نسخة تجريبيـــــــة
القيام بالتكاليف

جاء الدين الإسلامي بتكاليف عديدة لصلاح المجتمع ولصلاح الفرد، وهذه التكاليف يتبين من اسمها أنَّ فيها شيئًا من المشقة على هؤلاء الذين لم يذوقوا الصلة بالله، ولما في التكاليف من مشقة حاولَ كثيرون التخلص منها بشتى الوسائل أو التأويلات المنحرفة.

ومن أضَلِّ هذه الوسائل ما يزعمه البعض من أنه وَصَلَ من الصلة بالله، إلى

رفع التكاليف عنه, وتلك خدعة شيطانية, وقد حارَبَهَا أئمة التصوف في مختلف العصور حربًا لا هَوَادَةَ فيها.

ومن هؤلاء الذين حاربوها بشدة: أبو الحسن الشاذلي }.

كان باستمرارٍ يأمر ويحُثُّ على اتباع الكتاب والسنة، ويبين أنَّ الانحرافَ عنهما اتباع للشيطان, يقول }: ما ثَمَّ كرامةٌ أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة، فمن أعطيهما وجعل يشتاق إلى غيرهما؛ فهو عبد مفتر كذاب, أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب، كمن أُكْرِمَ بشهود الملك على نعت الرضا فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخَلْعِ الرضا.

ويقول: إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في الجماعة, فلا تعبأ به، هذا في شأن السالك، أما من يتصدى للدعوة فإن من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله >، فهو بدعي على حد تعبير أبي الحسن.

ولكل وقت عمله المحدد، ولكل عمل زمنه المعين, والمتابعة الحقة تقتضي, ألا تؤخر عن أزمانها, يقول أبو الحسن: لا تؤخر طاعات وقت لوقت آخر، فتعاقب بفَوَاتِهَا, أو فوات غيرها, أو مثلها؛ جزاء لما ضيع من ذلك الوقت، فإن لكل وقت سهمًا، فحق العبودية يقتضيه الحقُّ منك بحكم الربوبية.

وأمَّا تأخير عُمَرَ } الوِتْرَ آخر الليل فتلك عادة جارية وسنة ثابتة ألزمه الله تعالى إياها مع المحافظة عليها, وأنى لك بها مع الميل إلى الراحات، والركون إلى الشهوات، والغفلة عن المشاهدات؟!.

فهيهات هيهات هيهات!.

وكثير من الناس يَجِدُ شهوة فاسدة في أنماط من العلم منحرفة يعكف عليها فتصرفه بالكلية من كتاب الله وسنة رسوله >، وتصبح حجابًا بينه وبين الله, وإلى هؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الدرجة ينصح الشاذلي:

«كل علم تسبق إليه الخواطر، وتميل إليه النفس، وتلتذ به الطبيعة -فارمِ به وإن كان حقًّا، وخُذْ بعلم الله الذي أنزله على رسوله، واقتدِ به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعدِهِ وبالأئمة الهداة المُبَرَّئِينَ عن الهوى ومتابعته؛ تسلم من الشكوك والظنون والأوهام, والدعاوى الكاذبة المضلة عن الهدى وحقائقه».

وفي الناس من يزعُمُ: أنه وصل في المحبة إلى درجة تغنيه عن اتباع التكاليف، وإلى هؤلاء يقول: سمعت هاتفًا يقول: إن أردتَ كرامتي فعليك بطاعتي وبالإعراض عن معصيتي، والطريقة المثلى هي أنه:

«إذا عارض كشفك الكتاب والسنة؛ فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك: إنَّ الله تعالى قد ضَمِنَ العصمة في الكتاب والسنة, ولم يضمنها لي في جانبي الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة، مع أنهم أجمعوا على أنه لا ينبغي العمل بالكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة».

والنتيجة التي يريد أن يصل إليها تتمثل فيما يلي:

«ارجع عن منازعة رَبِّكَ تكن مُوَحِّدًا، واعمل بأركانِ الشرع تكن سُنِّيًّا، واجمع بينهما تكن محققًا».

المرجع : قضية التصوف ، المدرسة الشاذلية- فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، مصر: دار المعارف، ط 3 ، ص73- 75.


التقييم الحالي
بناء على 3 آراء
أضف إلى
أضف تعليق
الاسم *
البريد الإلكتروني*
عنوان التعليق*
التعليق*
البحث