مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية - الإشراف على التكايا كانت المولوية والجلشانية والبكتاشية من بين الطرق التي ليس لها جماعات نشيطة في خارج القاهرة. وكل طريقة من هذه الطرق كان لها تكية وكانت التكية هي مركز نشاطها. وكان رؤساء هذه التكايا هم في نفس الوقت رؤساء للطرق الخاصة بهم في مصر ، وكانت هناك تكايا أخرى تأوي جماعات من المتصوفين وتنتمي لطرق يعترف رؤساؤها بسلطة البكري ويتم تعيينهم بمعرفة البكري ، ومع ذلك كانت هذه التكايا تعامل كجماعات مستقلة لها مشايخها الخاصة بها كرؤساء لها.. وكان معظم المقيمين في هذه التكايا من الأجانب أو ليسوا من أصل مصري وبعض التكايا كانت لا تضم سوى مقيمين جاءوا من دولة معينة أو من منطقة معينة مثل بخارى أو خوكاند أو الأناضول. ولقد تقبل جميع رؤساء هذه التكايا الحقيقة الواقعة وهي أن البكري قد أصبح هو المسئول الرسمي الوحيد الذي بيده سلطة تعيينهم بطريقة قانونية وذلك لكي يتمكنوا من الحصول على المكافآت الدورية من الروزنامه أو من أي مورد حكومي آخر. ولم يكن في هذا ما يدعو للدهشة طالما أنهم لن يتمكنوا من الحصول على هذه المكافآت المالية الدورية إلا إذا صدر لهم قرارات رسمية بتعيينهم من جانب البكري. وعندما كان يموت واحد منهم كان رؤساء التكايا الآخرون يذهبون إلى التكية التي مات رئيسها بصحبة مندوب عن البكري. وكان مهمتهم هي أن يتأكدوا من أن ميراث الميت قد سار وفقًا للشريعة الإسلامية وفي نفس الوقت كانوا يبحثون في مسألة تحديد خليفة للميت. وعندما تصبح وظيفة كهذه شاغرة بسبب وفاة أو رحيل شاغلها فإن البكري لا يبادر إلى تعيين شخص آخر إلا بعد أن يقوم المقيمون في التكية باختيار شخص من بينهم. وهذا المرشح المقترح يمكن أن يكون من سلالة رئيس التكية السابق أو قريبا له. إلا أن هذا الوضع لم يكن بأي حال من الأحوال هو الإجراء الرسمي مثلما كان عليه الحال بالنسبة لرؤساء الطرق. فهنا كان الشرط الأساسي للتعيين هو أن تكون لسلطة المرشح على المشاركين له في التكية أساس قانوني وشرعي. وكانت المنازعات تنشأ أحيانًا بين طوائف المقيمين في التكية الواحدة حيث تساند كل طائفة مرشحًا مختلفًا. ولكن مثل هذا النزاع لا يدوم فترة طويلة طالما أن التكية وبالتالي المقيمين بها لن يتمكنوا من الحصول على أية مكافآت مالية من المصادر الحكومية إلا من خلال رئيس لها معين بطريقة قانونية. ولذلك كانت الطوائف المختلفة المندرجة تحت التكية الواحدة تسارع إلى التوصل إلى اتفاق بأسرع ما يمكن. فإذا استمر المقيمون في التكية في النزاع حول الشخص الذي ينبغي تعيينه شيخًا عليهم فإنه يتم عقد مجلس بهدف بحث الأمر والتوسط بين الأطراف المتنازعة. وكان يشارك في هذه المجالس رؤساء الطرق ورؤساء التكايا ورؤساء الأضرحة وكانوا في جميع الأغراض والأهداف متساويين مع بعضهم البعض. وكان هذا هو الوضع بالنسبة للمجالس المشابهة التي تعقد عندما تنشأ منازعات بين أعضاء طريقة ما أو بين أشخاص على صلة بالمؤسسات المرتبطة بالطرق وواقعة في نطاق دائرة البكري وسلطته القضائية. وما أن يتم تعيين شخص ما في منصب حتى يبادر البكري بإبلاغ الروزنامة وإعطاء التعليمات بدفع المرتبات الاعتيادية للشيخ المعين حديثًا. ونظرًا لأن الغالبية العظمى من رؤساء التكايا كانوا يستفيدون من الأوقاف الواقعة تحت إشراف ديوان الأوقاف أو التي لها معاملات مع ديوان الأوقاف بوسائل أخرى فإن البكري يقوم أيضًا بإبلاغ الأوقاف وكذلك إبلاغ ناظر الخاصة إذا كان للتكية دخل من هذا المصدر. كما كان يتم إبلاغ رئيس الشرطة «المأمور» بالقاهرة حيث كان المأمور يعتبر مسئولًا بالدرجة الأولى عن مساعدة الشيخ المعين حديثًا في الاضطلاع بمهام منصبه في حالة منع الشيخ بالقوة من مزاولة مهام منصبه من جانب المقيمين بالتكية الذين لا يوافقون على تعيينه. بل وكان البكري يقوم بإبلاغ الرئيس على المأمور ألا وهو محافظ القاهرة؛ إذ كان المحافظ يهمه أن يعرف أسماء الأشخاص المسئولين عن التكايا المختلفة نظرًا لأن هؤلاء الموظفين كانوا يعتبرون من الشخصيات الدينية الهامة التي ينبغي أن يوجه الدعوة لهم لحضور الاحتفالات الرسمية. وفي الاحتفالات الدينية العظمى التي ينظمها ويشرف عليها البكري لم يكن ساكنوا التكايا ولا رؤساؤها يشاركون في المواكب الاحتفالية المختلفة التي تقام. إلا أن البكري في حالة تنظيمه لحضرة أو في حالة اشتراكه في حضرة تنظمها طرق أخرى كان يدعو مشايخ التكايا والقاطنين في التكايا التي يشرف عليها المشايخ الآتية أسماؤهم: محمد أحمد قاسم القادرية محسن عبد المحسن القادرية عبد الرحمن السطوحي السطوحية «الأحمدية» محمد الدريني الزهيدية الأحمدية محمد الشافعي شيخ تكية الأستاذ المغربي شاكر خان شيخ تكية حسن الرومي ميرزا شيخ تكية البخارلية محمد البخشي شيخ تكية الهنود عثمان أفندي سليمان شيخ تكية الأزبك محمد أفندي عاشق شيخ تكية النقشبندية أحمد أفندي خاكي شيخ تكية درب قرمز محمد بكير شيخ تكية قيصون محمد نور شيخ تكية الركوبية علي شيخ تكية الغنام محمد أفندي شيخ تكية شايخون إبراهيم شيخ تكية السروجية نصر أفندي شيخ تكية محيي الدين إبراهيم أفندي شيخ تكية بولاق عبد الرحمن أفندي شيخ تكية القصر العيني عباس شيخ تكية المغاويري حسن أفندي شيخ تكية المولوية خليل أفندي شيخ تكية الجلشانية وليس من المعروف لنا ما إذا كان رؤساء تكية الأستاذ المغربي التي كانت تقع بالقرب من شارع الإسماعيلية الموصل ما بين الأزبكية وبولاق وتكية حسن الرومي بشارع المحجر بالقرب من القلعة يدينون بالولاء لطريقة معينة. كذلك ليس لدينا أية معلومات توحي بأن قاطنى هاتين التكيتين كانوا أعضاءًا في طريقة معينة أو كانوا ينتمون لأصول إقليمية معينة. وهناك معلومات تاريخية متاحة عن تكية حسن الرومي فقط. إلا أن هذه المعلومات مقصورة على القرن الثامن عشر ومحدودة في مجالها ومضمونها . أما تكية البخارلية -واسمها بالكامل هو تكية ناظم الدين البخارلية فقد كانت