يقول الله تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186].
وقد أمر الله سبحانه الإنسان أن يدعوَه، وهَدَّدَ الذين يستكبرون عن دعائه، وفي حديث رواه الإمام أحمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:60].
وعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء مخ العبادة».
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء».
الدعاء يرد القضاء:
وروى ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من فُتح له باب الدعاء فُتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله تعالى شيئًا أحبَّ إليه من أن يسأل العافية، وإن الدعاء ينفع مِمَّا نزل ومما لم ينزل، ولا يرد القضاءَ إلا الدعاء، فعليكم بالدعاء».
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها -فيما رواه البزار والحاكم وصححه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يُغْنِي حذرٌ من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة».
وروى الترمذي عن سيدنا سلمان الفارسي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البِرُّ».
ولقبول الدعاء شروط منها:
1- التوبة الخالصة النصوح.
2- وتحري الحلال.
فعن ابن عباس، فيما أخرجه الحافظ ابن مَرْدَوَيهِ، تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾[البقرة:168]، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني مستجابَ الدعوة، فقال: «يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجابَ الدعوة، والذي نفس محمدٍ بيده إنَّ الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يُتقبل منه أربعين يومًا، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به».
أوقات الدعاء:
والدعاء يصح في كل وقت؛ بيد أنَّ هناك أوقاتًا وأماكن أرجى في الدعاء من غيرها، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقاتًا للدعاء منها ثلث الليل الأخير، يقول صلوات الله وسلامه عليه:
«ينزل ربنا كل ليلةٍ إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخِر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟».
ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الدعاء أسمع؟ فقال:
«جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبة».
وروى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثِروا من الدعاء».
أما الأماكن الأرجى في استجابة الدعاء، فإنها الأماكن الطاهرة المباركة، وأشرفها الحرم المكي والحرم المدني.
ومن أجل هذه الأهمية الكبرى للذكر وللدعاء في الإسلام، استفاض أبو الحسن في الذكر وفي الدعاء.
وكانت طريقتُه في أكثرِ الأحيان أن يمزِج الذكر بالدعاء، وما روي عنه في هذا الباب كثيرٌ مستفيض سواء منها ما يتعلق بالأحزاب أو بغيرها من أبواب الذكر والدعاء، ولا يتسع المجال لذكرها كلها هنا، وسنكتفي ببعض ما ذكره ابن عطاء الله السكندري في «لطائف المنن»، وابن الصباغ في «درة الأسرار»، وابن عياد في «المفاخر العلية».
وعن أحزاب أبي الحسن يقول ابن عياد:
وأحزاب أهل الكمال ممزوجة بأحوالهم، مؤيدة بعلومهم، مسددة بإلهامهم، مصحوبة بكراماتهم، حتى قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه في شأن حزبه الكبير: «من قرأه كان له ما لَنا وعليه ما علينا».
وقد تقدَّم بيان ذلك، واعلم أن أحزاب الشيخ رضى الله عنه جامعة بين إفادة العلم وآداب التوحيد، وتعريف الطريقة، وتلويح الحقيقة، وذكر جلال الله تعالى وعظمته وكبريائه، وذكر حقارة النفس وخستها، والتنبيه على خدعها وغوايتها، والإشارة لوصف الدنيا والخلق وطريق الفرار من ذلك، ووجه حصوله، والتذكير بالذنوب والعيوب والتنصل منها، مع الدلالة على خصائص التوحيد وخالصه، واتباع الشرع ومطالبه، فهي تعليم في قالب التوجه، وتوجه في قالب التعليم، من نظرَها من حيث العلم وجده كامنًا فيها، ومن نظرهَا من حيثُ العمل فهي عينة، ومن نظرها من حيث الحال وجده كامنًا فيها، وقد شَهِدَ شاهدها بذلك عند الخاص والعام، فَلَا يسمع أحد من كلامها شيئًا إلَّا وجد تأثرًا في نفسه، ولا يقرؤها إلا كان مثل ذلك ما لم يكن مشغولًا ببلوى، أو مشغوفًا بدنيا، أو مصروفًا بدعوى، أعاذنا الله تعالى من البلاء.
ويقول أبو الحسن ناصحًا الذاكرين والداعين الذين يرجون قبول الله لدعائهم: إذا أردت أن يستجاب لك أسرع من لمح البصر؛ فعليك بخمسة أشياء:
1- الامتثال للأمر.
2- والاجتناب للنهي.
3- وتطهير السر.
4- وجمع الهمة.
5- والاضطرار.
وخُذْ ذلك من قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل:62].
فالمحروم من يدعوه وقلبه مشغول بغيره.
فاحذر هذا الباب جدًّا، فإن لم تستطع أن تتصف بالخمسة أشياء، فعليك بالخلوة عن الناس، واذكر ما شاء من قبائحك وأفعالك، واحتقر جميع أعمالك، وقدم إليه ما علمته من جميل ستره عليه، وقل:
«يا الله يا منان يا كريم يا ذا الفضل، من لهذا العبد العاصي غيرك وقد عجز عن النهوض إلى مرضاتك، وقطعته الشهوة عن الدخول في طاعتك! لم يبق له حبل يتمسك به سوى توحيدك، وكيف يجترئ على السؤال من هو معرض عنك! أم كيف لا يسأل من هو محتاج إليك، وقد مننت عليَّ الآن بالسؤال منك، وجعلت حسبي الرجاء فيك، فلا تردني خائبًا من رحمتك يا كريم، وقد جعلتَ لأسمائك حرمة فمن دعاك بها لا يشرك بك شيئًا أجبته، فبحرمة أسمائك يا الله يا ملك يا قدوس، يا سلام يا مؤمن يا مهيمن، يا عزيز يا جبار يا متكبر، يا خالق يا بارئ يا مصور، قنى من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل والشك وسوء الظن وضلع الدين، وغلبته وقهر الرجال، فإن لك الأسماء الحسنى، وقد سبح لك ما في السموات والأرض، وأنت العزيز الحكيم.
اللهم إني أسألك خيرات الدنيا وخيرات الدين، خيرات الدنيا بالأمن والرفق والصحة والعافية، وخيرات الدين بالطاعة لك، والتوكل عليك، والرضا بقضائك، والشكر على آلائك ونعمك؛ إنَّك على كل شيء قدير». اهـ.
المرجع : قضية التصوف ، المدرسة الشاذلية- فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، مصر: دار المعارف، ط 3 ، ص122 - 126.