الشيخ أبو الحسن الشاذلى ومبنى طريقته وأصولها وأمهات آدابها
تناولنا الكلام حول مدى صعوبة الوقوف على منهج الإمام أبى الحسن الشاذلي فى مدخل خاص (الشاذلية - تصوفها - الشيخ أبى الحسن وطرق معرفة منهجه الصوفى)، وذكرنا هناك سبل الوصول إلى منهجه رضى الله عنه، وفى هذا المدخل سنحاول الوقوف على مبنى طريقة الشيخ أبى الحسن رضى الله عنه .
أ- أما مبنى طريقة الشاذلى فيقول ابن عطاء الله السكندرى عن شيخه أبى العباس: «ومبنى طريقته على الجمع على الله وعدم التفرقة، وملازمة الخلوة والذكر، ولكل مريد معه سبيل يحمل كل واحد على السبيل الذى يصلح له؛ وكان لا يحب المريد الذى لا سبب له، وكان يدل المريد على الانجماع فى حيه، ولا يلزم المريد أن لا يرى غيره، وكان يقول عن شيخه (يعنى أبا الحسن الشاذلى): اصحبوني، ولا أمنعكم أن تصحبوا غيري، فإن وجدتم منهلا أعذب من هذا المنهل فردوا»([1]).
ب- وأما أصول طريقة الشيخ أبى الحسن ، فيذكرها الشيخ زروق فيقول: "أصول طريقتنا خمسة أشياء: تقوى اللَّه تعالى فى السر والعلانية، واتباع السنة فى الأقوال والأفعال، والإعراض عن الخلق فى الإقبال والإدبار، والرضا عن اللَّه تعالى فى القليل والكثير، والرجوع إلى اللَّه تعالى فى السراء والضراء، فتحقيق التقوى بالورع والاستقامة، وتحقيق السنة بالتحفظ وحسن الخلق، وتحقيق الإعراض عن الخلق بالصبر والتوكل، وتحقيق الرضا عن اللَّه بالقناعة والتفويض، وتحقيق الرجوع إلى اللَّه بالحمد والشكر فى السراء واللجأ إليه فى الضراء"([2]).
ثم يوضح لنا الشيخ زروق بعد ذلك أصول هذه الأصول الخمسة، وأصول المعاملات فى طريقة الشيخ أبى الحسن الشاذلى، والأصول التى تداوى بها علل النفس، فيقول: "وأصول ذلك كله خمسة: علو الهمة، وحفظ الحرمة، وحسن الخدمة، ونفوذ العزمة، وتعظيم النعمة، فمن علق همته ارتفعت رتبته، ومن حفظ حرمة اللَّه حفظ اللَّه حرمته، ومن حسنت خدمته وجبت كرامته، ومن أنفذ عزمته دامت هدايته، ومن عظمت النعمة فى عينه شكرها، ومن شكرها استوجب المزيد من المنعم بها حسبما وعده الصادق.
وأصول المعاملات خمسة: طلب العلم للقيام بالأمر، وصحبة المشايخ والإخوان للتبصر، وترك الرخص والتأويلات للحفظ، وضبط الأوقات بالأوراد للحضور، واتهام النفس فى كل شىء للخروج عن الهوى والسلامة من العطب والغلط، فطلب العلم آفته صحبة الأحداث سناً أو عقلاً أو ديناً ممن لا يرجع لأصل ولا قاعدة، وآفة الصحبة الاغترار والفضول. وآفة ترك الرخص والتأويلات الشفقة على النفس، وآفة ضبط الأوقات اتساع النظر فى العلم لعلة ذى الفضائل، وآفة اتهام النفس الأنس بحسن أحوالها واستقامتها، وقد قال تعالى {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} وقال الكريم بن الكريم ابن الكريم بن الكريم يوسف بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم صلوات اللَّه وسلامه عليهم {وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربى}.
وأصول ما تداوى به علل النفس خمسة أشياء: تخفيف المعدة من الطعام، واللجأ إلى اللَّه مما يعرض عند عروضه، والفرار من مواقع ما يخشى وقوع الأمر المتوقع فيه، ودوام الاستغفار مع الصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلمبخلوة واجتماع، وصحبة من يدل على اللَّه أو على أمر اللَّه وهو معدوم"([3]).
ج- وأما أمهات آداب طريقة الشيخ أبى الحسن الشاذلى، فهى عدة ذكرها الشيخ زروق أيضا ، وقام بشرحها ، وحاصلها أن أمهات آداب هذه الطريقة العلية هى :
أولها : التزام التقوى بترك المحرمات، وحفظ الواجبات من غير إخلال ولا إفراط.
ثانيها: العمل بالأسباب التى تكمل بها التقوى.
ثالثها: التيقظ لموارد الأشياء ومصادرها بحيث يكون قلبه عند جوارحه فكل جارحة تتحرك منه يقابلها بحكم حركتها وقصدها.
رابعها: صحبة أهل المعرفة والعلم، الذين يبصرونك بعيوب نفسك، ويدلونك على ربك.
خامسها: مجانبة أهل الغرة والأغرار.
سادسها: التزام الأدب، فإن التصوف كله أدب.
سابعها : إعطاء الأوقات حقها.
ثامنها: ألا ترى فى العالم إلا أنت وربك فتراقبه حق المراقبة.
تاسعها: ترك التكلف فى الحركات.
عاشرها: عمارة القلب بما يحميه([4]).
(1) ابن عطاء الله ، لطائف المنن، ص 145.
(2) ابن عياد الشافعى ، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص 117 (ط الحلبى) .
(3) نقله عن الشيخ زروق: ابن عياد الشافعى ، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص 117-119 (ط الحلبى) .
(4) انظر هذه الأمهات مع شرحها من كلام الشيخ زروق عند : ابن عياد الشافعى ، المفاخر العلية فى المآثر الشاذلية، ص 119-126(ط الحلبى) .