرية أن نتكلم عن أصل كلمة صوفي عند القشيري والطوسي وأبي طالب المكي والهجويري .. أو أن نستعرض آراء المستشرقين وتلاميذهم –وتظهر في معظمها العصبية– حول مصادر التصوف الإسلامي الذي نرى أن مصادره إسلامية، ولكن لا يسعنا رغم هذا كله إلا التعرض لمثل ذلك لتتابع الباحثون عليه، ولعله يعود بالنفع على بعض القراء.

أصل الكلمة التصوف وسبب التسمية هي مشكلة قديمة نجدها تثار في أقدم ما لدينا من كتب في التصوف الاسلامي، مثل كتاب «اللمع» لأبي نصر السراج، ثم تناولها من بعده من كتبوا في التصوف، مثل «الرسالة القشيرية» لعبد الكريم بن هوزان القشيري، التي كتبها مؤلفها في سنة ٤٧٣هـ.

1- فالسراج (المتوفي في شهر رجب سنة ۳۷۸هـ/ أكتوبر نوفمبر سنة ٩٨٨م) يعقد فصلاً بعنوان: «باب الكشف عن اسم الصوفية، ولِمَ سموا بهذا الاسم، ولِمَ نسبوا إلى هذه اللبسة» يبدأه بالسؤال عن السبب في تسمية «الصوفية» بهذا الاسم، دون نسبتهم إلى حال ولا إلى علم معين، كما ينسب الفقهاء إلى الفقه وأصحاب الحديث.

وخلاصة رأي السراج: أن اسم الصوفية مشتق من الصوف، بوصفه اللبسة الغالبة على هؤلاء؛ وأنه اسم قديم قد وُجد حتى قبل الإسلام، وإنهم لم ينسبوا إلى حال معينة أو علم معين لأنهم يتخلقون بكل الأخلاق الفاضلة ويتسمون بكل الأحوال الشريفة، فلا محل لتميزهم بحال دون حال، ولا بخلق دون خلق.

ويعلل القشيري في رسالته عدم تسمية الجيل الأول من المسلمين باسم الصوفية قائلًا(1): ((إنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان المسلمون ممن صحبوه يرون لأنفسهم شرفًا لا يدانيه شرف أن يسموا بالصحابة، وكذلك الأمر بالنسبة للجيل الذي تلاهم، فكانوا يرون في إطلاق لفظ التابعين عليهم شرفًا؛ فلم تظهر لذلك تسمية المقبلين على العبادة بــ: الزهاد، والعباد، والنساك، والبَكَّائِين، ثم الصوفية إلا بعد جيل الصحابة والتابعين)).

ومال إلى ترجيح هذا الرأي من الباحثين المعاصرين الدكتور أبو الوفا التفتازاني.

2- وقد اختلف في اشتقاق كلمة (صوفي) إلى أقوال كثيرة بخلاف ذلك، فقيل: الظاهر من هذا الاسم أنه لقب، إذ لا يشهد له من الجهة العربية اشتقاق أو قياس.

3- وقيل: هو مشتق من الصفاء، وإلى هذا يشير أبي الفتح البستي بقوله:

تنازع الناس في الصوفي واختلفوا     فيه وظنوه مشتقًا من الصوف

ولست أنحل هذا الاسم غير فتى    صافى فصوفي حتى لقب الصوفي

وقيل: أنه مشتق من (الصفو) بمعنى: الصفاء –أيضًا-. وهذا الرأي رجحه العديد من كبار الباحثين كالأستاذ الدكتور عبد اللطيف العبد حيث يقول:

" أو هو مأخوذ من (الصفاء) أو (الصفو)؛ نظرًا لأن التصوف يهدف إلى ترقية النفس من أجل السعادة، وهذا الرأي هو الأرجح عندي لهذا السبب، وهو الصفاء الروحي الذي هو حقيقة التصوف، وقد أشار إلى هذا أبو الفتح البُستي حين قال:

تنازع الناس في الصوفي واختلفوا     جهلًا وظنوه مأخوذًا من الصوف ولست أنحل هذا الاسم غير فتى     صافى فصوفي حتى سمي الصوفي(2)

ولعل التصوف كله مؤسس على تصفية القلب والروح".

4- وقيل: إنه مشتق من (الصف)؛ لأن الصوفية في الصف الأول أمام الله.

5- وقيل: إنه نسبة لأهل الصفة، وكانوا قومًا من فقراء المهاجرين والأنصار بُنِيَتْ لهم صفة في مؤخرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقيمون فيها، وكانوا معروفين بالعبادة.

6- وقيل: إنه مشتق من الصفة.

7- وقيل: هو مشتق من اسم صوفة بن مرة أحد سدنة الكعبة في الجاهلية.

8- وقيل: من كلمة (سوفيا) اليونانية التي تعني: الحكمة، وقيل غير هذا.

ولكن الدراسة العلمية أثبتت أن هذه الوجوه كلها بعيدة، والأصوب أن يقال: إن اشتقاق كلمة (صوفي) هو من (الصوف). فيقال: تَصَوَّفَ الرجلُ إذا لَبِسَ الصوفَ. وكان لبس الصوف شعارًا لعبادة الزهاد لأول نشأة الزهد. وكثير من الصوفية أنفسهم يذهبون إلى هذا الرأي الأخير، ومنهم السراج الطوسي في كتابه (اللمع)، ويؤيده ابن خلدون وآخرون، ومن المعاصرين الدكتور أبو الوفا التفتازاني.

فرأي السراج هذا في اشتقاق أو في سبب التسمية بالصوفي والصوفية هو أرجح الآراء، وإن طعن فيه القشيري على أساس أن الصوفية لم يختصوا بلباس الصوف دون غيره من الأقمشة. أما الآراء الأخرى الواردة في المصادر العربية فبعيدة الاحتمال، وكما لاحظ القشيري بحق فإن هذه الآراء لا يشهد لها اشتقاق من جهة العربية ولا قياس، وكلها بعيدة من جهة القياس اللغوي.

ولما جاء الباحثون من المستشرقين في العصر الحديث حاولوا أن يجدوا لهذا الاسم أصلاً غير عربي، وهي كلها محاولات جانبها التوفيق، وتقوم على المقاربات المغلوطة، والمقارنات المبتسرة.

المراجع:  

- أ/د أبوالوفا الغنيمي التفتازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، القاهرة: مكتبة الثقافة للطباعة والنشر، ط 2، 1976م، (ص 21، 25- 26).

- أ/د عبد الرحمن بدوي، تاريخ التصوف الإسلامي- من البداية حتى نهاية القرن الثاني، الكويت: وكالة المطبوعات، (ص 5 - 14) .

- د/ قاسم غني، تاريخ التصوف في الإسلام، ترجمه عن الفارسية: صادق نشأت، راجعه: د. أحمد ناجي القيسي، د. محمد مصطفى حلمي، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، ط د، 1970م ، (ص 59 - 69).

- أ/د عبد اللطيف محمد العبد، التصوف في الإسلام وأهم الاعتراضات الواردة عليه، القاهرة: توزيع العبد سنتر، ط3، 1421هـ- 2000م، (ص 13-21) .

- أ/د عامر النجار، الطرق الصوفية في مصر، نشأتها ونظمها، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، د ت، (ص 6) .


(1)    الرسالة القشيرية: القاهرة 1330هـ، ص 7-8.

(2)    المالكي (الشيخ محمد بن محمد المالكي): (الدر الثمين والمورد المعين)، 2: 169، ط1373هـ-1954م، مصطفى البابي الحلبي بمصر.


التقييم الحالي
بناء على 47 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث