يرى بعض المؤرخين للطرق الصوفية ، ونشأة مشيخة الطرق الصوفية أن الإصلاح من وجهة نظر الخديوي سعيد ومن خلفه يشتمل على تحديد عام للأنشطة الجماهيرية التي تقوم بها الطرق بالإضافة إلى القضاء على بعض الممارسات الطقوسية الدرامية التي تصيب الناس بالدهشة والذهول مثل «الدوسة» التي يقوم بها السعدية ومثل أنواع تشويه الذات الذي يتم أثناء الحضرات بمعرفة الرفاعية والعيسوية على سبيل المثال. ولكن القضاء على هذه الممارسات كان من شأنه حرمان الطرق وبالتالي حرمان الأعضاء المنتمين للطرق من جزء من هويتهم. ونظرًا لأن الأعضاء المنتمين للطرق الصوفية كانوا يصلون إلى أقصى درجات تحقيق الذات لهم ولطرقهم الصوفية أثناء الاشتراك في الاحتفالات والمناسبات المختلفة فإن فرض القيود على الظهور أمام الجماهير كان أقرب ما يكون إلى الحرمان العام من ممارسة نشاطهم.
بل إن هذا الإصلاح كان سيؤثر على الوضع الاجتماعي للطرق ويقلل من نفوذها مما يؤثر بالتالي على مركز الشيخ علي البكري (للتوسع راجع: @ 04- البكرية - شيوخ السجادة - على بن محمد بن أبى السعود البكرى @) الذى أسند إليه الإشراف على الطرق الصوفية بعد وفاة والده، ولذلك لم يظهر الشيخ علي البكري الاهتمام والحماس نحو هذه المطالب. إلا أنه من وقت لآخر كان يشعر أنه مضطر لاتخاذ إجراءات تمشى مع رغبات الخديوي خاصة عندما تنقد الصحافة بعض الأمور التي تتم في أثناء الحضرات مثل أكل الثعابين وتشويه الذات. وفي مثل هذه الحالة فإن البكري إذا التزم بعدم الاهتمام فإن هذا يعود عليه بالمزيد من عدم الثقة من خارج نطاق عالم الطرق الصوفية ، وإذا قام بإجراءات مشددة ومعاقبة بعض موظفي الطرق المتورطين في مثل هذه الأعمال فإن هذا يعود عليه بعدم الثقة في داخل نطاق الطرق الصوفية. وقد حدث هذا على سبيل المثال في عام 1880 عندما نشرت الجريدة اليومية «المحروسة» التي تصدر في الإسكندرية وصفًا لاحتفالات إحدى الموالد بتلك المدينة. ففي هذه المناسبة طعن الناس أنفسهم بأسياخ من الحديد أثناء الحضرة. وما أن جذبت هذه الجريدة انتباه عدد كبير من الجماهير العريضة إلى هذه الأحداث حتى اضطر البكري إلى اتخاذ بعض الإجراءات. وطلب من محافظ الإسكندرية أن يحضر مجلسًا يتكون من موظفي الطريقة ووكيل البكري. وقام هذا المجلس ببحث ادعاءات الجريدة ومعاقبة أولئك الذين شاركوا في الأنشطة التي انتقدتها الجريدة في حضور القاضي ومفتي المدينة إلا أن العقاب الوحيد المطلوب كان مجرد إبداء التوبة والندم أمام أعضاء المجلس والقسم على عدم العودة إلى مثل هذه الأعمال مستقبلًا.
والحالات المماثلة لهذه الحالة كانت قليلة ويبدو أن الهدف الرئيسي من ورائها هو مجرد تظاهر البكري بأنه يقبل رغبة الخديوي في إصلاح الطرق الصوفية ويهتم بتنفيذ هذا الإصلاح.
وكان الخديوي نفسه يشعر بعدم الحرية في اتخاذ المزيد من الإجراءت الحاسمة بسبب قوة شخصية الشيخ علي البكري ومركزه القوي ولذلك اعتبر هذه الإجراءات التي تتم من وقت لآخر غير كافية لمواجهة الإصلاح .
كما كان لدعوات رجال الإصلاح الإسلامى من أجل إصلاح الطرق الصوفية، ومحاربة ما انتشر فيها من بدع وخرافات أثره الواضح على الشيخ محمد توفيق البكرى عندما أصدر اللائحة الداخلية الطرق الصوفية لعام 1905 م، وهو ما تناوله بالتحليل عندما تناول هذه اللائحة ، راجع: (@مشيخة الطرق الصوفية - اللائحة الداخلية الطرق الصوفية لعام 1905 م@).
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 90-91.