تقع بالقرب من الحطابة وكانت محجوزة للبخاريين تحت قيادة شيخ بخارى. كما كانت تكية الهنود مسكونة أيضًا بالبخاريين الذيت كانوا ينتمون حتمًا إلى القادرية طالما أن حق الإقامة في هذه التكية كان محجوزًا للأعضاء في هذه الطريقة على ما يبدو. أما تكية الأزبك والمعروفة أيضًا باسم تكية محمد تقي الدين البسطامي والموجودة في درب اللبان فقد كان جزء من سكانها من أصل بخارى بل ولقد ظلت في الفترة 1201 «1786/ 1787» حتى عام 1288 «1871/ 1872» تحت قيادة مشايخ بخاريين من أصل بخاري. إلا أن جزءًا من المقيمين في هذه التكية والذين كانوا مواطنين خوكانديين اتخذوا بعض الإجراءات لكي يحصلوا على تعيين مواطن خوكاندي كخليفة للشيخ البخاري على هذه التكية عقب انتقاله إلى رحمة الله في عام 1288 «1871/ 1872». فعارضت الجماعة البخارية في هذه التكية هذا الإجراء وقدموا مرشحًا عنهم للبكري. وتلي ذلك صراع طويل تضمن المنافسات الوطنية وانتهى الصراع باحتكار الخوكانديين للتكية رغم أنهم كانوا قد أعلنوا أمام الجميع أنهم يوافقون على تعيين شخص من أصل أوزبكي ليس له انتماءات وطنية كرئيس على هذه التكية. وكان عثمان أفندي سليمان الوارد اسمه في القائمة سالفة الذكر ينتمي للنقشبندية التي كانت لها جماعة نشيطة تعيش في تكية تقع بالقرب من شارع الجبانية ابتداء من عام 1268 «1851/ 1852». وكانت هذه التكية قد شيدت في تلك السنة عن طريق الخديوي عباس الأول وعلى نفقته الخاصة. كما أنشأ أوقافًا شاسعة لتدعيم هذه التكية. وقد فعل كل هذا من أجل محاباة شيخ نقشبندي يسمى محمد عاشق «1300: 1883» وورد اسمه كرئيس على هذه التكية. وكان هذا الشيخ من أصل تركي «عثمانلي» ودخل إلى الطريقة النقشبندية عن طريق أحمد ضياء الدين القمشخنالي «1311: 1893» الذي كان ينتمي للطريقة الضيائية وهي فرع من الخالدية ولقد انتشرت تعاليم النقشبندية عن طريق خالد الشهرزوري «1242: 1827» وهو أعظم داعية لهذه الطريقة في العالم العربي. وهناك تكية أخرى كان يرأسها شيخ ينتمي لهذه الطريقة وهي تكية درب القرمز. وهو الشيخ أحمد خاكي «1891» شيخ هذه التكية ، والذى لم يكن يمثل الخالدية أو أي فرع من فروعها وإنما كان يمثل المجددية وهي بمثابة تعاليم نقشبندية قديمة ترجع إلى الشيخ أحمد السرهندي الإمام الربانى «1034: 1624». إلا أن غالبية المقيمين في هذه التكية كانوا ينتمون على ما يبدو إلى الخلواتية. والتكايا التي كان يرأسها مشايخ اعتادوا على الانتماء للطريقة الخلواتية فقط بل وكانت الإقامة بها مقصورة على الأعضاء المنتمين لهذه الطريقة هي: تكية قيصون التي تعرف باسم تكية الخلواتية في الحلمية، وتكية الركوبية بشارع الركوبية وتكية الغنام في غيظ العدة. وهناك تكايا كان رؤساؤها وجميع المقيمين بها ينتمون للطريقة الرفاعية. وهذه التكايا هي: تكية محيي الدين بالقرب من القلعة بشارع المحجر وتكية بولاق المعروفة باسم تكية الرفاعية. أما تكية محيي الدين فقد أسسها الخديوي عباس