إن خلفاء الطرق الصوفية -قبل التصديق عليهم كخلفاء، في نطاق إدارة البكري- كانوا خلفاء بالفعل بطريقة مختلفة، وكان ذلك بمقتضى حملهم للإجازة -وهو أمر كان شائعًا بين الطرق لعدة قرون- التي كانت تصدر لهم عن طريق مرشدهم الروحي، والتي كانت تخول لهم الحق في إعطاء العهد للداخلين حديثًا في الطريقة وإرشادهم، وأولئك -الذين كانوا خلفاء في إطار هذا المعنى الأخير- قد وقعوا تمامًا تحت السلطان القضائي لأولئك الذين كانوا خلفاء أولًا في نطاق إدارة البكري.
وامتلاك الإجازة كان يمثل دليلًا ساطعًا على أن الشخص الذي يمتلكها هو إنسان صاحب مقام ديني رفيع الشأن، وكان هذا من شأنه أن يعطيه -أحيانًا- حقوقًا متميزة؛ مثل: الاستثناء من الخدمة العسكرية، ومن الانخراط في أعمال السخرة، ومن القيود التي تفرض على السفر والتنقلات، وهي أمور تفرض على السكان الريفيين، كما كان يستثنى من دفع الضرائب، وفي حالة التحاقه بالجيش كان يلقى معاملة خاصة؛ ولهذا السبب، فليس من المدهش أن تنتشر التجارة في الإجازات، ومما زاد من قيمتها التجارية أنها كانت تعطي لحاملها حقوقًا وامتيازات تفوق كثيرًا الحقوق والامتيازات التي تمنحها الحكومة؛ ولذلك نجد أن البكري وكذلك رؤساء الطرق، قد اتخذوا من وقت لآخر الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، وذلك عن طريق الحد من فئة أولئك الذين قد تصدر لهم الإجازات، وعن طريق فرض القواعد والشروط فيما يتعلق بمحتويات ومضامين الإجازات.
ومنذ ذلك الوقت تقريبًا، أصبحت الإجازة لا تكسب صفة الصلاحية إلا بعد أن يتم فحص محتوياتها ومضامينها، ومدى توافقها مع تلك القواعد، وذلك عن طريق رؤساء الطرق الذين يقومون باعتمادها، بالإضافة إلى اعتمادها من الخلفاء الذين أصدروا هذه الوثائق، بمعنى التوقيع عليها بإمضاءاتهم أو بأختامهم.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 45-46.