كان محمد توفيق البكري نفسه منذ وقت مبكر يرجع إلى عام 1893 م يعترف بأن الأمر يستلزم ضرورة إصلاح الطرق حيث كتب بحثًا في هذا الشأن تحت عنوان «المستقبل للإسلام».
والجدير بالذكر أن الأفكار المتعلقة بهذا الموضوع وكذلك الموضوعات العامة الواردة في هذا الكتيب كانت متمشية تمامًا مع التأثيرات التي أحدثها في ذلك الوقت جمال الدين الأفغاني الذي تقابل مع محمد توفيق البكري في استنابول في عام 1892 م ، ولعل هذا هو السبب في أنه عندما تقلد محمد توفيق البكري منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية قام رجل مثل عبد الله النديم وعبر عن اعتقاده بأنه سيتمكن من القضاء على «البدعة» المتفشية بين أعضاء الطرق وسيعمل على عودة هؤلاء الأعضاء إلى «السنة».
ولكن نظرًا لأن محمد توفيق البكري كان قد عين حديثًا كرئيس على الطرق فإنه لم يكن في وضع يمكنه من اتخاذ إجراء قد يعود بالضرر على جهوده الرامية إلى إعادة تدعيم سلطته ولذلك نجد أنه أحجم عن اتخاذ أية إجراءات تهدف إلى القضاء على «البدعة» وقاوم الضغوط التي تدفعه لاتخاذ تلك الإجراءات مثال ذلك الضغوط التي شنها عليه محمد رشيد رضا أثناء عدد من الاتصالات الشخصية خلال عام 1897 م ثم بعد ذلك ابتداء من عام 1898 م فصاعدا في مجلته المنار الدورية حيث نشر مقالات ينتقد فيها التصوف في مصر بصفة خاصة.
وأصبحت الانتقادات الإصلاحية للتصوف أكثر حدة وتلاحقًا مع مطلع القرن العشرين ومن أشهر الكتاب في هذا الشأن: عبد الحميد الزهرواي- محمد عمر- عبد الرحمن الكوكبي.
وربما كرد فعل على هذا النقد الذي أبداه هؤلاء الكتاب وتمشيًا على الأقل مع الرغبة المتزايدة في إصلاح الطرق قام محمد توفيق البكري- كما يقول بنفسه في كتابه «بيت الصديق» - بصياغة معظم مواد اللائحة الداخلية المتعلقة بالقضاء على البدعة بما في ذلك (المادة رقم 6) التي تتضمن فقرة تحدد الحق في الاحتفال بمولد وتنص على القضاء على البدع أثناء هذه الأحداث وكذلك (المادة 2) التي تتضمن فقرة تنص على منع إقامة «الزار» في الأضرحة.
ولكن يبدو أن تضمين (المادة رقم 9) والتي تجعل من المتعذر على أي شخص ينتمي لطريقة أن ينظم حضرة لأغراض تجارية بهدف المحاكاة الساخرة أو مجرد تسلية الجماهير كان أمرًا زائدا عن الحاجة ولا لزوم له طالما أن مادة مماثلة تنص على اعتبار هذه الأعمال وغيرها من الأشكال الأخرى المتعلقة بالإستغلال التجاري للدين جريمة بشعة ، وذلك فى القانون الجديد والذي كان من المقرر أن يبدأ تنفيذه في عام 1904.
إن محمد توفيق البكري كان يرى أن الأمر يستلزم صياغتها في مادة مماثلة في اللائحة الداخلية للطرق وربما هذا التصرف من جانبه كان نتيجة مباشرة لنشر المقالات بالجرائد المصرية في مطلع القرن العشرين والتي تنتقد الاتجار بالدين في مثل هذه العروض التي يحضرها مشاهدون معظمهم من الأوربيين.
ومن بين المادتين الأخيرتين في اللائحة الداخلية نجد أن (المادة رقم 10) قد غطت جميع الاحتمالات المستقبلية حيث نصت على أن العقائد الرئيسية للشريعة سوف تنطبق على كل حدث لم يرد بشأنه نص خاص ونصت المادة الأخيرة على تنفيذ عقوبات التأنيب والإيقاف والطرد من جميع أنواع الطرق وهو الأمر الذي كان شائعًا على الأقل منذ أيام علي البكري- في حالة انتهاك أي نص من النصوص الواردة باللائحة الداخلية.
ولكن كيف تمكن محمد توفيق البكري من إقناع الطرق الممثلين في المجلس الصوفي بقبول اللائحة الداخلية؟ أن هذا الأمر غير معروف لنا حيث يكتنفه غموض شديد ولكن طالما أنه لم يبذل أية جهود لفرض المواد التي تهدف إلى إصلاح الممارسات الطقوسية بالقوة فإنه يبدو أن اللائحة قد تمت الموافقة عليها على أساس أنه كانت هناك ضمانات سرية بأن هذه المواد لن تطبق وستظل حبرًا على ورق كمجرد رد فعل لمطالب رجال الإصلاح بهدف إيقاف اننقاداتهم المتزايدة.
ويبدو أن هذا الهدف قد تم إنجازه في بادئ الأمر ولكن مع نهاية عام 1908 وبعد أن اتضح عدم بذلك أية جهود لتنفيذ هذه المواد الواردة باللائحة بدأت تظهر الشكوك حول مدى جدية البكري ونواياه في هذا الصدد في دوائر القائمين على الإصلاح فقام واحد من أشهر المهتمين بالإصلاح وهو عبد العزيز الجاويش بنشر خطاب مفتوح ينتقد فيه محمد توفيق البكري في جريدة «اللواء» اليومية التي يصدرها مصطفى كامل لعدم قيامه باتخاذ إجراءات ضد الأنشطة غير الشرعية التي يقوم بها أعضاء الطرق أثناء احتفالات المولد النبوي التي شادها في تلك السنة ولم يقم البكري أو أي رئيس من رؤساء الطرق المعترف بها بالرد على الهجوم الوارد بذلك الخطاب المفتوح والتزام بالصمت الذي كان بمثابة السمات المميزة التي ظلت سائدة على مدى العشر سنوات التالية في كل مرة يحدث فيها هجوم من جانب أولئك الذين ليست لديهم مفاهيم صوفية للإسلام أو الذين لديهم مفاهيم مناهضة للتصوف الإسلامي.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 167 - 172.