الأول في عام 1266 «1850» والبيانات الإضافية الوثيقة الصلة بتاريخ هذه المؤسسات لا تتجاوز ما أورده علي مبارك. وكان هذا هو نفس الوضع بالنسبة لتكية شيخون بشارع الصليبة وتكية السروجية الواقعة في الحي الذي يحمل نفس الاسم حيث كان رؤساء هاتين التكيتين القاطنين بهما ينتمون للقادرية فقط. كذلك نجد أن تكية القصر العيني كان يسكنها أيضًا سكان منتمون للقادرية كما كانت تحت إشراف ورئاسة شيخ منتمي للقادرية. ولقد كانت تلك التكية قبل عام 1826 هي المركز الرئيسي للبكتاشية في مصر وفي هذه السنة تم قمع وإخماد هذه الطريقة في مصر وفي جميع أرجاء الامبراطورية العثمانية ولذلك تم تعيين شيخ منتمي للقادرية رئيسًا على تكية القصر العيني التي أصبح يسكنها أعضاء من الطريقة القادرية ويشرف عليها مشايخ من الطريقة القادرية منذ التاريخ. ولكن عقب عام 1839 عندما تولى السلطة سلطان عثماني جديد يسمى عبد المجيد بدأت الطريقة البكتشية تظهر نفسها بصراحة مرة أخرى ومع نهاية الخمسينات من القرن التاسع عشر استقرت جماعة بكتشية مرة أخرى في مصر. وكان من الواضح أن الخديوي إسماعيل قد رحب بالبكتشية حيث قد أصدر قرارًا ينص على منح هذه الطريقة تكية عبد الله المغاويري الواقعة على سفح المقطم وهي مبني متواضع ولكنه تحسن بعد إضافة ملاحق جديدة له. إلا أن ضريح عبد الله المغاويري نفسه ظل تحت إشراف شيخ من سلالة عبد الله المغاويري وليست له علاقة بالطريقة. وكان رئيس التكية ذاتها يعتبر في مصاف رؤساء التكايا الذين يشغلون في نفس الوقت منصب رؤساء الطرق في مصر شأنه في ذلك شأن رؤساء تكية المولوية وتكية الجلشانية. ومن المؤكد أن عدد التكايا التي كان رؤساؤها تحت سلطة البكري قد ازداد حيث ظهرت ستة تكايا أخرى في الفترة من عام 1872 إلى 1879. ويبدو لنا هذا من خلال المكاتبات التي جرت بين البكري والمعية الخديوية عن الرواتب والمكافآت التي ينبغي أن تدفع للمقيمين في التكايا في عام 1879. ففي هذه الوثائق نجد الإشارة إلى 488 مقيمًا دائمًا في 24 تكية يستحقون الإحسان الخديوي «المراحم الخديوية» ، ولا يتم ذكر هذه التكايا بالاسم. ولكن من الممكن أن نستنتج أسماء هذه التكايا من الإحصاء الذي أعده علي مبارك عن التكايا الواقعة تحت سلطة البكري في عام 1304 « 1886/ 1887». ولقد أورد علي مبارك ثمانية تكايا أخرى بالإضافة إلى الأسماء الواردة بالقائمة سالفة الذكر. وهذه التكايا الثمانية هي: تكية الحبانية ، وتكية الميرغينية ، وتكية السيدة نفيسة «الأشراف» ، وتكية العزم ، وتكية النقشبندية بالقرب من حوش شرقاوي ، والتكية القريبة من ضريح أم الغلام ، وتكية البخاري بالقرب من باب الوزير ، وتكية السيدة رقية. وبين رؤساء هذه التكايا نجد أن شيخ تكية الحبانية كان على ما يبدو أقلهم خضوعًا لسلطة البكري وسلطانه القضائي قبل أو أثناء عام 1879. فتكية الحبانية كانت جزءًا من وقف وكان ناظر هذا الوقف هو شيخ هذه التكية في نفس الوقت حيث كان يقوم بالتدريس في التكية من حيث هو رئيس عليها. ولقد جرت العادة على أن يتم التعيين لمنصب رئيس هذه التكية عن طريق ديوان الأوقاف بناء على خطاب توصية من الأزهر. والشيخ الذي يتم تعيينه بهذا الأسلوب بدون الرجوع إلى البكري على الإطلاق يستمر في وظيفته لبضعة سنوات ابتداء من نهاية عام 1875 فصاعدًا. وليس من المحتمل أن تكون تكية الميرغنية من بين ال 24 تكية التي كانت تخضع لسلطة البكري في عام 1879. وطبقًا للتاريخ المتناقل شفويًا عن هذه الطريقة فإن هذه التكية قد تم تأسيسها عندما أقام محمد عثمان تاج السر وهو حفيد مؤسس هذه الطريقة في القاهرة ولقد أقام بالقاهرة على مرحلتين: المرحلة الأولى في عام 1296 «1879» والمرحلة الثانية في عام 1303 «1885» عندما جاء إلى القاهرة كلاجئ أثناء الثورة المهدية. ونظرًا لأن الزيارة الأخيرة للقاهرة تتوافق إلى حد ما مع السنة التي يكتب فيها علي مبارك تقريرًا عن وجود التكية فإنه من المحتمل أن تكون قد أنشئت أثناء الفترة الأولى التي أقام فيها محمد عثمان بالقاهرة في عام 1296 «1879» وبالتالي فهي لا يمكن أن تكون من بين الـ 24 تكية سالفة الذكر. ولذلك فإن تلك التكايا التي قد اعترف رؤساؤها بسلطة البكري في الفترة ما بين عام 1872 وعام 1879 لابد وأن تكون هي التكايا الستة المتبقية. ومن بين هذه التكايا الستة كانت تكية السيدة نفيسة «تكية الأشراف» أصلًا بمثابة مدرسة. ولم تعمل كتكية حتى حلول عام 1880 عندما أعيد تشييدها لمواجهة هذا الغرض. وكانت تكية العزم الواقعة بالقرب من مسجد العشماوي بجوار الأزبكية وتكية النقشبندية بالقرب من حوش الشرقاوي هما أيضًا من المنشآت الحديثة مثل تكية السيدة نفيسة. فقد شيدت تكية العزم بمعرفة الخديوي اسماعيل. وكان المقيمون في تكية السيدة رقية وتكية أم غلام وتكية الأشراف وتكية العزم من الأتراك القادريين فقط. ولا توجد معلومات محددة معروفة عن المقيمين بتكية النقشبندية وتكية البخاري من حيث انتماء هؤلاء الناس لطريقة معينة أو لإقليم معين بخلاف ما توحي به أسماؤهم. وبالاسكندرية نجد أن رئيسى تكيتي القادرية قد قبلا سلطة البكرى عليهما. وفي إحدى هاتين التكيتين كان السكان بها من القادريين الأتراك فقط، إلا أن التكية فى حد ذاتها كانت أساسا تخص الجلشانية وكانت لا تزال تعرف بذلك الاسم. ومن المحتمل أن يكون شيخ التكية القادرية الأخيرة والذي يسمى عبد الرحمن النيازي قد سعى للحصول على تثبيت رسمي من البكرى حتى يتمكن من تدعيم مركزه كرئيس على تكية لم يكن لأعضاء هذه الطريقة الحق فيها أو الحق في وضع اسمهم عليها. وفي نهاية عام 1895 وعقب استقالة نوبار باشا وتشكيل مصطفى فهمى حكومة جديدة بذل محمد توفيق البكري جهودًا عديدة لتعديل التنظيمات حتى يتمكن من الحصول على مزيد من الاستقلالية والسلطة. وكانت التعديلات التي اقترحها تهدف إلى إلغاء إشراف ديوان الأوقاف. وأراد أن يكون الإشراف على جميع التكايا والزوايا والأضرحة والأوقاف التابعة لها وجميع الأوقاف المخصصة للصوفية من اختصاصه وحده. بل والأكثر من ذلك أنه اقترح إلغاء دور المحافظ في انتخابات المجلس الصوفي وأبدى رغبته في أن تجرى الانتخابات مستقبلًا في قصر البكرى بدلًا من مبنى ديوان المحافظة. وقد تجرأ وتقدم بهذا الاقتراح الأخير لأن إجراء الانتخابات في مبنى المحافظة كان يوحي بأنه يقع تحت إشراف المحافظة وهو أمر- من وجهه نظره- يقلل من هيبة منصبه كشيخ مشايخ الطرق الصوفية ومن شخصيته ذاتها. بل واقترح أيضًا أن يكون لأعضاء الطرق الصوفية المختلفة الحق في اللجوء إلى المجلس الصوفي في حالة التظلم من القرارات التي أصدرها رؤساء الطرق الخاصة بهم. والأكثر من ذلك أنه أراد أن تطبق القرارات والتوصيات التي يصدرها المجلس الصوفي على كل شخص يصف نفسه بأنه صوفي. ووافق مصطفى فهمي رئيس الوزراء والذي كان مسئولًا عن نشر وإعلان التنظيمات بصفته وزيرًا في حكومة نوبار باشا- على عدد قليل من التعديلات المقترحة. إذا كانت رغبة البكرى في السيطرة على الأوقاف الخيرية تتناقض مع سياسة مصطفى فهمي التي كانت تهدف تقليص نفوذ النظار الخصوصيين لهذه الأوقاف. وتمشيًا مع هذه السياسة وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها البكرى لتحريك المعارضة ضد هذه السياسة نجد أن نظارة الأوقاف قد أصبحت تحت سلطة وإشراف «الديوان» كما احتفظ الديوان لنفسه أيضًا بالحق في تعيين رؤساء التكايا والزوايا... ليس فقط الرؤساء الذين كانوا مسئولين عن جماعة مقيمة مقصورة على أعضاء تابعين للطريقة الخاصة بهم فقط مثلما هو الحال بالنسبة لرئيس تكية النقشبندية بالقرب من الحبانية ورئيس طريقة تكية الرفاعية عند بولاق ، ولكن أيضًا رؤساء التكايا الذين كانوا في نفس الوقت يشغلون منصب الرئيس الأعلى في طرقهم مثلما هو الحال بالنسبة لرؤساء المولوية والجلشانية والبكتاشية. وقد أدى هذا إلى انخفاض النطاق الذي يقع تحت إشراف وسلطة محمد توفيق البكري. نظرًا لأن التعيين الرسمي عن طريق ديوان الأوقاف لرؤساء هذه التكايا- والتي كانت هى المراكز الوحيدة لهذه الطرق في مصر والأماكن الوحيدة التي يتجمع فيها أعضاؤها المحدودي العدد لتأدية أنشطة صوفية خاصة بهم ، كان يعني أيضًا شرعية المنصب بالنسبة لهم كرؤساء على الطرق الخاصة بهم. وهكذا نرى أن هذه الشخصيات الدينية الكبيرة أصبحوا فيما يتعلق بشرعية منصبهم وكل ما يترتب على ذلك من مضامين لا يعتمدون على التعيين الرسمي لهم من جانب شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، وإنما كانوا يحصلون على شرعية المنصب كرؤساء على الطرق عن طريق وكالة حكومية. وقد أدى هذا الأسلوب الجديد إلى فصل هذه الجماعات عن إدارة الطرق الصوفية ووضعها في مكان هامشي في نطاق عالم الطرق الصوفية ووضعها في مكان هاشمي في نطاق عالم الطرق الصوفية فظلوا على ذلك النحو إلى أن تم إغلاق جميع أنواع التكايا في مصر عقب ثورة 1952. المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 74-82، 118، 136-138.